هُنا القاهرة وهانوفر وجوهانسبرج.. كيف وثق مصورون مصريون خواء العالم بعد كورونا؟
كتبت- شروق غنيم:
بين ليلة وضُحاها تعطّل كل شيء. انغلقت دول على نفسها؛ إيقاف مطارات، تعليق الدراسة، وفرض حظر على محال ومواطنين.
مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تأجلت الكثير من الخطط، انزوت أحلام وتقلصت مساحة الحياة وأنشطتها، فما كان من مصورين سوى توثيق حال الفراغ الكبير والانغلاق الذي تسلسل إلى دُنياهم، تجولت عدساتهم داخل غرفهم ينقبون فيها عن توثيق لتلك الفترة التي يختبرها العالم لأول مرة، فتصبح أجندة بصرية تحكي عن زمن كورونا.
أدرك المصور الوثائقي علي زرعي أهمية توثيق حياته اليومية قبل أن تغزو أزمة فيروس كورونا العالم، صار يُقدّر أبسط التفاصيل واللحظات، عبر ضغطة الكاميرا أو التقاط "سكرين شوت لمحادثة هاتفية مع عائلته " بدأت أصور نفسي وأهلي والبيت لأني كنت مغترب في القاهرة وكنت عارف أن هيجي وقت وهمشي وممكن مرجعش لنفس المكان ده تاني". وهو ما تحقق حين حصل على منحة دراسية في مدينة هانوفر الألمانية، زاد يقينه بأهمية التوثيق "الوقت اللي وصلت فيه هنا ظهرت إصابات كورونا في المدينة والجامعة أجلت الدراسة".
في الثالث عشر من مارس الجاري اتخذ المصور الشاب قرار العزل الذاتي اتباعًا لإجراءات السلامة رغم عدم فرض حظر في المدينة الألمانية حتى الآن، صارت الحياة تدور في فلك غرفته في بلد بعيد عن وطنه، لم تنقطع الصلات بينه والجامعة تمامًا "كان في إيميلات من الدكاترة بتوضح أهمية توثيق الفترة اللي بنعيشها". ارتبك حال زرعي "سمعت كتير عن مشاعر الوحدة في الغربة، بس لو ده معاه كمان عزلة فالموضوع مش سهل، والشيء الوحيد اللي بيخليني أتنفس هو التصوير"، لذا قرر أن يكون زاده من تلك الفترة سلسلة صور "بوثق عزلة عزلة المدينة في نطاق الشوارع المحيطة بيا"، كذلك تفاصيل من حياته اليومية.
"مجرد ما وصلت المدينة حسيت أنه هيكون مكاني اللي هقرأ وأكتب فيه، دلوقتي ممنوع الاختلاط والبعد عن الأماكن دي بسبب المرض". علي زرعي- مصور وثائقي
كان الوضع غامضًا بالنسبة للمصورة رانيا شيرين، التي تعتمد في دخلها على تصوير حفلات الزفاف، فيما تُحب توثيق الحياة اليومية والثقافات المتنوعة داخل محافظات شتى وقبل أيام فقط من إصدار قرارات احترازية من رئاسة الوزراء لمواجهة فيروس كورونا من ضمنها فرض حظر على الحركة والتنقل في فترات محددة، كانت تصور الفتاة العشرينية آخر فرح "مكملش 3 ساعات على بعض وعدد الناس كان قليل والأجواء كلها كانت قلق"، تم تأجيل أجندة حفلات التصوير لديها إلى شهر مايو المُقبل، فيما صار النزول للتصوير في الشارع مُعضلة كبيرة بالنسبة لها "لأني خايفة من الاختلاط حتى لو هاخد احتياطاتي".
مع كل يوم تزيد الضغوط من الأخبار المتداولة، آثرت عائلة المصورة الشابة السفر خارج القاهرة إلى منزلهم الذي يقع وسط حديقة حيث تطغى الطبيعة على صخب الأحداث، هنا قررت رانيا أن تُخرج كاميرتها من العزلة المفروضة وتلتقط صورًا لأطفال عائلتها "لأنهم أطفال وبيعرفوا يسلوا نفسهم ولو الدنيا بتتقلب بره"، حتى لو تسرب الملل لأنفسهم كما حال الكبار "بس برضو مش موترين زي الأخبار وصور الشوارع الفاضية والأماكن المتقفلة".
يزداد الوصال بين رانيا وصغار العائلة، اختارت فريد وفارس أصحاب الثمانية والخمسة أعوام، التقطت عدستها لهم صور مختلفة "وهما بيقضوا وقتهم مع الطبيعة، لإنهم لما بيكونو وسط طبيعة بعرف أصور شخصيتهم أكتر"، وكلما التقطت صورًا أكثر تركت المصورة الشابة كل مخاوف العالم "وأنا بصورهم بحس إني جزء من العالم بتاعهم"، كانت تلك الصور وسيلة لها للابتعاد عن الأجواء الضاغطة "كنت حاسة ده الجانب المبهج الوحيد لموضوع الكورونا".
"دول فارس وفريد، فارس بيحب اللعب اللي فيها تركيب قطع، وفريد بيحب يرسم ويلون وباين عليه هيطلع فنان" رانيا شيرين- مصورة وثائقية
في الـ27 من مارس صعدت جنوب أفريقيا إجراءاتها ضد كوفيد-19 وأعلنت الإغلاق التام والحظر الكلي بينما صارت الدولة الأكثر إصابة بالفيروس في القارة السمراء، انعكس ذلك على المصورة المصرية فاطمة فهمي التي نالت منحة لدراسة التصوير بالبلد الإفريقي "أنا مصورة شارع فمكنتش مستوعبة إزاي مش هقدر أخرج من البيت تاني؟"، فما كان منها إلا أن تبحث عن توثيق أوضاعها خلال المساحة المحيطة بمنزلها، أو بتفاصيل بسيطة "خدت سكرين شوت للموبايل وكتبت إن ده أول يوم للحظر".
في الثامن والعشرين من يناير وصلت فاطمة إلى مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، يدّب الحماس بداخلها إذ تبدأ منحتها الدراسة التي تجري لأول مرة داخل البلد الإفريقي، أخذت تدوّن على التقويم مواعيد تصوير التكليفات المطلوبة منها، غير أن كل ذلك انتهى مع السادس عشر من مارس الجاري حين تم تعليق الدراسة، توقفت كل المشاريع المُقبلة، فانقلب حال التقويم الخاص بها، سيطرت علامات الإلغاء حمراء اللون مسيطرة، بينما يتسيّد "كورونا" المشهد.
"ده الجدول اللي كنت هشمي عليه وقت دراستي في المنحة اللي كنت بحلم بيها، لكن لسوء حظي كل حاجة وقفت، عشان كدة حبيت أوثق وأحكي إن في مارس وأبريل 2020 أنا عيشت أسوأ فترة مر بيها العالم".
تحدي كبير يواجه فاطمة كما مصورين آخرين، كيف يمكن توثيق حياتها بينما لا تدور سوى في مساحات ضيقة بعيدًا عن رحابة الشارع وحميمية التعامل اليومي مع الناس "قررت أعيد اكتشاف البيت اللي قاعدة فيه لوحدي مع أسرة هندية"، تتجول خارجه في الحديقة المُحيطة "وأركز في تفاصيل مشوفتهاش قبل كدة"، تلتقط صورًا مختلفة لنفسها، بينما قررت أن تدون أيضًا مذكراتها اليومية مع العُزلة.
"عندي مشاعر كتير متلخبطة، هل أنا خدت القرار الصح بإني أكمل هنا بعيد عن أهلي في حين بنتابع الكابوس اللي بيمر العالم كله بيه؟ دي صورة بتوثق مشاعري بالأبيض والأسود في أيام قاتمة تمامًا".
لا يلتقط علي زرعي صورًا طوال الوقت، اعتاد بطبيعه عمله التوثيقي التريث وزيارة الأماكن أكثر من مرة حتى يقرر التصوير، أكثر ما يُشغله حاليًا "البُعد عن الناس هو اللي حزين مش عدم تصويرهم"، لكنه في الوقت ذاته يؤمن بأهمية التوثيق، يطلب من والدته أن تلتقط صورًا لتفاصيلها اليومية "المنتجات اللي بتستخدمها، وطريقة تعاملها مع بابا من حيث الوقاية"، يضحك إذ يعتبر أن حتى الكوميكس توثيق لتلك المرحلة.
يدون المصور الشاب مشاعره بالكتابة والرسائل "شايف إن تجربة توثيق الحياة من خلال تجاربنا الشخصية بتكون صادقة وفيها وعي ومعرفة عن نفسنا"، يعتبر أن الصور وثيقة هامة لتلك المرحلة التي نختبرها للمرة الأولى، يغرق أكثر في العالم البصري من كتب وصور قديمة "مهتم أشوف العالم من خلال مكاني دلوقتي".
"أعتقد دي أكتر صورة مؤثرة لأني بحب جدتتي جدًا ومحصلش أني صورتها قبل كدا"
فيديو قد يعجبك: