الثانوية العامة في "زمن الكورونا".. هل تُغني "الفيديوهات" عن "الدروس الخصوصية"؟
كتب- محمد زكريا:
يواصل وباء كورونا المستجد اجتياحه للعالم، ومعه تتشدد الدول في مجابهته، بإغلاق الحدود أمام حركة السفر، وفرض حظر التجوال في كبريات المدن، ومصر لم تكن استثناءً من ذلك كله، ففرضت الأزمة تحديا على طلاب الثانوية العامة، حيث أُغلقت المدارس وعُلقت الدروس الخصوصية، وبات على الطلاب التَعلُم عن بُعد، قبل أسابيع قليلة من بدء الامتحانات.
ضمن حزمة إجراءات فرضتها الحكومة، لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي أصاب 495 شخص، ضمنهم 102 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل، وأودى بحياة 24 آخرين، تم مد تعليق الدراسة "في جميع المدارس والمعاهد والجامعات أيًا كان نوعها، وكذلك أي تجمعات للطلبة بهدف تلقي العلم تحت أي مسمى"، لمدة أسبوعين، اعتبارا من 29 مارس الجاري، اتصالا بقرار لاحق بتعليق الدراسة لأسبوعين، بداية من 15 مارس، على إثره اضطُر كريم سيد التوجه نحو الإنترنت، حيث يستقبل شروحات دروسه من مقاطع مصورة، يبثها عددا من أساتذته على مواقع التواصل الاجتماعي.
بالتزامن مع قرار تعليق الدراسة، تَغير روتين سيد اليومي وتبدلت خططه "المدرسين قالولنا هنضطر نوقف الدروس لحد ما الأزمة تتحل، فقعدت في البيت، ومكنتش عارف ممكن نرجع للدروس أمتى؟ وهنمتحن المنهج كله ولا هيتلغي منه أجزاء؟"، أسئلة كُثر باغتت عقل صاحب الـ19 عاما وقت سماعه بالخبر، كان أولها: "هذاكر لواحدي إزاي من غير مُدرس؟".
كل ما كان تأكد للطلاب والمعلمين في وقتها، هو ما أعلنته وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بالتزامن مع إعلان قرار تعليق الدراسة، من أن "جدول امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2020/2019 كما هو ولم يحدث به أي تعديل"، قبل أن يُعلن وزير التعليم، الدكتور طارق شوقي، بالأمس، 26 مارس، مجموعة من القرارات الجديدة "للتيسير على أبنائنا الطلاب"، ما يخص طالب الصف الثالث الثانوي منها أن "تشمل الامتحانات كل ما درسه الطالب في العام الدراسي (الفصل الدراسي الأول + الفصل الدراسي الثاني حتى 15 مارس 2020)، مع الالتزام بالجدول المعلن لامتحانات نهاية العام".
في الوقت الحالي، لا يغادر سيد المنزل إلا قليلا، "بنزل أجيب المذكرة من المركز، وأذاكر مع نفسي"، فيما يتواصل مع مدرسيه إلكترونيا "مدرس الفلسفة عمل لنا جروب على واتس آب، فيه 257 طالب، وبينزل لنا عليه مذكراته، ونماذج امتحانات محلولة"، فيما نصحهم مُعلم التاريخ باستذكار ما فات من دروس "لحسن الحظ كان بيطلب مننا نسجل محاضراته كلها على الموبايل، عشان نرجع لشرحه في أي وقت نحتاج له"، ويقدم لهم ما هو جديد عن طريق مقاطع فيديو ينشرها على يوتيوب.
بمجرد توقف الدراسة، بدأ ياسر الدسوقي تواصله مع الطلاب من خلال خاصية البث المباشر على فيسبوك "كنت شايف أنها أجدى طريقة، بحيث أعيد الشرح لو حد مش فاهم وأجاوب على الأسئلة، لكن هزار بعض الطلاب وتعليقاتهم السخيفة، ودخول ناس على اللايف بتشتم الطلاب، خلاني ألجأ لتسجيل الحلقات ونشرها على يوتيوب" يحكي مُعلم التاريخ.
الحلقات المصورة التي ينشرها عدد من مدرسي سيد، تُعوضه ولو قليلا عن الانقطاع عن الدرس الخصوصي لبعض المواد "التاريخ مثلا، المستر بيشرح كأننا في المركز بالظبط، فمفيش فرق كبير أوي"، لكن تكون مشكلة للطالب عند انقطاع خدمة الإنترنت عن المنزل "كان في يومين النت قاطع، ومعرفتش أشوف أي فيديوهات، وده شوية شتتني وضيع من وقتي".
غياب الإنترنت عن منزل علاء طه، يحرمه من متابعة تلك الفيديوهات التي يبثها أساتذته، رغم ذلك لا يحس طالب شعبة الأدبي معاناة كبيرة "صحيح أنا كنت باخد دروس في كل المواد، ودلوقتي مضطر أذاكر لوحدي، لكن عشان خلصنا المناهج وبراجع، فقادر اعتمد على نفسي". يؤرق طه فقط، أمر مادتي النحو والإحصاء "دول محتاج فيهم الدرس وشرح المدرس"، وهذا ما لم يعد متاحا الآن، لكن يتغلب ابن حي مدينة نصر على الأمر "بأني أدخل على النت من موبايلات أخواتي وأصحابي، وأسأل المدرسين على الجروبات في الحاجة اللي مش فاهمها".
رغم سلبيات يراها أستاذ التاريخ في التواصل عن بُعد، "خصوصا بالنسبة للطالب اللي مش مقدر الظروف اللي إحنا فيها، ومش بيذاكر لو مكنش في متابعة مباشرة عليه"، يعتقد الدسوقي أن للتواصل الإلكتروني إيجابيات "للطالب اللي واخدها جد وعايز يستفيد"، في نظره يتيح فرصة أكبر "للطلاب اللي مبتاخدش دروس من الأساس، واللي ممكن تتابع الفيديوهات دي في الأقاليم، وبالتالي تتعمم الفائدة على عدد أكبر من الطلبة".
لكن الطالب محمود عاطف، يعاني جراء الانقطاع عن الدروس الخصوصية "استفادتي من حلقة اليوتيوب بتكون 50% مقارنة بالحصة في الدرس، ده غير أني في البيت مش ملزم لا بمذاكرة ولا بواجب، والمشكلة الأكبر بتكون لو مفهمتش حاجة وعايز أسأل.. هسأل مين؟".
يستطرد طالب العلمي علوم: "في مواد زي العربي والجيولوجيا، ممكن الفيديوهات تقضي الغرض، لكن مع الإنجليزي والفيزيا والكيميا، بيكون صعب أنك تذاكر لوحدك"، فيما يجيب على سؤاله لحل: "تأجيل الامتحانات شهر أو اتنين، لحد ما نعرف راسنا من رجلينا".
لتلك الصعوبات، التي يُقدرها جمال السنتريسي، يُراعي معلم الكيمياء في فيديوهاته "أني أشرح ببساطة، وأجاوب على الأسئلة المتدولة بين الطلاب"، إلى جانب تخصيصه لمجموعة على واتس آب تتيح للطلاب فرصة طرح المزيد من الأسئلة والإجابة عليها.
بمجرد أن أوقفت الدراسة، "طلعت فيديو أطمن طلابي، بعدها ابتديت أسجل فيديوهات أشرح فيها الأجزاء اللي ناقصة من المنهج"، ورغم أن التواصل عن بعد يُرهق معلم الكيمياء "لأنه مفيهوش متعة، ولا تفاعل مع العيل اللي بيحرك الواحد في الحصة، وبيستفزه في التفكير"، يلتزم بتقديم الخدمة دون الحصول على مقابل مادي، يقول إنها فقط بمقتضى مسؤولية يحملها أمام الطلاب وأهلهم.
لمتابعة الصفحة على اليوتيوب..اضغط هنا
توقف الدراسة والدروس الخصوصية، دفعت وزارة التربية والتعليم لإعلان خطة بديلة "للتعليم من خلال التقنيات الحديثة والأدوات التكنولوجية"، وعبر مكتبة إلكترونية "تضم مختلف المناهج الدراسية الكاملة باللغتين العربية والإنجليزية" وفرت محاضرات في جميع مواد الصف الثالث الثانوي "يبثها معلمون وأصحاب كفاءة وخبرة عالية".
لكن مُعلم الكيمياء، الذي يُعطي الدروس الخصوصية، في أحياء المطرية والأميرية والزاوية ومدينة العبور، يرى أن القنوات التعليمية التي تتبع الوزارة "تُقدم محتوى تقليدي جدا، وممل بالنسبة للطالب، يعني مثلا مبيكتبوش الكلام اللي بيتشرح على السابورة، فبيتوه الطالب".
لا تعتمد حبيبة أسامة على القنوات التعليمية الحكومية، ولا تزور بنك المعرفة الذي دُشن في العام 2014، وقليلا ما تعتمد على الفيديوهات التي يبثها أساتذتها الخصوصيين.
بعد توقف الدراسة، "الأوضاع فضلت مأثرة عليا يومين تلاتة، وبعدين قولت محدش هيفدني في اللجنة"، تشجعت ابنة حي المقطم للاعتماد على نفسها "رغم أني هبذل مجهود أكبر، في وقت الواحد متوتر من موضوع كورونا ده، لكن مقدميش حل غير أني أذاكر اللي فاضل لي في كل المواد وأراجع كويس"، فيما أسعدها إلغاء وزارة التعليم للفصول التي لم يسعفهم قرار وقف الدراسة لاستكمالها، وتأكيد الوزارة على "اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية التي تضمن سلامة أبنائنا الطلاب وزيادة عدد اللجان"، متمنية أن تظل في أمان عن خطر العدوى بفيروس كورونا، وأن يكلل مجهودها طوال العام بالنجاح الذي تأمله.
فيديو قد يعجبك: