أهل المحبة (6)- نفحات مولد العذراء (بروفايل)
كتبت-دعاء الفولي:
حين أخبرها الطبيب أن جنينها قد يموت، تركت القاهرة وتوجهت لمحافظة المنيا، حيث يُقام مولد العذراء بجبل الطير، سارت في اتجاه الكنائس الأثرية، حولها القادمون من كل مكان، يبتغون نظرة على الأماكن التي مرت منها العائلة المقدسة، يُقدمون ما لديهم قُربانًا للبسطاء وللرب، اندمجت السيدة بينهم، حملت وليدها داخلها والخوف في قلبها، قدمت نذرًا؛ إذا ما اكتمل الحمل، فستأتي كل عام، تُقدم ما تستطيع لخدمة الآخرين، تُرنّم في حُب الرب. ومن وقتها، لا تفوت الأم فرصة الذهاب، رفقة ابنها صاحب التسعة أعوام.
لا فرق بين غني وفقير، الطريق واحد إلى دير السيدة العذراء بسمالوط المنيا. هُناك، داخل مغارة، اختبأت العائلة المقدسة 3 أيام من بطش الرومان، داخلها يتلمس المشتاقون بركات السيدة مريم العذراء، بعضهم أتى مشيًا من محافظة أخرى رغم ارتفاع حرارة الصيف "المهم تعرف إننا بنحبها".
للمُحبين في زيارتهم شئون؛ بعضهم يجمع مبلغًا على مدار العام، لينفقه داخل المولد، يأخذ بيتًا صغيرًا من أهل الجبل، يستقر فيه أسبوعًا ليذبح عجلًا ويوزع على الموجودين، يُعطي صاحب الدار جزءً، ويُبقي الأكثر للبسطاء ولعائلته، يأكل الجميع سويًا، يعود الزائرون لمنزلهم "راضيين مرضيين"، ليس بسبب الأكل فقط؛ إذ تختلط نفحات الكرم بالصلوات والتسابيح بلقاء الأصدقاء.
داخل خيم كثيرة على مرمى البصر يصدح صوت المرنمين، يتمايل الزائرون مع كلمات مدح العذراء، يتردد صوتهم بين الجبال، يجلسون فوق حصير بسيط لا ترف فيه، تُغسل أرواحهم ويُصبح الجبل فجأة مليئًا بالبهجة، تتسلل همهمات التائبين من الخطايا بين وقع الآلات الموسيقية، فكما ينذر أحدهم نذرًا حال حدوث ما تمنّى، يُنذر آخرون أرواحهم لخدمة الرب، يخرجون من المولد وقد ارتدوا ثياب الزُهد في الدنيا.
في المولد تُحل المشكلات، يتكاتف الموجودون لمساعدة المُحتاج، ماديا أو نفسيا أو اجتماعيا، تُجبر الخواطر "مين ييجي عند العدرا ويرجع متضايق؟"، هكذا يخبرون بعضهم، تتهلل أسارير الأطفال؛ لا تُزعجهم الرحلة المُرهقة، طالما جرّبوا ألعابا جديدة، قابلوا أصدقائهم، وأكلوا أطيب الحلوى، من "الزلابية" إلى الفطائر، ثم عادوا لمنازلهم وقد حصلوا على صُلبان مُزخرفة، أوقدوا شمعة، أو شاهدوا دموع آبائهم إذ تنهمر في الكنائس الأثرية، طلبًا للقاء في العام القادم.
فيديو قد يعجبك: