الفائز بجائزة الأبنودي للشعر: ديواني تاه في معرض الكتاب وهذه حكايتي مع "الخال" (حوار)
حوار- محمد مهدي:
حين علم الشاعر خلف جابر بحصوله على جائزة "الأبنودي" للشعر من مكتبة الإسكندرية، هرول متلهفًا ناحية هاتفه، اتصل بأمه، نبضات قلبه تدق بقوة مع رنين الهاتف، يريد أن يحتفل معها أولًا قبل أن يشارك الخبر مع الناس، هي ظهيره وملاكه الحارس وصوت الأمل في دنياه، والوقت لن يسعفه لقطع المسافة بين القاهرة وقريته " هربشنت" ببني سويف، جاء "حِسها" الحاني المفعم بالدفء، ألقى على سمعها البشارة، دليل جديد على موهبته في دنيا الشعراء، وفي قلب العاصمة المزدحمة بالأصوات والصراعات وأسوار الفشل.
مصراوي حاور الشاعر الشاب "خلف جابر" بعد ساعات من فوزه بجائزة الأبنودي للشعر عن ديوانه "من أعلى نخلة في الصعيد عيل بيطير غناويه للقاهرة" للحديث عن عمله الفائز، سنوات تكوينه واختماره وخروجه إلى النور، لحظات التيه واليأس التي حملها على أكتافه ليتذكرها عندما يبتسم القدر، وعن اللقاء الوحيد- عبر الهاتف- الذي جمعه مع الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي. وأيضًا قيمة الجائزة في مسيرته.
- في البداية.. حدثنا عن قيمة فوزك بجائزة"الأبنودي" ؟
جائزة لها قيمة كبيرة، باسم شاعرنا الكبير "عبدالرحمن الأبنودي" أحد أهم القامات بين الشعراء العرب، صاحب فلسفة خاصة فيما يكتب، وأنا واحد من عشاقه، تعلقت بأشعاره منذ طفولتي. سمعته للمرة الأولى في تتر مسلسل "فارس الرومانسية" عن حياة الأديب يوسف السباعي، أتذكر أنني أمسكت بورقة وقلم ودونت خلفه ما يقوله من شعر، وأحببت هذا العالم من حينها.
- كيف تقدمت إلى المسابقة وما هي الشروط الخاصة للفوز بالجائزة؟
بعد إعلان مكتبة الإسكندية عن النسخة الثانية من المسابقة، في أكتوبر من العام الماضي، تحمست كثيرًا للتقدم، وأطلقت الديوان في معرض الكتاب من أجل المشاركة في عدد من المسابقات الشعرية الهامة من بينها "الأبنودي"، لكنني لم أذهب لتقديم الديوان نظرًا لالتزامي بموعد عمل في اليوم المُحدد لقبول الأعمال.
لذلك تطوع صديقي "عمر العزالي" بالذهاب إلى بيت السناري "وبقيت بتابع معاه في التلفون لحد ما خلص الإجراءات الخاصة بالتقديم" وهي خمس نسخ من الديوان، وتعريف بالشاعر ووسائل التواصل معه.
- هل توقعت حينها الفوز بالمركز الأول؟
لا يمكن الجزم بذلك، ثمة شعور انتابني بأن حظوظي ستكون كبيرة، لكنني حينما أتقدم إلى مسابقة أنسى الأمر سريعًا حتى لا أتأثر نفسيًا بالخسارة، وهو ما حدث بالفعل في هذه التجربة، لم أكن أعرف موعد إعلان نتائج المسابقة، حتى وجدت اسمي في القائمة القصيرة التي أعلنتها مكتبة الإسكندرية قبل إخباري بالفوز بالمركز الأول.
- هل جرى تواصل بينك والشاعر الكبير "الأبنودي" قبل وفاته؟
منذ تعرفت على شعره وأحببت سيرته كنت أحمل بداخلي أمنية بمقابلته يوما ما، أصبحت الخطوة بعيدة عندما ابتعد عن القاهرة في منزله بالإسماعيلية، لكن عند تعرضه لأزمة صحية قبل وفاته ودخوله إلى المستشفى أردت زيارته، بدا الأمر صعبا لكن صديقي الصحفي "علي كمال" أبلغني بإمكانية الاتصال به، هاتف "الأبنودي" وأخبره "ابن من ابنائك حابب يسلم عليك" دار حديث قصير مع الشاعر الكبير شعرت بأنه يتنفس الشعر حينما سألته بعفوية "انت تعبان يا خال؟ قالي لا مش أنا، الرئة هي اللي تعبانة".
- نعود إلى ديوانك الفائز.. لماذا استغرقت 3 سنوات في كتابته ونشره؟
لا أضع جدول مُحدد لكتابة الشعر، الكتابة فعل تراكمي، أكتب دائمًا وأترك قصائدي ثم أعود إليها مرات عديدة، وهذا الديوان لا أعلم تحديدًا متى بدأت في كتابة قصائده لكنه احتاج إلى وقت أطول من ديواني الأول "عجلة خشب" المنشور في عام 2015 والثاني "أربعاء أيوب" بعدها بعامين.
"من أعلى نخلة في الصعيد عيل بيطير غناويه للقاهرة" تأثر كثيرًا بعملي في الصحافة، صار إنتاجي أقل، غير أنها تجربة ساعدتني في صياغة أفكاري بصورة أوضح داخل الديوان.
- بالحديث عن أفكارك.. ما هي الرسائل التي أشرت إليها في ديوانك؟
الإبداع لا يأتي من عدم، لابد من ركيزة سواء تجربة شخصية أو ظهير ثقافي، وفي ديواني الأخير اعتمدت على تجربتي الإنسانية كمنطلق لكتابة القصائد "بكتبني بشكل خاص جدًا وفي الوقت نفسه هي قضايا إنسانية عامة بنتماس فيها جميعا".
ركزت على مخاوفي، أفراحي وأحزاني المؤجلة، عبرت عن قلقي من تجارب الفقَد، وقرارات مستقبلية لحياتي، سواء الزواج أو "الخِلفة"، حاولت رصد تجربتي في القاهرة من منطلق الشعور بالتيه الدائم في تلك المدينة الصاخبة "هتحس دايمًا إنك تايه فيها حتى لو عارف طريقك ورايح على فين" مدينة تلزمك بالغربة مهما عشت بين أهلها، وتُذكر نفسك بانتمائك إلى قريتك البسيطة في صعيد مصر.
- كيف تمكنت من نشر ديوانك في زمن لا يتصالح كثيرًا مع الشعر؟
تعاونت مع دار "تشكيل" للنشر، مع صاحبها الأستاذ سيد شعبان، وقد سبق وطبعت معه ديواني الأول حينما كان مديرا لـ "دار العلوم" وفزت وقتها في القائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية "وشنا حلو على بعض، أي تعاون بنفوز بجايزة جديدة".
أعلم بدرجة معقولة طبيعة النشر في مصر، والأعباء التي تتحملها دور النشر، لذلك طلبت في بداية الأمر طباعة نسخ قليلة من الديوان "لا أريد تحميل دار النشر طلبات كثيرة" ولا يمكنني الجزم بأن النسخ ستباع كاملة رغم تحقيق أعمالي السابقة لأرقام جيدة، لكن رئيس الدار أراد إتاحة "طبعة كاملة" للقراء.
- ما حقيقية تعرض هذا الديوان لمشكلة في الأيام الأولى لمعرض الكتاب؟
حدث بالفعل، لقد تاه ديواني في معرض الكتاب، عمال المطبعة قاموا بوضع الديوان في دار نشر آخرى بالخطأ، وكان علينا البحث في كُل مكان بمعرض الكتاب، وتسبب ذلك في تأجيل حفل التوقيع قبل ساعات من الموعد المُحدد"كنت عارف إني هحكي الموقف دا بعدين وأنا بضحك" لحظات صعبة لكن المسؤولين عن الدار تصرفوا بحكمة وسرعة وقاموا بطباعة نسخ جديدة، وبعد أيام عثرنا على الديوان التائه.
- حلمت بفوزك بجائزة "الأبنودي" كيف جرى ذلك؟
شيء خيالي لا يُصدق، لم أكن أعلم موعد إعلان نتائج المسابقة كما قلت، لكنني فوجئت بزيارة للشاعر الصوفي "محمد المتيم" في الحلم، يُخبرني بفوزي بالجائزة الأولى، تعجبت حينما استيقظت، وكتبت على صفحتي الشخصية على "فيسبوك" مازحًا، ثم حدثت المفاجاة بإعلان القائمة القصيرة بعدها بساعات واختيار اسمي ضمن المرشحين، اعتبرت ذلك إشارة ما بالفوز.
- ما هي الخطوة القادمة لك.. هل تعمل على ديوان جديد؟
لدي قصائد جديدة لكن أعمل الآن على نص مسرحي شعري، أتمنى الانتهاء منه قريبًا وأن يُنشر في كتابي الرابع، وأيضًا لدي مشروع كتاب عن شاعر كبير يُنشر عنه لأول مرة معلومات ومستندات نادرة.
فيديو قد يعجبك: