لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"فيسبوك" والعدوان على غزة.. "مقاومة رقمية" أربكت عملاق التواصل الاجتماعي

03:00 م الأحد 23 مايو 2021

واجه فيسبوك انتقادات لحجبه وتقييده المحتوى الداعم

كتب- أحمد شعبان ورمضان حسن:

بدا كل شيء مختلفاً هذه المرة. اندلعت شرارة الغضب الفلسطيني من مدينة القدس المحتلة، لكنه امتد ليشمل كامل أراضي فلسطين، من النهر إلى البحر. ثم تمخضت الجولة الجديدة من القتال بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، عن الكثير ميدانياً وسياسياً، وفي خضم ذلك كله بدا لافتاً صدارة مواقع التواصل الاجتماعي كساحة جديدة من ساحات الصراع بين العرب وإسرائيل.

في شوارع حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين أصحاب الأرض، ومستوطنين يهود تساندهم قوات الاحتلال، في حلقة جديدة من سلسلة التهجير القسري للمقدسيين. احتجاجات سلمية، لأيام متواصلة بدأت منذ نهاية الشهر الماضي، دفاعاً عن الأسر الفلسطينية المهددة بالتهجير، واجهته سلطات الاحتلال باعتداءات واعتقالات وأعمال عنف، وجدت طريقها إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها "فيسبوك"، التي انتفض مستخدموه، في فلسطين وأبعد، لنُصرة أهالي الحي القديم المتشبثين بأرضهم. قبل أن يصطدم المستخدمون بـ"سياسات فيسبوك".

مقاومة رقمية

قبل نهاية الأسبوع الأول من مايو الجاري، ظهرت أحداث حي "الشيخ جراح" للمرة الأولى على شبكات التواصل الاجتماعي، ساند المستخدمون في غزة، وبامتداد الدول العربية، المقدسيين، وبدأوا في نشر صور الاعتداءات عليهم، وأطلقوا هاشتاج "#انقذوا_حي_الشيخ_جراح"، بالعربية والإنجليزية، وبعد محاولات قوات الاحتلال اقتحام المسجد الأقصى، أواخر شهر رمضان، زادت وتيرة التفاعل وانتشر وسم "#المسجد_الأقصى" بكثافة.

1

لكن "فيسبوك" من جانبه، قيّد منشورات كثيرين، تضمنت هاشتاج "#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح"، وحذف منشورات لصحفيين وناشطين فلسطينيين وثّقوا اعتداءات جنود جيش الاحتلال على الفلسطينيين، حجب وعلّق حسابات، زاعماً أنها "تحمل خطابات كراهية وتحرض على العنف"، كذلك حجب رؤية محتوى الصفحات التى تحمل هاشتاج المسجد الأقصى.

إخفاء المحتوى الرقمي الفلسطيني ليس جديداً على فيسبوك؛ فقبل نحو عام، دشّن ناشطون داعمون للقضية الفلسطينية وسم "#فيسبوك_عنصري"، احتجاجاً على غلق الموقع عشرات الحسابات لناشطين وصحفيين فلسطينيين، وحذف منشورات تندد بجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، والسبب –حسب فيسبوك- "مخالفة معايير النشر". فيما رصد تقرير "هاشتاج فلسطين" الصادر عن مركز "حملة"، الذي يعمل على مناصرة الحقوق الرقمية الفلسطينية، أكثر من ألف انتهاك لحقوق الفلسطينيين الرقمية، في عام 2019، نصيب الأسد منها كان لفيسبوك، بعدد انتهاكات بلغ 950.

قبل ذلك، تحديداً في عام 2016، استجابت شركات التكنولوجيا العملاقة، تويتر وجوجل، ومعهم فيسبوك لطلبات إسرائيلية لحذف المحتوى المناهض للدولة العبرية، وحسب تصريح لوزيرة العدل الإسرائيلية، حينها، إيليت شاكيد، فإن الشركات امتثلت لنحو 95% من طلبات إسرائيل لحذف المحتوى، الذي كان معظمه فلسطيني، في حين وجد فريق مركز "حملة" في عام 2020، أن فيسبوك قد امتثل لـ 81٪ من طلبات إسرائيل لحذف المحتوى.

لكن الجديد هذه المرة هو الارتفاع الملحوظ في قمع المحتوى الفلسطيني، أو الداعم لأهلها، خاصة بعد أحداث حي الشيخ جراح، وهبّة القدس، وما تلى ذلك من تطورات وصلت إلى دخول صواريخ المقاومة الفلسطينية على خط الصراع، ليبدأ فصل جديد من العدوان على غزة. صاحب ذلك دعم غير مسبوق لفلسطين وأهلها على مواقع التواصل الاجتماعي، جاوز حدود فلسطين والمنطقة العربية. اتسع الدعم واتسع قمع فيسبوك للمحتوى كذلك، وهو ما جرى مع عدد من المستخدمين، منهم "أحمد السيد".

كتب الشاب العشريني، قبل يومين، منشوراً على الموقع قال فيه "رغم الثقة إن الغلبة للصهاينة، لكن برضو مضطرين نتكلم عشان منبقاش بنتنهب وساكتين كمان"، وفق ما يقول لمصراوي، لكن فيسبوك حذف المنشور، على اعتبار أنه "ضد معايير المجتمع"، رغم أنه كان أقل حدة – وفق قول الشاب- من منشور سابق نشره في يوم 11 مايو الجاري، وتحدث فيه عن عدم التعاطف مع المستوطنين.

وسوم في صدارة "التريند"

خلال 15 يوماً منذ بداية أحداث اقتحام المسجد الأقصى وحتى مساء الجمعة الماضي، مع تدشين أخر هاشتاج باسم #غزة_تنتصر؛ تخطّى عدد المتفاعلين مع الوسوم والكلمات الداعمة لفلسطين حاجز الـ146 مليون متفاعل، خاصة مع زيادة التفاعل مع اليوم الأول للقصف على غزة، الإثنين 10 مايو، على ما أظهر الرصد الذي أجراه "مصراوي" لأبرز الوسوم التي المستخدمة لدعم فلسطين، باستخدام أداة ""Mediatoolkit، المتخصصة في تحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي.

23

وعلى رأس قائمة الدول التي تفاعل مواطنوها مع الهاشتاجات والكلمات المتعلقة بالقضية، احتلت أمريكا المركز الأول، فيما جاءت مصر في المركز الثاني، تليها السعودية ثم ماليزيا وبعدها الجزائر، بينما حلت الإمارات وقطر وفلسطين في المراكز قبل الأخيرة في ترتيب الـ 10 دول الأكثر تفاعلاً مع الوسوم.

اختطفت إذن القضية الفلسطينية ذهن المستخدمين، في الدول العربية وغيرها، لأيام. دعم متواصل في مواجهة دولة الاحتلال وجرائمها، متابعة للتطورات بشغف، تنخلع القلوب مع صور ومشاهد الشهداء في غزة، انهيار الأبراج السكنية والبنية التحتية التي استهدفها الاحتلال بوحشية وعنف غير مسبوق، فيما تعم البهجة مع صواريخ المقاومة الفلسطينية التي باغتت دولة الاحتلال، وعطلت فيها الحياة، وأشاعت الهلع والخوف بين المستوطنين، رداً على العدوان على قطاع غزة المُحاصر.

بنسبة بلغت 36%، جاء "تويتر" على رأس قائمة مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية التفاعل، بينما سجل فيسبوك نسبة 7% من إجمالي التفاعل على الوسوم، على ما أظهر رصد "مصراوي"، علماً بأن نسبة تفاعل المشاركين على الوسوم والكلمات الداعمة لفلسطين، من الذكور وصلت إلى 48.7%، و51.3% للإناث، كذا ظهر استخدام الهاشتاجات باللغة الإنجليزية أكثر من استخدمها باللغة العربية بحسب ما أظهرته أداة "Talkwalker"، والتي رصدت أن نصيب الشباب في الفئة العمرية بين 25 إلى 34 سنة، بلغ 47.4% من إجمالي عدد المتفاعلين، بينما جاء التفاعل في الفئة العمرية بين 18 إلى 24 سنة، بنسبة 43.3%، في حين غابت الفئات العمرية بين 55 إلى 64 سنة عن التفاعل مع الوسوم.

4

حيل المستخدمين

لجأ المستخدمون إلى حيل عديدة لمواجهة تضييق فيسبوك، والانتصار لفلسطين. فمن ناحية، استدعوا طريقة الكتابة القديمة للغة العربية من دون نقاط أو همزات في المنشورات التي نددت بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، هرباً من خوارزميات الموقع، ومرات أخرى وضعوا فواصل أو رموز في الكلمات المرتبطة بالقضية، خاصة تلك التي تتناول قصف غزة، والاعتداء على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح.

لكن حضور "فيسبوك" في أحداث فلسطين الأخيرة لم يقتصر على المنع والحجب وتقييد المحتوى من قبل إدارته، ثمّة احتيال جرى على المنصة الشهيرة، دارت على إثره رحى معركة أخرى.

معركة أخرى على "فيسبوك"

في الوقت الذي كان فيه القصف الإسرائيلي مستمراً على الأبراج السكنية في قطاع غزة، مع دخول المواجهات يومها الثالث، الأربعاء 12 مايو الجاري، ثمة حسابات وصفحات على موقع التواصل الاجتماعي بدأت حملتها لغلق صفحة تحمل اسم "Jerusalem Prayer Team". فجأة ودون مقدمات وجد المستخدمون أنفسهم يتابعون هذه الصفحة دون علمهم، علماً بأن عدد متابعي الصفحة جاوز 76 مليوناً حول العالم.

بدأ ناشطون تحذير أصدقائهم من الصفحة "المُحتالة" وحثهم على إلغاء متابعتها، خاصة وأنها أظهرت دعماً لدولة الاحتلال، في مواجهة أهل فلسطين أثناء القصف على غزة. فيما كشف فحص للصفحة أجراه "مصراوي"، عدة مؤشرات تشي بأن ثمّة شيء ما غير معتاد يقوم به مديرو هذه الصفحة.

تُعرّف الصفحة نفسها أنها تهدف إلى مهمة "بناء أصدقاء صهيون لحراسة الشعب اليهودي والدفاع عنه وحمايته والصلاة من أجل سلام القدس"، فيما تشير المعلومات الأولية أنها أُنشئت في الرابع عشر من يناير 2010، لغرض إدارة نشاط تجاري محلي، وتتيح ترويج الإعلانات، ووفقاً لما توفره خاصية "شفافية الصفحة" -التي يتيحها فيسبوك لجميع الصفحات – فإن عدد الأشخاص القائمين على إدارتها يبلغ 15 شخصاً، منهم 13 من الولايات المتحدة الأمريكية، واثنين من إسرائيل، فيما أضاف القائمون عليها رابطاً لموقع إلكتروني يحمل نفس اسم الصفحة.

جولة سريعة داخل الموقع، اتضح منها أنه يحقق بالفعل الهدف أو "المهمة" التي تضمنها تعريف الصفحة، حيث يحوي عدداً كبيراً من المقالات والموضوعات التي تدعم وجود إسرائيل كدولة في المنطقة، كذلك كلمات لقادة وسياسيين كبار حول العالم يدعمون إسرائيل.

5

في الفترة بين عامي 2002 على 2016، تغيّر شكل الموقع الإلكتروني تماماً أكثر من مرة، والأمر كذلك بالنسبة لمحتواه الذي كان في السابق منصة لنشر مقالات اقتصادية، وترويج للعلامات التجارية في الولايات المتحدة، حسب ما أظهرت أداة Cached View أحد أدوات "جوجل" لحفظ أرشيف المواقع والصفحات.

6

في حين تأكّد عدم وجود صفحة على موقع فيسبوك من قبل تحمل اسم "Jerusalem Prayer Team"، ما يعني أنه تم تغيير اسم الصفحة، ويبدو لافتاً هنا أن "فيسبوك" لا يتيح خاصية معرفة ما إذا كان تم تغيير الاسم لهذه الصفحة تحديداً، علماً بأن هذه الخاصية من المفترض أن تظهر ضمن المعلومات التي يتيحها قسم "شفافية الصفحة"، المُشار إليه سابقاً.

7

لا يقتصر الأمر على ذلك، فعدد المتابعين على الصفحة تخطي حاجز الـ76 مليون شخص حول العالم مع الأسبوع الأول من مايو، كما زاد عدد المتفاعلين على محتوى الصفحة بشكل كبير، وهو عكس ما تظهره الصفحة نفسها قبل شهر تقريباً، حيث كشف فحص محتوى الصفحة أن التفاعل عليها كان ضعيفاً مقارنةً بالأسبوعين الأول والثاني من مايو الجاري، حيث تخطى عدد المتفاعلين مع محتوى الصفحة مليوناً و200 ألف، بنهاية الثاني عشر من مايو.

كذلك بدأ مديرو الصفحة في تكثيف نشر المنشورات والفيديوهات والأخبار بمعدل من 3 إلى 5 منشورات على مدار الساعة الواحدة، منذ اندلاع أحداث حي الشيخ جراح، وهو المعدل الذي لم تصل إليه الصفحة قبل ذلك تقريباً، حسب ما أظهرت أداة "socialblade" المتخصصة في تحليل محتوى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

8

يذهب خالد البرماوي، المتخصص في الإعلام الرقمي، إلى أن ما حدث ربما يكون خطأ من المستخدمين أنفسهم في متابعة الصفحة، مستبعداً أن يكون فيسبوك طرفاً فيما حدث، قبل أن يُضيف "ربما كانت الصفحة ثغرة استغلها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي لمحاولة دعم موقف إسرائيل أمام العالم فيما حدث أثناء القصف، ولكن أستبعد أن يكن فيسبوك على علم بذلك"، وفق قوله.

اعتذار فيسبوك

في منتصف الشهر الجاري، انطلقت حملة لخفض تقييم "فيسبوك" على متاجر التطبيقات الإلكترونية، اعتراضاً على سياسات الموقع ضد المحتوى الداعم لفلسطين. عشرات الملايين شاركوا في الحملة، لينخفض التقييم على "جوجل بلاي" في خلال يومين من 4.7 إلى 3، في حين تراجع كذلك على "أبل ستور" ليصل إلى 1.9 بدلاً 4.

وعلى مدار الأيام التالية، استمرت الحملة، واستمر خفض التقييم، ليصل حتى صباح اليوم إلى 2.4 على "جوجل بلاي"، فيما وصل إلى 1.2 على "أبل ستور"، ويرى "البرماوي" أن الحملة سيكون لها تأثير على المدى القريب، ونتيجتها ستكون أداة ضغط لسرعة تطوير الموقع وتعديل سياساته.

9

الجدل الكبير الذي أحدثه فيسبوك وخوارزمياته وسياساته ضد المحتوى الداعم لفلسطين، أجبر الشركة على تقديم اعتذار رسمي، إلى السفارة الفلسطينية في لندن، أعلنت فيه نيتها "تصحيح الأخطاء واحترام حق التعبير"، وأعلنت تواصلها مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين لبحث ما وصفته بـ"خطاب الكراهية، والتحريض على العنف على المنصة، في ظل الأزمة الحالية".

لاحقاً، في التاسع عشر من مايو، أعلنت الشركة تأسيسها "مركز عمليات خاصة" على مدار اليوم للتعامل مع المحتوى المنشور على منصتها بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومعالجة أي أخطاء في ظل الصراع الدائر، بهدف "مراقبة الموقف عن كثب حتى نتمكن من إزالة المحتوى الذي ينتهك معايير مجتمعنا بشكل أسرع مع معالجة الأخطاء المحتملة في التطبيق"، على ما قالت مونيكا بيكرت، نائبة رئيس سياسة المحتوى في فيسبوك.

قبل ذلك الإعلان بيوم واحد، بدا لافتاً نجاح الحملة التي أطلقها المستخدمون العرب ضد الصفحة المريبة التي حملت اسم "Jerusalem Prayer Team"، حيث أغلقت إدارة فيسبوك الصفحة، في الثامن عشر من مايو الجاري، قبل 3 أيام فقط من تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، بعد 11 يوماً من قصف غزة.

10

وضع "فيسبوك" نفسه في مرمى نيران النقد، بمحاولات تقييده للمحتوى الداعم لفلسطين، في الوقت الذي لم يرسل فيه الموقع الشهير إشعارات "البقاء آمناً" –التي يتيحها في أماكن وقوع أزمات- لمستخدميه في غزة "لماذا لم يرسل فيسبوك إشعاراً إلى الشّعب الفلسطيني ليحدّد نفسه بأمان مثل أيّ حادث أو كارثة أُخرى؟"، على ما كتب، متسائلاً بتعجب، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في تدوينة على موقع "تويتر".

وضعت الحرب أوزارها، بعد أيام من العدوان على قطاع غزة. صعّدت فيها إسرائيل قصفها، استهدفت مباني وأبراج القطاع وبيته التحتية، اتسع حجم الدمار، وفقد 232 شخصاً حياتهم، بينهم 65 طفلاً، و39 سيدة، و17 مسناً، شهداء ارتقوا في جولة جديدة من جولات الصمود والمقاومة، فيما لاقت القضية الفلسطينية دعماً غير محدود بامتداد العالم كله، صدم إسرائيل التي تلطخت سمعتها، ووجدت نفسها أمام إدانة لجرائمها من قبل مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان