للصمت لغة تعرفها "سمية".. مصورة تنقل مشاعر الصم والبكم في مشروع تخرج
كتبت-إشراق أحمد:
بسؤال بدأ مشوار سمية النشار؛ داخل مكتبة الإسكندرية، تتجول المصورة لتغطية أجواء مهرجان القراءة الكبرى المكلفة بتصويره ضمن دراستها في منحة للتصوير، عند ركن يستوقفها المشهد "شباب مشاركين في فرقة مسرحية بيتكلموا بالإشارة"، تتأمل سمية ما ترى كأنها لم تفعل من قبل، يشغلها التفكير بحياة الصُم والبُكم، وتلك المترجمة التي بدونها ينقطع وصالهم مع مَن يجهل لغتهم، تتساءل الشابة عن تصرفهم في غياب الوسيط، يراودها الفضول حتى تقرر اقتحام عالم لغة الإشارة لتعرفه وتعبر عنه بما تجيد، وخلال ثمانية أشهر تُخرج سمية مشروعها المصور "الأصابع العشرة".
في شهر يونيو 2019 بدأت سمية رحلتها مع مشروع تخرجها في منحة نادي عدسة للتصوير، 6 أشهر أمامها لتنفيذ فكرتها، لكن المهمة لم تكن يسيرة كما ظنت، كان على المصورة الشابة أن تفهم أولاً تفاصيل حياة أبطال فكرتها "تواصلت مع كل الجمعيات المختصة في الإسكندرية مكان إقامتي واتكلمت مع المتحدثين بلغة الإشارة"، قطعت الشابة كل السبل حتى أنها ذهبت لتعلم اللغة "كنت الوحيدة في الكورس اللي بتكلم واسمع ورغم كده مكنتش فاهمة في الأول"، حينها استشعرت شيئًا مما يمر به الصُم والبُكم في أيامهم.
ثلاثة أشهر لازمت سمية دُنيا الإشارة فقط لتعرف عنها، يدفعها شغفها للإصرار على تنفيذ المشروع، ويسوقها كل شيء حولها نحو ذلك؛ ذات يوم بينما تلتقي بصديقة لها في حديقة المنتزه، وتطلب من أحدهما التقاط صورة لهما بكاميرتها، تتفاجيء أن الشاب من الصُم والبُكم، استطاعت أن تتواصل معه ولم تكن تجيد اللغة بعد، ومن ثم تأكدت أن "لازم فعلاً المشروع يخرج للنور".
تلك الإشارات التي يعبر بها الصُم والبُكم ليست مجرد حركات صامتة بل لسان نحو .57 مليون مصريًا حسب الأمم المتحدة، أرادت سمية أن تخبر الجميع "أن كلنا عندنا مشاعر بنعبر عنها حتى لو مش بنتكلم أو نسمع"، لذا اتفقت مع مترجمة للإشارة للبحث عن بطل لمشروعها المصور، التقت المصورة العديد من الأشخاص لكن وقع الاختيار على صالح الزفزافي، خريج كلية التربية النوعية في جامعة الإسكندرية، كان بالنسبة لها النموذج المثالي "شخص متعلم وده مش كتير بين الصم والبكم وبيرسم وأسرته كلهم بيتكلموا إلا هو"، ولعل هذا ما سهل تعامله مع المصورة.
اختلفت أجواء المشروع بعد التقاء صالح، لفت وجوده انتباه سمية إلى زاوية أخرى لفكرتها "لقيته عارف لغتي وبيتعامل معايا بسهولة فحسيت أني أولى أعرفه هو كمان"، وبمناقشة مع صديقة لها قررت المصورة أن تصبح جزءً من مشروعها "أتصور وأعيش الحالة هيكون الموضوع واقعي".
اتفقت سمية مع مصورة صديقة لها تسمى إيمان عرب، على تنفيذ الجزء الأول من مشروع "الأصابع العشرة"، تكون فيه أمام الكاميرا وتعبر بلغة الإشارة عن عدد من المشاعر سبق أن حددتها مع المترجمة صفاء منتصر، التي ساعدتها في معرفة ذلك "قعدت معاها وفضلت اسألها عن إزاي أعبر لو حزينة أو فرحانة"، وجدت سمية إجابة لكل اسئلتها إلا كلمة واحدة ليس لها ترجمة في قاموس الصُم والبكم كما أخبرتها المترجمة "كلمة يائس مالهاش ترجمة ممكن يتقال محبط لكن يائس لا".
ذاكرت سمية الإشارات التي صورتها عن المترجمة، ظلت تكررها حتى تتقنها قبل التصوير، وداخل أستوديو نادي عدسة أمضت نحو 4 ساعات لتنفيذ الجزء الأول من المشروع، هيأت مع صديقتها إيمان الأجواء ليزول عنها التوتر "متعودة أنا اللي بصور ده غير أن تعبير الإيدين والعين هما البطل ودي حاجة مش سهلة"، عايشت الشابة حالة أن تكون صماء، واستلهمت من تفاصيل حياتها السعيدة والحزينة ما تعبر به أصابعها عن حالتها.
بعد أسبوع حان موعد تنفيذ الجزء الثاني من المشروع، هذه المرة داخل أحد البيوت القديمة، تعود سمية للكاميرا، فيما يقف صالح أمامها، استعادت المصورة شيئًا من أريحيتها، لكن الخوف والتردد لم يفارقها طوال يوم التصوير لولا وجود الدعم "كان معايا 3 صديقات ليا بيساعدوني في تظبيط الإضاءة وصالح نفسه كان متعاون وشاركنا"، تذكر المصورة أن لقطة التعبير عن القلق كانت فكرة بطل المشروع ذاته.
كان لاختيار التعبيرات قاعدة أساسية لدى المصورة "اخترنا المشاعر اللي التعبير عنها بحركة واحدة"، رغبت سمية أن يكون مشروعها مجرد مفتاح لفهم لغة الإشارة لكنه لاقى أكثر مما توقعت؛ قبل يومين من افتتاح المعرض في 7 يناير المنصرف، نشرت الجزء الأول من المشروع على فيسبوك، استقبلت ردود فعل أسعدتها، وتداول عدد كبير صورها، من بينها الصفحات المتخصصة في التصوير، وفي عرض الجزء الثاني شملتها فرحة أكبر "حضر صالح وأسرته وعدد كبير جدًا من الصُم والبُكم".
لمست سمية السعادة في بطل مشروعها ورفاقه "الفرحة كانت بتنط من عينه وأسرته"، فيما أعرب الحضور من الصُم والبُكم عن امتنانهم لنقل صوتهم، واستكملت المصورة اللحظات الفريدة وقت استلام شهادات المشاركين في المنحة، حينها وقف أصحاب لغة الإشارة محيين الشابة بطريقتهم المعروفة لفاقدين السمع بديلاً عن التصفيق، ليشاركم بقية المتواجدين في المكان، غمرت سمية مشاعر لم تذقها قبلاً "حسيت أني وهم جزء واحد. وأني من اللحظة دي بدأت التصوير مش من 2013".
أحدث مشروع "الأصابع العشرة" فارقًا في حياة سمية، لم تتوقف من حينها عن تعلم لغة الإشارة، اندمجت أكثر في عالم الصُم والبُكم، صارت تُذكر به أينما حلت، تسافر عُمان فتتواصل مع جمعيات هناك ليتسع مدى مشروعها، وتعلم أن اليوم العالمي للغة الإشارة يوافق 23 سبتمبر الجاري، فتعيد نشر الصور لتتداول مرة أخرى، وتتلقى المصورة احتفاء يرجعها سرتها الأولى مع نشر المشروع.
كانت الصور بالنسبة لسمية صرخة "عايزة أقول إن الناس دي بتتعب وتسعى عشان تفهم اللي حوالينا فأحنا كمان لازم نسعى لهم"، تتمنى المصورة الشابة إن لم تُدرس لغة الإشارة في المدارس، فعلى أقل تقدير يتواجد مترجم في كل مكان. بدأت سمية بالسعي وتوقن أنها ستلمس الحصاد الذي تلقت ملامحه "نادي عدسة اللي دعم المشروع عمل مبادرة لتعليم الصُم والبكم التصوير مقابل أنهم يعلموا المصورين لغة الإشارة"، ورغم أن فيروس كورونا حال بين بدء المبادرة حتى الآن إلا أن سمية تواصل مشوارها.
فيديو قد يعجبك: