من لا استجواب إلى الاستدعاء.. كيف فعل البرلمان الجديد دوره الرقابي على الحكومة؟
كتب- محمود عبدالرحمن ومحمد سامي:
جرافيك- مايكل عادل:
حول منضدة بيضاوية، تتوسط قاعة 25يناير، بالدور الأول بمبنى البرلمان، المخصصة للاجتماعات المهمة والموسعة، كان الاجتماع الأول للجنة العامة لمجلس النواب، صباح الأحد 17 يناير الماضي. انتهى الاجتماع الذي عقد برئاسة المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، إلى استدعاء مجلس الوزراء (رئيساً ووزراء)، لمتابعة ومساءلة الحكومة عن الموقف التنفيذي للبرنامج الذي قدمته للمجلس في يونيو 2018، باسم (مصر تنطلق)، وحاز على ثقة البرلمان آنذلك، وتعهدت الحكومة وقتها بالانتهاء من محاوره المحددة خلال أربعة أعوام، تنتهي في 2022.
ما انتهت إليه اللجنة العامة بالبرلمان من وجود ملاحظات على أداء الحكومة خلال العامين الماضيين، ورصد قصور في ملفات عديدة- دفعها إلى استدعاء وزرائها لبحث الموقف التنفيذي لكل وزارة على حدة، بناءً على ما ورد في برنامج الحكومة المقدم للبرلمان.
استدعاء الحكومة للبرلمان على مدار 21 يوماً سابقة لم يعرفها المجلس الماضي على مدار سنواته الخمس، فخلال 5 دورات برلمانية، بدأت 10 يناير 2016 واستمرت حتى 9يناير2021، لم يناقش فيها البرلمان غير استجواب واحد لوزيرة الصحة، على الرغم من أن المادة 136 من الدستور تعطي البرلمان الحق المطلق رقابيًا على أداء الحكومة، وكذلك المادة 27 في اللائحة الداخلية للمجلس، التي تمكن البرلمان ولجانه من دعوة أو استدعاء الحكومة، كلما رأت ضرورة لذلك، ليستحق البرلمان السابق لقب "برلمان بلا استجوابات".
حضور الوزراء للبرلمان كان وفقا لجدول حدده مكتب المجلس، وأخطر به رئيس الوزراء، بهذا التوضيح تحدث المستشار حنفي جبالي في الجلسة العامة الأولى أمام النواب، مؤكدا أن هذا الاستدعاء وجوبي وفقا للقانون، وأن مجلس النواب الجديد له رؤية جديدة ومستهدفات يعمل على تحقيقها، ليكون المواطن المصري في بؤرة اهتمام كل مؤسسات الدولة، من خلال إعمال كل الآليات البرلمانية المتاحة للمجلس تشريعيًا ورقابيًا.
صباح اليوم التالي، الاثنين 18 يناير الماضي، وقف رئيس الوزراء الدكتور، مصطفى مدبولي، أمام نواب البرلمان في قاعة المجلس الرئيسية، ومن خلف المنصة التي تتواجد أسفل منصة رئيس البرلمان، استعرض أبرز ما تحقق في برنامج الحكومة خلال العامين الماضيين منذ تشكيلها وحتى اليوم، وقدم نسخا من تقرير المتابعة الدوري لبرنامج عمل الحكومة، خلال هذه الفترة إلى رئيس المجلس ووكيليه، مشيرا إلى تراجع عجز الموازنة من 10% إلى 7.9% من إجمالي الناتج المحلي.
تقديم رئيس الوزراء تقرير المتابعة والإنجاز الحكومي إلى البرلمان، واستعراض ما تحقق في بيانه أمام البرلمان الجديد – ضرورة ليتمكن النواب من الاطلاع على ما تحقق فعليا على أرض الواقع- كما يقول رامي محسن- مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، وحتى يتمكن النواب من استعراض التفاصيل ومناقشتها مع الوزراء المعنيين ومحاسبتهم، وعلى الوزراء الرد على القضايا المطروحة، كما ينص الدستور في مادته 136.
وعقب انتهاء رئيس الوزراء، بدأ وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، كأول وزير من بين 29 وزيراً، تم استدعاؤهم إلى البرلمان واستجوابهم عما حققته وزاراتهم في برنامج الحكومة، وتَلقى الوزير استفسارات وأسئلة من 30 نائبًا، وتنوعت القضايا التي طرحها النواب في العديد من القضايا التي لها صدى في الشارع، مثل التصالح في مخالفات البناء وإلى أين تذهب عائداتها التي اقتربت من 17 مليار جنيه، وامتدت الأسئلة إلى قضايا أخرى لا تلقى اهتماما في الشارع حاليا، منها مطالبة الوزير بضرورة استغلال الميزة التنافسية لكل محافظة، فلا يوجد غير محافظة دمياط التي تتميز بصناعة الأثاث، واستفسار آخر عن دور المحافظات في توفير الموارد المالية لسد العجز في الموازنة، واستفسار ثالث عن قيام مستثمر عربي بتحويل فندق شيراتون إلى مأوى للكلاب، أهدر على الدولة 11 مليار جنيه ثمن 81 فدانا على البحر مباشرة... وغيرها من الأسئلة.
وفي نفس اليوم، بدأت مناقشة وزير التموين والتجارة الخارجية الدكتور على المصيلحي، عن مشكلات الخبز المدعم وبطاقات التموين، ووجه النائب عاطف ناصر الوزير بوجود وقائع إهدار لأموال الدعم بالمستندات، ورد الوزير بتقديمها للنيابة العامة في بلاغ رسمي، موضحا أنه لن يتستر على أي وقائع فساد، وطالب النواب بوضع ضوابط لصرف حوافز ومكافآت للعاملين بالوزارة، كذلك مراجعة أسعار السلع التموينية التي وصفها بعض النواب بالمرتفعة، والسماح بإضافة المواليد الجدد، وفتح باب التظلمات للمتضررين، وتشديد الرقابة على المطاحن الحكومية.
أغلب القضايا التي يطرحها النواب في البرلمان حالياً، تلمس حياة الناس وتدور في أحاديثهم اليومية- بحسب الدكتور أشرف سنجر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بورسعيد، الذي يرى أن ذلك يعطي للمجلس فعالية وحيوية، خاصة عند مناقشة القضايا المعيشية التي تهم المواطن وتأتي في قائمة أولوياته، ومسألة الحكومة ومحاسبتها عن تقصيرها، وهذا جديد في البرلمان الحالي، مع أنه دور طبيعي للبرلمان، لكنه لم يكن يفعل في البرلمان الماضي فـ"المفروض لو قصر أحد الوزراء يتم مساءلته ويستقيل من منصبه"، ما يحدث في البرلمان حاليا يخلق حالة ثقة بين النواب والمواطنين، وفقا لما يرى.
وعقب انتهاء النواب من طرح أسئلتهم على وزير التموين والتجارة الداخلية، أعلن رئيس مجلس النواب إحالة بيان الدكتور على المصيلحي، إلى لجنتي الشؤون الاقتصادية والتضامن الاجتماعي، للتأكد من تنفيذ ما أدلى به الوزير والوقوف على ما تحقق على أرض الواقع وإعداد تقرير بشأنه.
البرلمان السابق كان مليئا بالتشريعات على حساب دوره الرقابة الذي كان غائبا، يقول البرلماني عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، الذي يرى أن البرلمان الحالي يركز على تعزيز الدور الرقابي للبرلمان- مراقبة الحكومة ومحاسبتها- باعتبارها من اختصاصاته المنوط به تفعيلها، خاصة أنها شهدت قصورا خلال الفترة الماضية؛ فلم يكن هناك اهتمام كافٍ عن معاناة المواطنين وقضاياهم، خاصة الطبقة المتوسطة التي تعتبر أكثر المتضررين وفقا لتقديره، وسينحاز البرلمان من خلال التشريع والإصلاح خلال الفترة المقبلة، لتحسين أوضاع المواطنين وإحكام الرقابة على المؤسسات والجهاز التنفيذي بالدولة، بما يضمن استغلال الموارد بالشكل الأمثل.
على مدار 21 يوماً توالى استدعاء 28 وزيراً بالبرلمان، ابتداء من يوم 18 يناير الماضي وحتى 8 فبراير الحالي، كان يحضر كل يوم وزيران من الحكومة، يلقي الوزير منهما بيان وزارته، ليبدأ النواب استجوابه وطرح استفساراتهم، ووفقا لجدول أعمال المجلس؛ سيذهب وزير العدل المستشار عمر مروان إلى المجلس يوم الثلاثاء القادم، ليكون الوزير الـ 29 من أعضاء الحكومة الذي يذهب إلى البرلمان في أقل من شهر من عمر البرلمان الجديد، لتقديم بيان وزارته ومناقشته في الجلسات العامة للمجلس.
لا تنتهي مساءلة الوزير بانتهاء مناقشته في الجلسة العامة التي استدعي إليها، فبناء على ما تنتهي إليه المناقشات يقرر رئيس المجلس تحويل بيان الوزير إلى اللجنة المختصة لدراسته والتحقق من تنفيذ ما أدلى به الوزير، ويمكن أن تستدعي اللجنة الوزير مرة ثانية، كما حدث مع وزير التموين والتجارة الخارجية، ووزير التنمية المحلية اللذين استدعتهما اللجان المتخصصة بعد أيام من حضورهما الجلسة العامة بالمجلس.
لا يمكن الحكم بهذه السرعة على أداء البرلمان، بسبب استدعائه للحكومة، وفق ما يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، واصفا: ما يحدث بأنه مجرد شكليات.
هناك تعاون وتنسيق وليس تابعية بين السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة والسلطة التشريعية والرقابية ممثلة في البرلمان- يقول الدكتور أشرف سنجر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد، موضحا أن البرلمان حاليا يقوم بدوره على أكمل وجه وبكل شفافية، ويفعل أدواته الرقابية تجاه الحكومة، مدللا على ذلك بأن الاستدعاء لو كان صوريا لاقتصر على الجلسات العامة فقط، ولم يتم استدعاء الوزراء بعدها بأيام لمناقشتهم مجددا في إحدى لجان البرلمان، وقد يكون حضور الوزير أكثر من مرة في اللجنة الواحدة.
استدعاء الحكومة ومناقشة وزرائها مؤشر يدل على دور المجلس الفعال، يقول رامي محسن، مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، متوقعاً أن يتكرر هذا الاستدعاء خلال الفترات المقبلة مع بداية كل انعقاد لمناقشة الحكومة في القضايا المهمة وما تم إنجازه على أرض الواقع، لا بد أن يدرك الوزير أنه من السهل في أي وقت أن تتم مناقشته ومساءلته في المجلس، وهذا عكس ما كان يحدث في الماضي بأن يقوم الوزير بإرسال السكرتير الخاص به أو من ينوب عنه في حالة مناقشة ما يخصه.
وبعد مرور 8 أيام على حضور وزير التموين الدكتور على المصيلحي، تمت دعوته مجددا لمناقشته خلال اجتماع مشترك بين اللجنة الاقتصادية ولجنة التموين في العديد من القضايا العالقة التي لم يتم حسمها أو التطرق لتفاصيلها في الجلسة العامة، وفقا لتصريحات النائب أحمد دياب، أمين سر اللجنة الاقتصادية في البرلمان.
دعوة أخرى وجهتها لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لوزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي، بعد 15 يوما من حضوره الجلسة العامة، ووزيرة الصناعة الدكتورة نيفين جامع، بينما غاب الأول عن للجنة وحضرت الثانية، ليطالب النائب أحمد بهاء شلبي، عضو اللجنة، بضرورة تفعيل الأدوات الرقابية لنواب المجلس على نشاط وعمل وزارة التنمية المحلية، في ظل قصور الوزارة الواضح في توفير المعلومات اللازمة والضرورية عن الفرص التنموية للحكومة، بينما توجه النائب بالشكر لوزيرة الصناعة التي حضرت اجتماعين للجنة، بخلاف مناقشتها في الجلسة العامة واللجان الأخرى بالمجلس.
وتكررت دعوة العديد من الوزراء لحضور اجتماعات لجان البرلمان والرد على استفسارات النواب خلال الأيام الماضية، منذ بدأ البرلمان نشاطه منتصف يناير الماضي، سواء كانت اجتماعات اللجان بخصوص مناقشات بعض القضايا العالقة أو دراسة أحد التشريعات لتحديد مصيرها، ورفضت بعض لجان البرلمان بيان الوزير الذي ألقه أمام النواب بالجلسة العامة التي انتهت بإحالة رئيس المجلس البيان إلى اللجنة المتخصصة لدراسته والتأكد من حقيقة ما يقوله الوزير، كما حدث مع بيان وزير الإعلام أسامة هيكل، بشأن تنفيذ برنامج الحكومة، الذي رفضته لجنة الثقافة والاعلام بالمجلس جملة وتفصيلا، وأرجعت السبب إلى وجود أخطاء مالية وإدارية و بالإضافة إلى أن الوزير وجهازه المعاون لم يحققا الأهداف المرجوة، لتقرر الأمانة العامة للمجلس مناقشة تقرير اللجنة في الجلسة العامة، ضمن جدول أعمال المجلس، يوم الأحد القادم 14 فبراير .
تفعيل دور البرلمان التشريعي والرقابي يُسهم في رفع الأعباء عن كاهل المواطنين، وتحسن أوضاعهم اقتصاديا، يقول الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهذا لم يحدث في البرلمان السابق، ولم تتم محاسبة الوزراء خلال السنوات الماضية.
ما حدث خلال الأيام الأولى من عمر البرلمان الجديد لتفعيل دوره الرقابي لم يحدث على مدار خمس سنوات، هي عمر البرلمان الماضي، ورغم ذلك يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه من المبكر الحكم على أداء البرلمان الحالي، رغم أن ما يحدث خطوة إيجابية ويخدم الصالح العام، لكن التحدي الأكبر أن يستمر، ويكون مؤثرا في أداء الحكومة، وهذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
فيديو قد يعجبك: