إعلان

سمعها مليون ونصف.. حكاية "لولو" الفلسطينية التي سجّلت رسالة "ريحانة جباري" (حوار)

01:50 م الأحد 19 ديسمبر 2021

الشاعرة الفلسطينية لمى رأفت الشهير بـ"لولو"

كتبت-رنا الجميعي:

تصوير-أحمد الشيخ:
تصميم-أحمد مولا:

لم يعرفها أحد، وعرفها العالم، أحكمت اللعبة بامتياز، بورتريه لفتاة ذات شعر غجري واسعة العينين كصورة تعريفية، وصوت دافئ ينبعث عبر أثير أسلاك الإنترنت الباردة، كانت تلك هي كُل الأبجدية التي منحتها لمُستمعيها، لتنسج لولو أو لمى رأفت عالمًا بالغ الرهافة حول شرنقتها، ومن خلاله -وعلى مدار سنوات- بثّت الشابة الرقيقة قلقها وشعورها بالوحدة والغربة للعالم، ففتحت طاقة من النور مَنبتُها قلبها، ونجحت في الوصول لأكثر من مليون مُستمع-عبر الساوند كلاود- لم يجمعهم شيء سوى الشعور بذات الألم والوجع، وهذا العام تعود لولو من القاهرة بتجربة شعرية طازجة.

في 25 أكتوبر من عام 2014 أُعدمت الفتاة الإيرانية "ريحانة جباري"، وبعدها بأيام قليلة كانت لمى تنقل بصوتها رسالة حزينة تركتها ريحانة لوالدتها شُّعلة -ترجمة الوصية لأحمد الخطيب-، كانت لولو تتابع الأخبار التي وصلت عن إعدام ريحانة على يد السلطات الإيرانية في قضية دفاع عن النفس، حيث قتلت الفتاة ذات التاسعة عشر عامًا وقتها ضابط سابق حاول اغتصابها، لتتحول من ضحية إلى قاتلة في نظر السلطات، ويُحكم عليها بالإعدام. تأثرت لمى بالوصية، وجدت نفسها فجأة تمسك بهاتفها المحمول لتُسجّل الرسالة بصوتها، وتصل إلى أكثر من مليون ونصف مُستمع على الساوند كلاود "سجّلتها مرة واحدة، الرسالة كانت معانيها تقيلة جدًا" تقول لمصراوي، لفّ تسجيل لولو العالم، تأثّر كثيرون بقضية ريحانة الإيرانية، وكان الفضل في ذلك لفتاة فلسطينية "هاي قضية ممكن تصير لأي حد منّا، واللي ما إله صوت بنعطيه صوتنا".

لم تكن تلك المرة الأولى التي تُمسك فيها لمى هاتفها، وتُسجّل بصوتها نصوصًا أدبية مؤثرة للغاية، حدث ذلك للمرة الأولى قبل عام من رسالة ريحانة، وقتها كانت لولو تقبع في غُرفتها بمدينة أبو ظبي تُحسّ بالوحدة والضياع، وفي لحظة سحرية على ما يبدو سجّلت للمرة الأولى نصًا مُقتبسًا من رواية "المزحة" للروائي التشيكي ميلان كونديرا، وبدأت التسجيل الصوتي بهذه الإشارة "إهداء لضحايا التحرش والاغتصاب".

"التروما الفلسطينية"

وُلدت الصغيرة لولو بالشتات -تحديدًا بأبو ظبي- عام 1991، لم ترْ وطنها الأصلي فلسطين حتى الآن، لكنها "من أول ما نخلقت ع العالم دايمًا فيه سيرة فلسطين"، عبر حكايات والدها القادم من مدينة طولكرم "كان يحكيلي كِيف كانوا يبيعوا فلافل عشان يدرسوا على الشمعة"، وأيضَا من خلال الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام والأغاني التراثية التي تسري في أرجاء البيت.

لم تكن لولو طفلة عادية، "فيه اشي بيقولوا عليه التروما (أي الصدمة) اللي بتيجي لأهالي وأجيال جت بعد صدمة معينة، هادا الشي موجود بالعائلات الفلسطينية"، هكذا نشأت لولو، ووسط ذلك تأثّرت بحب أبيها الكاتب والشاعر للكتب "كان يجيب لي الكتب بأعياد ميلادي ويشجعني على الكتابة"، لذا لم يكن غريبًا أن تُمسك الصغيرة بالقلم، وتكتب أول قصيدة لها في عمر التسع سنوات، ويكون موضوعها عن فلسطين "هي دايما حاضرة بالذكريات والأحلام".

"كان بدّي حدا يسمعني ويحس فيّ"

ظلّت لولو مُستقرة بأبوظبي حتى عام 2011، وقتها اختارت الدراسة بجامعة السوربون، وعلى مدار عامين درست الشابة الفلسطينية الأدب الفرنسي، وبعد التخرج رجعت عائدة لبيتها يُلاحقها شعور بالضياع والتشتت "أي حد بيجيله أزمة وجودية بعد التخرج، مكنتش عارفة أعمل إيه في حياتي بعد كدا"، وفي ذلك الوقت من عام 2013 كانت لولو تقرأ كثيرًا كعادتها، وبين يديها حملت رواية "المُزحة"، وعبر صفحاتها تأثّرت الشابة بشخصية داخل الرواية اسمها "لوسي"، كانت لوسي تعرضّت لحادث اغتصاب، فيما كانت شخصية أخرى تُواسيها بطريقة حنونة، كما تصف لولو.
تلك الطريقة أثّرت في لولو كثيرًا، لم تعلم أنها ستكون البداية لأن تجد نفسها، بدأت لولو تُسجّل بصوتها الذي يفيض فيه الحُزن بذلك المقطع من الرواية، وتكوّن مشروع ظهرت ملامحه رويدًا رويدًا.

تجربة لمى في ذلك الوقت كانت فريدة من نوعها، لم يسبقها إليها أحد على الساوند كلاود، تسجيلات صوتية لفتاة ذات حسّ رقيق تتمكن من استخدامه جيدًا بما يخدم النصّ الأدبي، وخلفية موسيقية مُختارة بعناية، استقبل التسجيل الأول أكثر من مئة ألف مُستمع، لمس قلوب كثيرين "يمكن لأن النصّ بيتكلم عن قضية ما حدا بيتكلم عنها بهذا الشكل اللي فيه تعافي"، ورد إلى لولو رسائل عديدة من فتيات تعرضن للتحرش والاغتصاب "قريت رسايل كتير بكّتني، أكتر تعبير استخدمته البنات قالولي: أخيرًا لقيت حدا حاسس بيا، زي ما أكون في محلّ عتمة وحدا نوّر لي".

كان الشعور المُقابل بالمِثل لأن لمى شعرت أن العالم سمع نداءها، وتعددت تسجيلاتها الصوتية بعد ذلك، وعبر صوتها نقلت لولو الكثير عن مشاعر الوحدة والغربة والأسى "كان هدفي أحكي عن الإشيا اللي ما بنحب نحكي عنها فعليًا"، لذا اختارت نصوصًا مُتنوّعة ومُتشابهة في آن واحد، نقلت تجربة سجين فلسطيني وفتاة على وشك الإعدام ولاجئ سوري ومارست لُعبتها المفضلة في المزج بين نصوص قلقة لروائيين وشعراء "وبالنهاية اكتشفت إن المعاناة الإنسانية واحدة، والقلق واحد جوة كل البشر" تقول لمى بصوت يبدو هادئًا على السطح.

"من الموت إلى الحياة"

بعد بداية المشروع بسنوات، أيقنت لولو أنها نجحت في خلق مساحة حوار صحي حول موضوعات مهمة وحسّاسة؛ مثل الأمراض النفسية والسلامة الجسدية والجنسية والغربة والوطن والحروب، كُل التجارب التي شاركت في تسجيل نصوصها رسمت طريقًا واضحًا لها، أيقنت أنها لا تُحب سوى الكتابة، ولا تتنفس إلا الشعر، وبعد انقطاعها عن الكتابة لسبع سنوات عادت مُجددًا العام الحالي في مُستقرّها بكندا.

كانت لولو تستقرّ وراء صورة الفتاة ذات الشعر الغجري، غير أنها في تجربتها الحياتية التي تصفها بأنها "رحلة العبور من الموت إلى الحياة" تمسّكت بالمحبة، فعادت لولو من جديد بتسجيلات صوتية جديدة على خلفية أحداث حي الشيخ جراح بالقدس في مايو الماضي، وعبر مُناقشات ثقافية في مكتبات بالقاهرة والإسكندرية تظهر فيها بشخصيتها الحقيقية، وتتعرّف على مُستمعيها عن قرب هذه المرة "احصائيًا ستين بالمئة من المتابعين هم من مصر"، وبأمسية في ساقية الصاوي، في نوفمبر الماضي، لنصّ شعري كتبته قبل سبع سنوات، واستأنفت كتابته هذا العام بعنوان "اسمي لولو"، وهو نص تُعرّف فيه بنفسها وما تُمثّله لها الكتابة.

لازالت لولو تحلُم بالكثير؛ فواحدًا من أحلامها هو تسجيل الأعمال الكاملة لشاعرها السوري المفضل "رياض الصالح الحسين"، دومًا تُحبّ الشابة التعريف بالكتاب الذين لم يأخذوا حظهم من الشهرة، كذلك تنوي نشر ديوانها الشعري الأول بالقاهرة العام القادم، الذي لن يكون الأخير، فالكتابة بالنسبة للولو هي دفقة إيمان لا تزول "وبحب أضلّ أطلع على المسرح أقول الشعر للناس، مش حابة إن الشعر يفضل جوة كتاب على الرف".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان