إعلان

"قعدة" ونس على الفلكلور النوبي.. ملاذ أطباء مستشفى عزل أسوان

08:12 م الخميس 25 يونيو 2020

لحظات الونس في مستشفى أسوان للعزل

كتبت- شروق غنيم:

رسوم- سحر عيسى:

تحل الساعة الثامنة مساء؛ فتستعد سُهد الكاظم، مدير فريق التمريض بمستشفى أسوان التخصصي لانتهاء نوبة عملها. قبل 94 يومًا صارت مستشفى عزل، ومنذ اللحظة الأولى وكانت في أول الصفوف تستقبل مصابين فيروس كورونا، على مدار 12 ساعة تجوب في أرجاء المكان، تتابع مع فريق التمريض، تُشرف على تقديم الدواء بانتظام، ومعها جرعة دعم نفسي لكل المرضى، مع نهاية اليوم تُصبح السيدة الثلاثينية مُنهكة تمامًا، لكنها تنتظر بلهفة لحظة تجمع الفريق في الحديقة، لتنفض عن نفسها كل الإرهاق بـ"قعدة ونس".

في ساعات العمل لا مجال لالتقاط الأنفاس، تتابع الكاظم فريق التمريض والمكون من حوالي 75 فردًا، كذلك تراقب حال الأطباء في المكان فتدرك أن الجانب النفسي عامل مُهم لهم أيضًا، تفكر مع أصدقائها بصوت عالي كيف يكسرون حالة الصخب اليومي وتفاصيله المُرهقة، حتى اهتدت إلى فكرة قد تكون ملاذًا لهم.

في حديقة المستشفى ثمة وضع مختلف، هدوء يفرض نفسه على الأجواء، يتجمع الأطباء والممرضين ممن انتهت مُدة عملهم في انتظار يوم جديد، يتبادلون أطراف الحديث "كل واحد يحكي عن اللي مر بيه خلال اليوم"، وكأنما جلسات علاج نفسي ذاتي يُفلت كل فرد مشاعره المحبوسة طوال اليوم أسفل بدلة العزل، حكايات ارتجالية ومشاعر بِكر تخرج في صورة ضحك وبُكاء.

باتت الجلسة مداواة لما يمر به أطباء بمنطقة الصداقة الجديدة بمدينة أسوان، وميعاد ينتظرونه مع انتهاء نوبة عملهم العصيبة "بنعدي بالقعدة دي كل ضغوط اليوم، دي الونسة بتاعة اليوم بالهزار والمواقف الطريفة والغريبة اللي بنقابلها"، فيما صارت أيضًا وسيلة تدريب بين الفريق الطبي، يمررون خبراتهم للوافدين الجدد للعمل بالمستشفى "لو حد مر بموقف ومعرفش يتصرف إزاي بيحكي وننصحه المفروض يعمل إيه"، كان في البوح وسيلة للارتياح النفسي التي تنشده الكاظم، غير أن أفضل ما في الجلسة يبدأ حين يشاركهم أحمد ربيع فني المعمل بالمكان.

1 (1)

منذ انضم ربيع إلى مستشفى العزل وجلب معه "عِدة" البهجة؛ العود وصوته الحسن، صارت الجلسة الجماعية براح لكل المواهب، وعلى رأسها الشاب الذي يغني أحيانًا في بعض المناسبات فيما لا تفارقه آلته الموسيقية، وما إن تلامس أصابعه الأوتار يصبح الفريق الطبي في عالم آخر موازي، يسبحون مع أحلامهم بيوم جديد بدون وباء ومعاناة للمرضى، يمر على أغاني وطنية فيما يُكثر من الفلكلور الأسواني "ونبدأ إحنا ندندن معاه، بتبقى من لحظاتنا الحلوة في القعدة".

في نوبات العمل تحّل أوقات سعيدة على الفريق الطبي وأهمها حين تحصي المستشفى عدد المتعافين "كأنه عيد بالنسبة لنا"، تبتهج رئيسة قسم التمريض مع خروج فرد جديد من المكان "يمكن ده أجمل لحظة وداع ممكن تمر على الواحد"، فتفنن في طريقة الوداع حتى يُصبح المشهد الأخير في عقل المتعافي من المستشفى ملئ بالفرحة "بنقف صفين متباعدين وبنبدأ نصقف للي خارج".

كما تنشغل الكاظم بتقديم الرعاية الطبية، تنغمس في التعرف أكثر على المصابين داخل المستشفى "بنحاول نعرف تفاصيل زي عيد ميلادهم إمتى أو عياله"، تتذكر أحد الشباب حينما ساء حاله ودخل وحدة العناية المركزة "الممرضات عملوا له كيكة صغيرة وكأنها تورتة عيد ميلاد"، فيما تكرر الوضع حينما أصيب سبعة أفراد من فريق التمريض "حالتهم النفسية كانت سيئة جدًا ومكنوش بيتجاوبوا مع العلاج، حبينا نهون عليهم وجيبنالهم تورتة"، يخرج كل فرد من غرفته ويقف أمام الباب فيما وضعوا الكعكة في منتصف المكان "وبدأنا نحييهم إنهم أول ناس تدخل معركة كورونا وأكيد هيخرجوا منها".

داخل المستشفى وفي أصعب المواقف، تخرج مبادرات فردية من الفريق الطبي فتمسح الحزن وتهون قليلًا عن نفس المصابين، فيما ينالون جانبًا منه أيضًا، في الجلسة المسائية أو حينما تفاجئوا قبل مدة بأصوات أغاني تأتي من خارج المكان "لقينا ناس جاية بعربياتها رافعين لافتات تشجعنا ومكتوب عليها الجيش الأبيض وشكر لينا.. من الحاجات اللي بتدينا الحماس وتخلينا نكمل المشوار ومنخافش"، فيمسها قدر من الفخر والامتنان ولحظات ونس لا تُعوض وسط كل الأجواء الصعبة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان