إعلان

"الورد اتفرم".. عيد الربيع بدون زهور في عهد كورونا (قصة مصورة)

02:34 م الإثنين 20 أبريل 2020

فرم الزهور لعدم بيعها بسبب كورونا

كتابة وتصوير- شروق غنيم:

لم يكن بُدًا أمام سعيد مصطفى؛ تفترش أرضه بالزهور في عزبة الأهالي بمدينة القناطر الخيرية مثلما يحدث في هذه الأيام من كل عام خلال احتفالات أعياد الربيع، غير أن الزهور المنبسطة على مساحة 2 فدان لم يكن لها مشتري، صار لزامًا عليه قطفها "لو فضلت في الأرض هتنشف، بس مكنتش عارف هوديها فين"، انفض الموسم من كل اتجاه، لا يوجد حفلات زفاف أو قاعات أفراح حتى يورّد لها زهوره، أٌغلق المعرض السنوي للزهور تجنبًا للتجمعات، توقفت حركة التصدير. موقف يواجهه المزارع الذي اشتغل بالمهنة قبل 15 عامًا. تفكّر في الأمر المستجد ولم يمثل أمامه سوى حل واحد. اتخذ قرارا قاسيا، بحزن ودّع الزهور التي رعاها للشهور الماضية حتى تكبر، ثم بدأ عملية فرمها.

12

فتّش الرجل الأربعيني عما يحقق له فكرته، حتى اهتدى إلى ماكينة كان يستخدمها لفرم الأعواد المهملة، جلبها إلى حيث يعمل وبدأ يُطبق الفكرة. يقتلع الزهور من مكانها ثم يضعها في الماكينة، فتندهس. على مدار الشهرين الماضيين داوم مصطفى على هذا العمل، يساعده في العمل ابنه وابناء أخيه.

34

داخل الصوب الزراعية بدأت المهمة الجديدة، طغى الحزن على المزارع الأربعيني، لأول مرة يضطر لمعايشة هذا المشهد، تحولت الأحداث بوتيرة سريعة إلى نهاية حزينة "الورد ده كان مكانه فرح أو مناسبة حلوة زي شم النسيم، مش إنه يتفرم ويبقى على الأرض بالشكل ده". أكوام من الزهور المفرومة تكدست بداخل صوب مصطفى بأنواعها المختلفة.

56

صورة 7

مع انتشار فيروس كورونا في نهاية العام الماضي، تم تعليق العديد من الأنشطة من بينها التصدير، ومع وصول الوباء العالمي إلى مصر في فبراير المنصرف اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات للحد من انتشاره، من بينها غلق الأنشطة الترفيهية وأماكن التجمعات مثل قاعات الزفاف "ومن وقتها الحال وقف تمامًا"، غير أن المشهد اكتمل مع إعلان إغلاق كُلي بالتزامن مع شم النسيم، اليوم الاثنين، ومنها إغلاق حدائق القناطر الخيرية.

7

"شم النسيم بالنسبة لنا هو أكبر موسم"، بين حفلات زفاف أو مع بيع الورود لرواد الحدائق والمتنزهات العامة، العام الماضي استعدت مدينة القناطر الخيرية لاستقبال مليون مواطن خلال الاحتفالات، غير أنها هذا العام خلت طُرقها إلا من بعض أهل المكان لشراء مستلزماتهم الأساسية.

8

بثقل يمر اليوم على نفس سعيد ورفاقه من أصحاب المشاتل في عزبة الأهالي، في أوقات كهذه "كنت ببقى بايع كل الورد اللي عندي وبستعد عشان أزرع من جديد"، غير أنه قرر إيقاف زراعة أرضه خلال هذه الفترة "هعمل بيه إيه"، خسارة حلّت على الأب الأربعيني "مفيش دخل غير من الورد، مش عارف هعمل إيه اليومين الجايين"، يقول ذلك بينما يُبصر أرضه التي صارت فارغة إلا من زهور منزوعة ومفتتة.

91011

تبدل حال تامر شعبان، في الماضي لم يبرح المشتل الخاص به في عزبة الأهالي في الأيام السابقة لشم النسيم "بيبقى موسم ومبنقعدش من كتر الشغل"، غير أن هذا العام كل شيء تغير "أتقل مشوار على قلبي إني آجي المشتل هنا".

1213

ورث شعبان المهنة عن جده ووالده، لم يعرف غيرها طيلة ثلاثين عامًا مضوا، اعتاد على بعض الركود خلال تلك السنوات "لكن مشوفناش زي اللي بيحصل دلوقتي". كان المشتل الخاص به يمتلئ بالعمال، طلبيات لشراء نباتات الزينة التي يزرعها "تليفوني مكنش يبطل رّن"، لكن الهدوء خيم على أحوال المكان، ومع انتشار وباء كورونا (كوفيد19)، واتخاذ سلسلة من الإجراءات الحكومية للسلامة، كان على الرجل الثلاثيني اتخاذ قرارات صعبة فيما يخص عمله "قللت العِمالة من 25 شخص، مبقاش في غير 3 بس".

1415

يعمل شعبان في مجال نباتات الزينة، يعتمد بشكل أساسي على التصدير، أو العمل مع القرى السياحية ومجالس المدينة، وفيما ترتفع تكلفة الزراعة ينتظر مواسم مثل شم النسيم "لو اشتغلت 3 أيام فيه بس بالموسم كله"، يركز العمال حاليًا على المهمات الرئيسية في المشتل "ري الزرع" لكن مع الأوضاع الحالية يعلم أن نزيف خساراته مستمر "شغلانتنا مجال ترفيهي، محدش هيشتري مننا إلا لو كانت الدنيا حلوة وباله رايق".

1617

في الثامنة صباحًا يذهب العمال الثلاثة إلى المشتل، يذكرون المواسم السابقة حين كان ليس هناك وقت للراحة، أما الآن "بنشتغل على مهلنا"، يتقاسمون سويًا اللقمة كما اعتادوا ومعها هّم المستقبل، لا يقومون بزراعة ما هو جديد "موقفين لحد ما نشوف الحالة هتوصلنا لفين"، فيما تمر أعياد الربيع لأول مرة بشعور قاتم.

1819

في مشتل شعبان ورفاقه المجاورين بعزبة الأهالي تتناثر أصاري الزرع الفارغة، اعتادوا على ملأها حين تأتيهم مكالمات هاتفية من الزبائن لشراء النباتات أو الزهور، لكن توقفت الهواتف عن الرنين، كذلك انفضت الحركة عن المكان الذي كان يمتلأ ضجيجًا.

202221

لم يكن الوضع مختلفًا على أشرف صلاح، أحد كبار منتجين نباتات الزينة والزهور في العزبة، يعتمد بشكل أساسي على التصدير مع بعض الدول العربية والأوروبية، وبحسب يبان المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، تم تصدير نحو 45 ألف طن زهور، قطف، ونباتات زينة ونخيل بقيمة 52 مليون دولار في الفترة من سبتمبر 2018 وحتى مايو 2019. لكن هذا العام لم يستطع الرجل الخمسيني بيع أي من منتجاته، ولأن ميعاد حصادها قد حّل فكان يجب التخلص منها، بحزن اتخذ القرار تجاه نباتات فدانين من أرضه "حرقنا بعضها والباقي رميناه في الترعة".

2324

على مدار حياته لم يشهد صلاح مثل هذا الوضع؛ مشاتل مُغلقة لا يطل عليها أصحابها إلا من حين لآخر، عربات قليلة تنقل الزهور والنباتات "زمان مكنش في مكان من كتر العربيات اللي بتنقل البضاعة"، يرثى الرجل الخمسيني حاله ورفاقه، يطمئن عليهم من حين لآخر، يتمنون أن تزول الغُمة "شغلانتنا أصلًا عشان تبسط الناس، نفسنا الدنيا ترجع تاني ونقدر نسعدهم".

11272526

لم يعد للورد بهجة في القلوب، خلت الطُرقات من مُشتريها، فباتت مُلقاة على الأرض، أما من يشتري الزهور يتخذ الحيطة، مثل فتاة اشترى رفيقها لها زهورًا لكنها آثرت عدم استنشاقها كما اعتادت في السابق، فيما قبضت عليها بقفاز يد خوفًا من ملامستها مباشرة.

2829

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان