"صراع الكبار".. حرب "فيسبوك" و"آبل" في مصلحة المستخدم أم ضدها؟
كتب- محمد زكريا:
الأصل في كل منافسة بين شركتين كبيرتين هو الرغبة في الاستحواذ على حصة أكبر من السوق، لكن شركتي "فيسبوك" و"آبل" الأمريكيتين لا يتنافسان على أرضية واحدة في سوق التكنولوجيا، فمصدر جميع عائدات "فيسبوك" من الإعلانات، بينما الأخيرة تمثل جزءً صغيرًا من عائدات "آبل"، التي تعتمد على بيع الأجهزة الذكية.. لكن من التباين نفسه برز العداء.
لا يزال "فيسبوك" يواصل تحركاته بوجه "آبل"، بحملة إعلانية داعمة للإعلانات الموجهة التي تشكل الإيراد الأساسي للمنصات الإلكترونية المجانية، كان آخرها إعلان ترويجي مصور نشرته "فيسبوك" قبل أيام بعنوان: "الإعلانات المكيفة تقدم أفكارا سديدة لكل شخص"، في محاولة لكسب معركة لا تزال رحاها دائرة ولم تخف على مدار شهور.
سر العداء
قبل سنوات عديدة، قال رئيس شركة "آبل" تيم كوك، إن "فيسبوك" تتعامل مع مستخدميها كسلعة لكسب المال من الإعلانات، عابثة ببيانات المستخدم الشخصية ومنتهكة لخصوصيته، ليرد رئيس شركة "فيسبوك" مارك زوكربيرج بحدة أكبر، معتبرًا أن "آبل" لديها دوافع خفية لانتقاد "فيسبوك"، وأنه من الأولى تخفيض "آبل" لثمن منتجاتها باهظة الثمن إن كانت تبحث عن مصلحة المستخدم.
لم تخفّ حدة التوتر في السنوات الأخيرة بين الشركتين، وإن ظل مكتوما بعض الشيء، غير أن حجب "آبل" لأدوات التطوير الخاصة بـ"فيسبوك" فجر خلافا علنيا في الشهور والأسابيع الأخيرة.
لطالما تغنت "آبل" بالخصوصية، وسعيها الحثيث لحماية بيانات المستخدمين، حيث تقدم الخصوصية كسلعة تدر ربحا كبيرا عبر توفير نظام آمن لمستخدمي منتجاتها، وهو ما يصطدم بحائط شركة "فيسبوك"، التي تقدم خدمة مجانية لمستخدميها في مقابل الحصول على بياناتهم، وبيعها للمعلنين، وهو مصدرها الأول لتحقيق الأرباح.
قالت شركة "آبل" نهاية العام الماضي إنها ستبدأ باعتماد تطبيق "تتبع الشفافية"، والهدف منه منح الزبائن مزيدا من التحكم والسيطرة على بياناتهم الشخصية، حيث سيكون بمقدور مستخدم "آبل" الموافقة أو رفض إعطاء بياناته الشخصية للتطبيقات الأخرى، مثل "فيسبوك"، وهو ما لم يكن متاحا في السابق، حيث كانت القاعدة الأساسية هي الموافقة.
وخصصت "آبل" لتطبيقها الجديد حملة إعلانية كانت الأضخم في الولايات المتحدة خريف العام الماضي.
وقال رئيس شركة آبل، تيم كوك، عبر تغريدة له، نهاية العام الماضي: "آبل تعتقد أنه من حق المستخدمين امتلاك خيار بشأن البيانات التي تجمع عنهم وكيفية استخدامها".
وأورد كوك في تغريدته صورة من فيسبوك تظهر طلب الأخير بيانات عن المستخدم، وربما هذا ما أثار غضب فيسبوك.
فعندما تقوم "آبل" بتطبيق سياسة الخصوصية الجديدة على أجهزة "الآيفون"، سيكون الوضع صعبا على المطورين والتطبيقات وحتى الشبكات الاجتماعية في تتبع وجمع بيانات المستخدمين.
لذا أجلت "آبل" نهاية العام الماضي نشر التطبيق للعام الحالي لمنح مطوري فيسبوك المزيد من الوقت لمواكبة هذا التغيير الجديد.
واستطاعت شركة "آبل" أن تحقق رقما قياسيا جديدا في عدد مستخدمي هواتف "الأيفون"، الذي ارتفع الآن ليصل إلى أكثر من مليار مستخدم في جميع أنحاء العالم، وفقا لتقرير نشره المحللNeil Cybart.
مضي "آبل" في هذا الخيار يشكل ضربة لـ"فيسبوك"، الذي يعتمد على الإعلانات في المقام الأول.
أعلنت "فيسبوك" رفضها لسياسات الخصوصية الجديدة من "آبل"، وقالت صراحة إن التطبيق الجديد سيلحق ضررا كبيرا بأعمالها.
وارتفع عدد مستخدمي "فيسبوك" بنهاية الربع الأخير من العام الماضي إلى 2.5 مليار مستخدم، حسبما أعلنت الشركة.
ومعظم إيرادات "فيسبوك" تأتي من بيع الإعلانات للمسوقين، حيث حققت الشبكة الاجتماعية حوالي 21.2 مليار دولار من عائدات الإعلانات في الربع الثالث من عام 2020، ومثّل هذا 99% من إجمالي إيرادات الشبكة، ومن ثم يبدد التحديث الجديد للخصوصية من "آبل" إيرادات إعلانية ضخمة للشبكة.
نتيجة لذلك، بدأ "مارك زوكربيرج" حربا شاملة ضد شركة "آبل"، متخذا من شعار "مجانية الإنترنت" سلاحا له، من خلال الإعلانات في الصحف، وإطلاق موقع إلكتروني جديد، لإظهار مدى تأثير هذه الميزة على المطورين وأصحاب المشاريع الناشئة.
وقالت فيسبوك: "آبل تستخدم موقعها المهيمن في السوق لمنح نفسها الأفضلية في جمع البيانات الخاصة بها، بينما تجعل من المستحيل تقريبا على منافسيها استخدام نفس البيانات".
وأضافت فيسبوك: "يزعمون أن الأمر يتعلق بالخصوصية ولكنه في الواقع يتعلق بالربح".
وتواجه "آبل" سلسلة من الدعاوى القانونية بعد اتهامات بأنها تستخدم متجر التطبيقات الخاص بها والذي يتمتع بموقع قوي في السوق لإملاء شروط غير عادلة على المطورين، كما تواجه تهمة عدم دفع نصيبها العادل من الضرائب، وهو ما تنفيه "آبل".
في مصلحة المستخدم أم ضدها؟
يقول الولي ولد الداه، الخبير التقني الموريتاني في أمن المعلومات، في تصريحات لموقع "مصراوي"، إن الصراع بين شركتي "آبل" و"فيسبوك" قائم على المصالح ولا غير ذلك، والدليل في رأيه أن شركة "آبل" تستخدم أيضا بيانات المستخدمين لأغراض تجارية، رغم ذلك يعتقد أن ذلك الصراع العلني يحفظ بعضا من حقوق المستخدمين ويسلط الضوء أكثر على ما يتعرض له المستخدم من انتهاكات لا حصر لها من قبل تلك الشركات لتحقيق مصالحها.
فيما يعتقد المهندس أحمد صبري، رئيس شعبة "الإعلام الرقمي" في غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر، أن الصراع بين شركتي "آبل" و"فيسبوك" يصب في مصلحة المستخدم من جهة أنه يحفظ لعملاء "آبل" بياناتهم ويحمي خصوصيتهم.
ويقول في تصريحات لموقع "مصراوي" إن "الصراع يكسر بعض المسلمات التي ارتضاها المستخدم، منها أحقية الشركات في الحصول على البيانات من غير قيود".
الانعكاسات
لا يعتقد رئيس شعبة "الإعلام الرقمي" أن الصراع سيستمر بين الشركتين طويلا، قائلا: "من الوارد أن يتم احتواء الصراع أمريكيا، حتى لا يصب في مصلحة الشركات الصينية المنافسة".
كما لا يتوقع "صبري" أن تتحول خدمة "فيسبوك" من مجانية إلى مدفوعة في حال طبق "آبل" الخاصية الجديدة وما يترتب على ذلك من خسارة "فيسبوك" لبيانات ملايين المستخدمين ومن ثم خسارته لأرباح هائلة، وبخاصة مع "توافر العديد من البدائل، فلم تعد هناك شركة واحدة تحتكر تقديم الخدمة للمستخدم".
مضيفا: "نموذج الاشتراكات فشل في العالم، حتى إن الصحف العالمية التي طبقت مبدأ الاشتراكات ضعف الإقبال عليها، فاضطرت في النهاية لتقديم خدمة مجانية في مقابل الإعلانات"، ويحلل ذلك: "عرف العالم آخر الاشتراكات في أواخر التسعينيات مع شركة مايكروسوفت، لكن مع انطلاق خدمات جوجل في عام 1998 وتقديمها لخدمات هائلة بشكل مجاني، تغيرت المعادلة إلى الأبد".
بينما يتوقع الخبير التقني الموريتاني في أمن المعلومات أن "هذا الصراع سيؤدي حتما إلى تغيرات تكنولوجية وخيارات جديدة تصب في مصلحة المستخدم، لأن فيسبوك ستجد نفسها مضطرة إلى تبني منظومة جديدة خاصة بها، وربما تطوير أجهزة منافسة لآبل. على الجانب الآخر، من الممكن أن تبدأ آبل في تطوير خدمات كالتي توفرها فيسبوك، وتخلق من داخل منظومتها بديلا لفيسبوك أكثر احتراما لخصوصية المستهلك".
فيديو قد يعجبك: