لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مراجعة على سرير "كورونا".. مدرس كيمياء ينهي الدرس الأخير رغم إصابته بالوباء

07:00 م الخميس 09 يوليو 2020

مصطفى عبد الباري مدرس كيمياء مشارك في المراجعات ا

كتبت-إشراق أحمد:

36 يومًا ظل يحصيها مصطفى عبد الباري، نهارًا تلو الآخر ينقضي عصيبًا، ينعزل معلم مادة الكيمياء داخل غرفته، يرهقه الفيروس المستجد "كوفيد 19" بإعياء لم يشهده من قبل، فيما ينهش رأسه التفكير بزوجته وابنته الكبرى اللتين مسهما "كورونا" مثله، وكذلك ابنتيه المعافتين في المنزل. ينهار جسد عبد الباري ويغيب عن الوعي وحين يعود، لم يكن يخفف عنه سوى الشعور بأنه أدى المهمة، إذ ترك لطلابه وآخرين من أبناء الثانوية العامة المراجعة النهائية على منصة "وزارة التربية والتعليم". كان يُخفي المعلم في نفسه رجاء "ندرت تكون صدقة عني لو حصلي حاجة". أمسى المعلم متمسكًا باليقين حتى أحاطه الشفاء.

مع بدء امتحانات الثانوية العامة في 21 يونيو المنقضِ، أعلنت وزارة التربية والتعليم عبر صفحتها الرسمية عن إتاحة المراجعات النهائية لكافة المواد على منصة إلكترونية أطلقتها تحت اسم "ثانوية". أطلت وجوه معلمين عبر الشاشة الإفتراضية ومن بينهم عبد الباري. في ذلك الوقت كان معلم مادة الكيمياء يدخل الأسبوع الثاني في العزل المنزلي جراء إصابته بـ"كورونا".

1

شاءت الأقدار ألا يكون تسجيل المادة إلكترونيًا وحده التجربة الجديدة على عبد الباري، بل المراجعة على سرير المرض؛ بعد أسبوع فقط من تسجيل حلقات مراجعة المادة، ظهرت أعراض "كورونا" على معلم الكيمياء، تزامن ذلك مع انتهاء إجازة عيد الفطر "سافرت البلد في المنوفية أعيد مع أسرتي وللأسف حضرت يجيي 10 أفراح"، تردد عبد الباري كثيرًا قبل السفر، لكن ما كان ليرد والديه، لذا أخذ احتياطاته من الكمامات والكحول وغيرها من الوسائل، غير أنه خارج القاهرة تختلف الأوضاع "أول يوم نزلت بالكمامة، الناس كانت بتبص لي كأني غريب. مكنش في البلد حاجة اسمها إجراءات احترازية"، اضطر المعلم أن يساير أهل قريته "وللأسف كانت دي الغلطة.. اتصبت وتعبت تاني يوم ما رجعت".

حينما عاد عبد الباري إلى القاهرة، اتصل به القائم على شركة التصوير المتعاونة مع الوزارة لإخراج المراجعات النهائية، أخبره أنه تم الانتهاء من مونتاج الحلقة وعليه مراجعتها، أغلق المعلم الهاتف على أن يفعل هذا، قبل أن يباغته المرض "الفجر حرارتي وصلت 40 وكنت شبه في غيبوبة"، لكنه لم ينسى حاجة الطلاب؛ أمضى الأيام الثلاثة الأولى ما بين الإعياء وحمل نفسه على مشاهدة المقاطع المصورة "الوقت اللي كنت أحس فيه أني عارف اسمي. كنت استعين بالله وأقوم أشوف المراجعة فيها ايه". أصلح المعلم ما سقط سهوًا وتغير أثناء الإعداد حتى خرجت مراجعة ليلة الامتحان بشكلها الحالي.

لم يكن يعلم عبد الباري أن الحلقات ستكون متاحة لجميع طلاب الثانوية العامة؛ في مايو المنصرف، تحديدًا منتصف شهر رمضان، أخبره زميل له عن تجربة جديدة تقوم عليها شركة إنتاج خاصة تحت إشراف الوزارة، وتعتمد على أن يقوم أصحاب الخبرة من المعلمين بتلخيص المواد للطلاب، لتكون مرجعًا إلكترونيًا لمن شاء، تحمس معلم الكيمياء للمشاركة "قلت طالما في إفادة للطلبة ليه لا. بس وقتها كنت عارف أن الموضوع باشتراك رمزي"، لكن في 18 يونيو الماضي تفاجأ باتصال من أحد طلابه "قالي الوزير منزل فيديو أنت فيه وبيقول للطلبة أدخلوا شوفوا"، أتاحت الوزارة بعد عقد بروتوكول مع البنك الأهلي أن تكون المراجعات بالمجان لكافة الطلبة.

2

كأنما جاءته البشرى؛ يمضي معلم الكيمياء على شفا الحزن، المرض في بدايته والتجربة قاسية، لكن ما إن اطلع على صفحة وزير التربية والتعليم طارق شوقي تبدل الحال "حسيتها علامة أن ربنا هيعديني وأسرتي من اللي أحنا فيه"، ذاب عبد الباري مع تعليقات طلابه ودعواتهم له، الحاليين ومن انقضت سنوات على تخرجهم من الثانوية العامة، شعر معلم الكيمياء أنه حصد ما زرع طوال سنين عمله منذ عام 1993، تذكر كلمات أبيه "أنا من أسرة فقيرة إنما والدي دايمًا كان يقول أعمل الخير وأرميه البحر هيلف ويرجع لك تاني".

كان عبد الباري انشأ قناة على يوتيوب، منذ توقف الدراسة في مارس المنصرف، أخذ يشرح ما تبقى من المنهج "جبت سبورة وأدوات وحد يصورني وكنت بنزل الدروس على قد إمكانياتي"، قصد طلابه في مدرسة السلام، وكل الدارسين للشعبة العلمية في الثانوية العامة، وحينما شارك في تجربة الوزارة لم يتردد في بذل أقصى طاقته رغم أنه عملاً تطوعيًا؛ وصل الليل بالنهار لتلخيص المنهج وإعداده خلال ثلاثة أيام قبل التسجيل، تحمل صعوبة الوضع "كنت ببعت لطالب في المنصورة عشان يكتب لي المادة على الكمبيوتر بمقابل لأن المكتبات كانت قافلة الوقت ده"، فيما يستمد القوة بالنظر لابنته الوسطى مريم، فالعام المقبل ستكون محل الطلاب الحاليين في الثانوية العامة.

عناء أيام هون على معلم الكيمياء إعياء نحو شهر "حلقات المراجعة فرقت معايا نفسيًا وكمان تلاميذي وزمايلي اللي مسابونيش كانوا بيتصلوا يطمنوا عليا"، يبكي عبد الباري تأثرًا كلما استعاد الأيام الماضية، وكيف لاقى دعمًا من المحيطين به فاق تخيله.

قبل أسبوع تأكد عبد الباري من تمام شفائه وأسرته بعد إجرائه المسحة الرابعة، فلم ينتظر المعلم طويلاً رغم كونه في فترة نقاهة "كان المفروض دلوقت يكون عندي تصحيح وبراجع مع الطلبة بتوعي"، لذا أكد على طلابه أن يتواصلوا معه وقتما شاءوا، ومن وقتها ويتلقى اتصالات ويجيب عن الأسئلة، عاقدًا العزم متابعتهم حتى الانتهاء من امتحان المادة، يوم الأحد المقبل.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان