لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عاش ٥٠ عامًا في القاهرة.. رحيل مترجم إنجليزي عاشق للأدب المصري

05:49 م الإثنين 15 نوفمبر 2021

المترجم الإنجليزي همفري ديفيز

كتبت- هبة خميس:

قبل أيام توفى المترجم الإنجليزي "همفري ديفيز" الذي ترجم أكثر من ثلاثين عملاً من الأدب المصري الحديث والقديم إلى اللغة الإنجليزيةليكون له دوراً كبيرًا في وصول الرواية العربية للعالمية ورواجها من خلال الترجمات الدقيقة التي عمل عليها.

في عام 1968 قدم المترجم الإنجليزي "همفري ديفيز" إلى مدينة القاهرة لأول مرة في حياته، لينجذب لتلك الحياة بشدة ويقرر تعلم اللغةالعربية والإقامة في تلك المدينة التي أبهرته وأحبها حباً جماً.

في بدايات حياته لم يعمل "ديفيز" بمهنة الترجمة ففي عمر الخامسة والخمسون حصل على منحة للتفرغ لعدة سنوات ليقرر أن يفكر مطولاًفي ما يريد أن يفعله في حياته فتذكر المقولة التي أخبره إياها المترجم "دينيس جونسون" الذي يعتبر أول من ترجم الأدب العربي الحديثإلى الإنجليزية، "لابد وأن تترجم".

قرر "ديفيز" الانصياع لتلك المقولة والترجمة لأول مرة في حياته في منتصف الخمسينيات من عمره ليكون أولى ترجماته "هز القحوف فيشرح قصيد أبي شادوف" والذي استعان به في رسالته للدكتوراه في كامبريدج عن اللغة العامية المصرية.

في قلب القاهرة وداخل حي المنيرة عاش "ديفيز" لسنوات ليتنقل بين تلك الشوارع القريبة إلى قلبه ويعمل متفرغاً لترجمة الأدب العربيالحديث والقديم، فمنذ سنوات حينما عكف على ترجمة الرواية الشهيرة"عمارة يعقوبيان" للكاتب علاء الأسواني كان هدفه تعريف قاريء اللغةالإنجليزية بتحولات الأدب العربي، ليصنع رواجاً عالمياً للرواية.

قبل ساعات من تدهور حالته ونقله بطائرة الإسعاف إلى لندن جلس الروائي المصري "حمدي الجزار" لساعة تقريياً يتحدث عن الترجمة التييعكف عليها لكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، ويجمعهما نقاشاً مطولاً فلسفياً حول ما الذي يريده الإنسان؟.

صداقة عمرها أكثر من ستة عشر عاماً جمعت بينه وبين "الجزار"، فبداية تعارفهما كان إبان ترجمة "ديفيز" لرواية "سحر أسود" ل"حمديالجزار" لتصدر الترجمة في عام 2013 عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية، وفي نفس العام ترجم الرواية الثانية له بعنوان "لذات سرية".

"تواصل معي ديفيز بعد أن قرأ الرواية الأولى وأبدى رغبته في ترجمتها لنلتقي ونصبح أصدقاء، كان مترجماً متفرداً يعيش مع العمل فعقدناجلسات عمل طويلة امتدت لساعات".. يقول الجزار لمصراوي.

تلاقى الصديقان ليخرجا في نفس أماكن الرواية ليطوفا بها لساعات، يجلسا على المقاهي في تلك المناطق ليتناقشا حول الرواية وأجواءكتابتها.

يرى "الجزار" أن "ديفيز" لديه نظرية في الترجمة خاصة به، فهو يعتبر المترجم مثل الممثل على خشبة المسرح الذي يلقي الحوار الذي كتبهالمؤلف ، لذا ظل يستمر بالمذاكرة والبحث الدؤوب حتى قبل وفاته.

عمل "ديفيز" في لجنة التنسيق الحضاري ليقوم بالكثير من المجهودات ضمن مشروع "هنا عاش" ليعرف الناس على أماكن إقامة المبدعينوالفنانين في مدينة القاهرة ويقوم بترجمة المعلومات على اللافتات الإرشادية للناس.

حب "ديفيز" للقاهرة كان سبباً كبيراً لعيشه بها كما يرى الروائي "حمدي الجزار" فمن منطقة المنيرة لمنطقة عابدين حرص "ديفيز" علىالسكن في أحياء القاهرة الشعبية ليس بعيداً عن الشوارع التي أحبها ومطالعاً للأدب العربي باستمرار، فيترجم ما يحبه و يعجب به فقطفيقدم للأدب المصري تحديداً خدمات جليلة.

صورة 1

في مارس 2020 وقت الحظر بسبب جائحة كورونا تواصل "ديفيز" مع الكاتب المصري "حمدي ابو جليل" ليترجم روايته "قيام وانهيارالصاد شين"، لتستمر اجتماعاتهم لمدة ثلاثة شهور بمعدل ساعة يومياً للنقاش حول الرواية ودقة الترجمة "قبل ان يترجملي ديفيز الروايةكانت أعمالي ترجمت من قبل للغات كثيرة بالفرنسية والأسبانية والإيطالية وصدرت تلك الترجمات من سنوات، لكن لما ترجملي شعرت لأولمرة بأن العمل يترجم فعلا على يده "، كما يقول أبو جليل.

الهوس بالدقة كان أحد أبرز صفات "ديفيز" كما يحكي عنه "أبو جليل" فهو كان يدخل في نقاشاً مطولًا معه ليصل للمعنى العربي الصحيحللكلمة ومحاولة صياغته باللغة الإنجليزية للقاريء الإنجليزي، وبسبب وجود الكثير من اللهجات في رواية "أبو جليل" فلم يتصور أن يحاولمترجم آخر ترجمتها، "فمثلا في الرواية فيه لهجة بدوية ولهجة الفيوم ولهجة الليبيين، فكنت بشوف ان الرواية مشكلة للمصريين نفسهم لكنكنت بتفاجيء انه يعرف كلمات قليل لما حد يعرفهم زي أدوات الفلاح المصري مثلاً".

يرى "أبو جليل" أن تعمق "ديفيز" في اللغة كان تعمق المحب ليس الدارس فقط لذا وصل لدرجات من الكمال بترجماته نادراً أن يصل إليهاأي مترجم ، فكرس حياته للغة العربية وحبها وآمن بمدينة القاهرة .

"كان قامة في الأدب العربي لكنه فضل انجليزي شديد الدقة، يحرر بنفسه النصوص وترجمته لرواية عمارة يعقوبيان كانت أحد أهم أسبابرواج الرواية بشكل عالمي"، رغم ذلك عاش "ديفيز" في بناية بسيطة وقديمة بحي عابدين في قلب القاهرة ليتردد علي بيته الأصدقاء يطلبونآرائه في نصوصهم ويستعينون به لتحريرها بسبب ذوقه في الأدب المصري وسعة قراءاته ، كما ظل في لجنة اختيار جائزة "نجيب محفوظ" للرواية العربية لعدة دورات .

قبل وفاته بأشهر كان "ديفيز" قد انتهى من ترجمته لرواية "الصاد شين" لأبو جليل وفي انتظار طباعتها في ديسمبر، كما نوي ترجمة رواية"يدي الحجرية" له لكن الزمن لم يمهله الوقت لذلك، فـ "الأدب العربي والإنجليزي خسر خسارة كبيرة برحيله لأنه كان نشيط جداً وله الكثيرمن الترجمات لم تصدر حتى".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان