بعد انتشار "فيديو" الواقعة.. كيف انعكس التحرش بطفلة المعادي على الأمهات؟
كتبت-إشراق أحمد:
ضغطة واحدة لتشغيل مقطع مصور غيرت يوم آية السيد؛ قرأت الأم تعليق لدى صديقة لها "نفد رصيده من الستر"، بدافع الفضول قررت المشاهدة، ما كانت تعلم أنه الفيديو المتداول للتحرش بطفلة في المعادي. دقائق قلبت نفس آية، اجتاحتها مشاعر متداخلها جميعها سيء، ما بين الغضب، الحزن، الظلم والخوف. لم تتوقف عن التفكير في طفليها، ابنتها ذات السادسة أعوام وابنها الذي لم يتجاوز الرابعة. تبدل حال السيدة بشكل لم تعرفه من قبل "وصلت إني مكنتش قادرة أقوم من مكاني". ليوم كامل عانت الأم من آثر مشهد التحرش الشهير.
قبل أيام انتشر مقطع مصور عبر كاميرا مراقبة لرجل يرتدي بذلة يستدرج طفلة صغيرة إلى داخل عقار، ثم ما يهم بالتحرش بها حتى توقفه سيدة تخرج من إحدى الشقق، كانت هي ذاتها صاحبة نشر المقطع الذي حرك الجهات الرسمية كدليل على اعتداء جنسي بحق طفلة. خلف واجهة الإهتمام كانت ثمة أمهات استقبلن الواقعة بردود فعل مختلفة، فيما تحركت المشغولات بمكافحة التحرش بالأطفال بطاقة أكبر من المعتاد، إذ كانت تلك لحظة ضرورية للتوعية.
تتجنب آية التعرض للأخبار السلبية، ترى في هذا حماية لها ولأبنائها منذ انجبت، تعرف بحالات التحرش بالأطفال، تقرأ عن التربية وأهمية تعليم الصغار الدفاع عن أجسادهم، لكنها أبدًا ما شاهدت بإرادتها محتوى مصور لإعتداء، لذا كان الأمر صادمًا لها "طول اليوم كنت عصبية فوق الوصف ومش فاهمة ليه وبليل قعدت أعيط جامد مكنتش عايزة أخرج ولادي ولا اسيبهم لوحدهم بعد كده"، لم تدرك الأم العشرينية أن ما شاهدته كان السبب فيما انتابها وبلغ حد قرارها الانقطاع عن مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة الأخبار.
خلاف آيه، لم يكن المقطع صادمًا لإيمان منير "شوفت عشرات زي الواقعة اللي حصلت لطفلة المعادي". في 2014 أطلقت ابنة سوهاج حملة اسمتها "لا للتحرش ضد الأطفال"، دارت المدارس والحضانات والقرى لتوعية الصغار والأهالي بأساليب بسيطة كالألعاب، استمعت للكثير من الوقائع، واصطدمت برد فعل العديد "كان بيتقال إننا مبالغين ومفيش حاجة كده بتحصل في مصر".
واجهت إيمان صعوبات عدة خاصة وأن الحديث عن التحرش ليس متداولاً في الصعيد، ورغم ذلك استمرت في العمل؛ بعد تداول فيديو التحرش بطفلة المعادي، خرجت الأم الثلاثينية للحديث مع متابعين صفحتها على فيسبوك، راحت تخبر الأباء والأمهات بما يفضل فعله مع أولادهم لحمايتهم من التحرش أو دعمهم إن ما وقعوا في شراك هذا الحدث السيء.
هذه المرة الثانية التي تسارع فيها إيمان بالحديث إلكترونيًا عقب واقعة تحرش يتعرض لها طفل، فيما اعتادت منذ تفشي فيروس كورونا أن تنقل ما تفعله ميدانيًا إلى صفحة الفيسبوك، تندفع الإخصائية النفسية كأم لطفلين وصاحبة مبادرة للتوعية، لكن هذه المرة تفاجأت إيمان بردود الفعل "رسايل كتير اتبعت لي ما بين ناس بتسأل تحمي ولادها إزاي واللي كان شاكك أن ابنه أو بنته اتعرض للتحرش بقى عايز يتكلم". تتذكر تلك الأم التي تواصلت معها عقب يوم من الواقعة تحكي لها عن تعرض ابنتها للتحرش من قبل جدها لأبيها وتسألها النصيحة لتعافي طفلتها.
في أكتوبر 2020 انتشر مقطعين مصورين للتحرش بأطفال، أحدهما كان لصبي، تحدثت إيمان عنها وقتها. ترى صاحبة حملة "لا للتحرش ضد الأطفال" أن صدمة العديد من المقطع المنشور لواقعة المعادي كانت "في شكل المتحرش. كتير ميعرفوش أن حاجة بالبشاعة دي تطلع من شخص مايبنش عليه خالص".
كانت هبة عامر ممن شاهدوا مقطع التحرش للتصديق أن شخصًا بإمكانه أن يفعل هذا بطفلة. بالصدفة بينما تطالع حساب الفيسبوك الخاص وجدت الفيديو معنونًا بالمحتوى "قلت أشوفه معقول واحد شكله كده يعمل ده. يمكن تكون إشاعة". وما إن اكملت هبة المشاهدة حتى تسمرت، زاحمت الأسئلة رأسها "لو مكنش الباب اتفتح كان ايه اللي.. لو مكنش في كاميرا طيب ليه البنت مضرختش"، تبدلت صورة الطفلة بملامح ابنتها ذات السبعة أعوام "فكرت لو بنتي مكانها هتبقى مصدومة مش هتعرف تتصرف؟".
خوف هبة لحظتها دفعها للتفكير في عرض المقطع المصور على ابنتها لتشاهده "رغم أني مصحباها وبعلمها إزاي تتعامل لكن حسيت أنها ممكن تتصدم زي البنت دي ومتعرفش تتصرف"، كادت الأم أن تفعل لولا دفع زوجها "قالي هتتصدم وممكن تتقعد"، فتراجعت هبة عن الفكرة.
ما كانت هبة يومًا أسيرة لخوفها على ابنتها "بحاول دايمًا أكسر قلقي عليها من التحرش والخطف بأني أعلمها واديها مساحتها برضه"، لكن بعد رؤيتها للمقطع الأخير، أخذت تبحث أكثر لإيجاد طرق تعليمية لتوعية ابنتها بالتحرش.
تعلم صاحبة "لا للتحرش ضد الأطفال" ما يمكن أن يحدثه هذا المقطع في الأهالي، لهذا خرجت تقدم النصيحة بما اعتادت أن تفعله طيلة هذه الأعوام من نشر ما صنعته من سلسلة مصورة لحماية الأبناء من الإيذاء البدني، ولعبة خاصة للأطفال لتوعيتهم بالأمر، وإرسال كتيب إلكتروني لمن أراد كيفية التعامل في حالة وقوع الطفل بالمصاب.
كذلك كانت أميرة أحمد على علم مسبق برد الفعل بعد رؤية المقطع المصور لذا قررت عدم المشاهدة. كدارسة لعلم النفس وتعمقها في مجال التربية تدرك أميرة الأثر النفسي السيء لمثل هذه المشاهد عليها كأم لديها طفل في الصف الثالث الابتدائي، لذا وجهت دورها لدعوة جميع الأمهات بألا يشاهدوا الفيديو المتداول، فيما راحت تتحدث مع من يتابعها على صفحتها بفيسبوك عن المشاكل التي تراها في تعامل الأهالي مع أطفالهم خاصة بما يتعلق بأجسادهم.
لا تفضل أميرة أن ترتبط توعية الصغار بما يمكن أن يقع عليهم من ضرر بحادث بعينه "لأنه لو محصلش الكلام بطريقة علمية هيكون الأم والأب بيتكلموا من دافع الانفعال وده هيتنقل للطفل"، ترى الأم العشرينية أن الحديث مع الأطفال بشأن التحرش "المفروض يكون أسلوب حياتنا مش شيء موسمي"، يبدأ بتعليمهم الأماكن المحظور لأي شخص رؤيتها حتى الوالدين وليس كما يحدث "في أمهات ممكن تغير لولادها أو تسيب الولاد من غير هدوم في الشارع زي ما بنشوف في بعض الأماكن على أساس أنه صغير"، بالإضافة إلى خلق مساحة واسعة من المحبة التي تجعل الأبناء يتحدثون إلى أبائهم عن كل شيء.
مساء يوم مشاهدتها للمقطع المصور، اختلت آية بنفسها، قرأت عن الآثر النفسي لمشاهدة محتوى مثل التحرش، غاصت في التفكير عن استمرار خوفها على أطفالها حتى وصلت لما يهديء من روعها "قلت لنفسي أحنا بنسعى وبنحمي ولادنا وبنعلمهم وكل حاجة بعد كده بإيد ربنا". هدأت الأم وعادت لطبيعتها وقررت الحديث في محيطها عما مرت به من تجربة حتى لا تعاني أم غيرها بما أصابها، فيما زاد عزم صاحبة حملة "لا للتحرش ضد الأطفال" لبذل المزيد من الجهد متمنية أن تصبح التوعية بما يسمى "التربية الجنسية" أشبه بمادة تدرس للطلاب في المدارس.
فيديو قد يعجبك: