"وسط البلد" بعد "الساعة 8".. عودة خجولة للحياة الطبيعية
كتب- محمد زكريا:
بخجل، بدا أن الحياة تعود لطبيعتها، في محيط وسط المدينة، بعد فك حظر التجوال، والذي كان يبدأ في الثامنة مساءً وحتى فجر اليوم التالي، ليصير التعايش الفعلي مع كورونا أمرًا واقعًا، رسخته الحكومة قبل يومين في حزمة قرارات جديدة، سار عليها المواطنون بخطى حثيثة وخائفة، ووجد فيها البعض متنفسًا لعودة الرزق و"الفسحة"، في الوقت الذي يواصل منحنى الإصابات جراء الفيروس تصاعدًا.
الثلاثاء الماضي، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حفنة قرارات جديدة لتعايش الدولة المصرية في ظل فيروس كورونا المستجد، بدأ العمل بها ابتداءً من السبت الماضي، وشملت إعادة فتح المطاعم والمقاهي بنسبة إشغال 25%، وكذلك فتح النوادي والصالات الرياضية بطاقة 25% فقط، والفنادق بنسبة إشغال 50%، وفتح دور العبادة عدا لصلاة الجمعة أو صلوات الآحاد في الكنائس، كما تم إعادة فتح المنشآت الثقافية والسينمات بـ25% من قدرتها الاستيعابية، مع إغلاق المحال في التاسعة ليلًا بدلًا من السادسة، وعمل وسائل المواصلات حتى منتصف الليل.
كانت فرصة، أن يلتقي حسام علي بخطيبته، فالشاب الذي يعمل لدى إحدى شركات القطاع الخاص، ليس له يوم إجازة إلا الأحد، لذا استغل فرصة فك الحظر للفسحة معها، بعد أن ندر الأمر في الـ3 شهور السابقة، بسبب الحظر الذي فرض على الشوارع ليلًا، والخوف من فيروس كورونا المستجد، الذي توحش ولا يزال يلتهم الضحايا. كان ابن حي أرض اللواء يكتفي بزيارات إلى منزلها، إلا أن أتته فرصة الشارع في تلك الأيام.
في التاسعة مساءً، كانت شوارع وسط المدينة، أقل صخبًا عما اعتادته ما قبل كورونا، كان ذلك داعيًا لاطمئنان علي وحبيبته، فالشابان اللذان حرصا على ارتداء الكمامة في الزحام والمواصلات العامة، وجدا في الشوارع الهادئة فرصة لخلعها "عشان نشم هوا ونحس ولو لساعات أننا مش محبوسين".
لم يجلس علي وخطيبته في أي مكان، اكتفا بالتمشية في شوارع القاهرة العتيقة، وشراء السندوتشات من أحد المحلات الشهيرة، قبل أن يقررا الرحيل في الحادية عشر مساءً "عشان لسه هوصل خطيبتي البيت، فلاقي ميكروباص يروحني".
بتلك الساعة، في منطقة الإسعاف، كانت الأضواء خافتة، الشوارع التي تعج بالبشر في الأيام الطبيعية، بدت فارغة إلا من القليل، الذين التمسوا بعضًا من أيام ما قبل كورونا، فتوزعوا بين محلات الطعام، أو المشي في الشوارع بمجموعات صغيرة.
في ممر ضيق، وُجِد بفعل إنشاء خط لمترو الأنفاق، أمام دار القضاء العالي، كان "عبد العال" يتسلى بـ"أزأزة اللب"، بعد أن خف الممر من المارين، مع قرب انتصاف الليل، يقول الرجل إن "البيع اليومين دول ماشي حاله لحد الساعة 11 بليل، بعدها الناس بتبتدي تروح، لكن أحسن من اليومين اللي بعد العيد؛ دي كانت ميتة خالص"، لكن رغم ذلك يضيف أن "البيع قل بنسبة 50% عن الأيام اللي قبل كورونا، ما وسط البلد كانت لحد الفجر مبتفضاش من البشر".
دراسة، أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو حكومي، تشير نتائجها بأن 73.5% ممن شملتهم الدراسة أفادوا بانخفاض دخولهم، فيما أرجع نحو 60.3% انخفاض الدخل إلى تداعيات فرض الإجراءات الاحترازية، بينما أقر 35.5% بأن السبب يرجع إلى التعطل عن العمل، في حين أرجع 31.5% الانخفاض إلى تراجع الطلب على النشاط الذين يعملون به.
مع إعلان الحكومة خطتها للتعايش مع الفيروس، توسم بائع التسالي خيرًا، لكنه توقع أن تشهد الأيام الأولى للتطبيق الفعلي خفوتًا "لحد ما الناس تاخد على الوضع الجديد، وترجع لحياتها الطبيعية واحدة واحدة"، لا يتوقع الرجل الأربعيني عودة كاملة كتلك التي خلت، على الأقل في الشهور القريبة القادمة، لكنه يتوقع أن تخف حدة الأزمة تدريجيًا، ومعها يعود لتجارته زهوها.
لكن قبل الـ10 مساءً، كانت المقاهي مفتوحة، مستعدة لاستقبال زبائنها الشغوفين، ورغم الإغلاق الذي استمر لـ3 أشهر، لم يعد لمقاهي وسط المدينة زخمها المعتاد. محمد علي، عرض على أصدقائه الجلوس على المقهى، لكنهم لم يفضلوا ذلك، وجدوا في التمشية بالشارع أكثر أمانًا وبراحًا، كما أن "القهوة من غير شيشة مش قهوة، تجيب كوباية الشاي وتقعد في أي حتة مش زحمة وأنت مبسوط".
كان الفتح في مثل ذلك التوقيت، فرصة أدهم ناصف وأصدقائه الثلاثة لنيل فسحة، امتنعوا عنها طوال 3 أشهر، بسبب حظر التجوال الذي فرض في الأسابيع الفائتة، وليس بسبب الفزع من تفشي "كوفيد-19" أو الإصابة به، فالشباب الذي يعمل في محال لبيع الملابس، يحصل كل منهم يوم الأحد على إجازة، فيما وجدوها فرصة للالتقاء والضحك، في ثاني أيام التعايش الفعلي الحكومي.
16 عامًا متوسط عمر الشباب، الذي يسكن شارع باب البحر في وسط المدينة، ولم يكن يرتدي أي منهم كمامة، قبل نصف ساعة من انتصاف الليل، رغم إلزام الصحة للمواطنين بارتدائها في الأماكن العامة في ظل التعايش مع الفيروس، وتحذير منظمة الصحة العالمية من التهاون في اتباع الإجراءات الاحترازية الضرورية خلال تلك المرحلة، فرغم حمل جيوبهم لها، قرروا التخلي عنها مع نهاية اليوم "عشان بعد الأكلة الحلوة، الواحد عايز يشم هوا والكمامة بتخنق".
في الـ12 ليلًا، خفّت الأرجل في "وسط البلد"، اختفت وسائل النقل العامة، وقلت وسائل النقل الخاصة، ليلحق قليلون بـ"ميكروباص" مقاعده فارغة، استقلوه في طريق المنزل، حتى عودة في اليوم التالي.
فيديو قد يعجبك: