لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فعلت بنا الحرب| عناق الأخوين في أولمبياد طوكيو.. والأم بتركيا.. والأب بسوريا

08:03 م الإثنين 02 أغسطس 2021

الشقيقان محمد وعلاء ماسو

كتب- محمود الشال:

وسط فعاليات حفل افتتاح أولمبياد طوكيو بالعاصمة اليابانية، وأثناء توافد الفرق الدولية داخل الملعب الأولمبي، التقى الشقيقان محمد وعلاء ماسو، بالأحضان بعد أن فرقتهما الحرب في سوريا عن عائلتهما قبل 6 سنوات، وتفرق الشقيقان عن بعضهما قبل 8 أشهر في أوروبا، بسبب تفشي وباء كورونا، فانضم علاء لاعبًا ضمن منتخب اللاجئين بألمانيا للمشاركة في البطولة العالمية، بينما شقيقه تمكن من الوصول إلى هولندا؛ ليمثل بلده سوريا في أولمبياد طوكيو، وعلى بعد أكثر من 8 آلاف كيلو متر؛ كانت والدتهما اعتدال وشقيقتهما علا يتابعان حفل الافتتاح في تركيا التي يعيشان فيها بعد هروبهما من الحرب في بلدهما منذ عام 2015، بينما الأب منعه مرضه من مغادرة سوريا.

قبل 6 أعوام بدأ "آل ماسو" في الفرار من جحيم الحرب في سوريا الواحد تلو الآخر، حيث استغل محمد مشاركته في إحدى البطولات في بيروت؛ ليسافر إلى تركيا، وهناك استقر مؤقتًا بمنزل خالته بمدينة البورصة التركية، بينما لم يستطع شقيقه علاء الحصول على تصريح سفر لمغادرة البلاد، فلجأ إلى الهروب من سوريا برًا، عبر حدودها الشمالية، بمساعدة والدته التي رتبت مع أبناء شقيقتها ليرافقهم علاء في رحلة الهروب إلى تركيا.

كانت الأجواء متوترة عام 2015 على الحدود نتيجة التدفق الهائل للنازحين إلى تركيا، ومنعت القوات التركية عبور الشاحنة التي يستقلها علاء وأبناء خالته، وأعادتهم إلى سوريا مرة أخرى، ورغم صعوبة القرار وافقت الأم على تكرار محاولة الهروب مرة ثانية؛ لأنها ترى أن حياة بعيدة أهون من أن يصبح أبناؤها وقودًا للحرب السورية، خاصة بعد اقتراب عمر ابنها محمد من التجنيد الإجباري آنذاك بعد تخرجه في الجامعة؛ لتوافق على تكرار المحاولة مرة ثانية: "لم يغمض لي جفن حتى أخبروني أن المحاولة الثانية نجحت".

صورة 1
السيدة اعتدال

في بيت الخالة، بمدينة بورصة التركية، لبث محمد وعلاء ليلة واحدة معًا، وفي صباح اليوم التالي، اتجهوا إلى مدينة أزمير الحدودية، حيث كان التهريب عبر البحر المتوسط في أوجه إلى الجزر اليونانية، ركب السباحان القارب المطاطي وانطلقوا إلى أوروبا، وهناك التقوا بابن خالتهما الذي سبقهما إلى أوروبا.

تقول السيدة اعتدال سأخبرك بشيء عن إحساس الأم: "استيقظت وأنا أكاد أختنق، وكأن حبلًا لف على رقبتي، سألتني علا ليش عم تبكي، أجبتها قاطعة: "علاء صاير معو شي هيك قلبي عم يقلي". ذهبت إلى شقيقتي الأخرى لأطمئن، الجميع يخبرني أن أبنائي بخير، لكن قلبي يؤكد لي عكس ذلك".

في تلك الأثناء فقد محمد شقيقه الأصغر في منطقة غابات على الحدود اليونانية، حيث اتجه خطأ مع مجموعة أخرى من اللاجئين، يحكى أنها كانت الفترة الأصعب في رحلته، ظل يبكي كالأطفال، فعلاء أمانة لديه، وصل إلى حدود سلوفينيا، ومع ابن خالته لم يتركوا شاحنة للاجئين إلا وفتشها بحثًا عن علاء، كل ذلك والهلع متصلٌ بين السيدة اعتدال في سوريا، ومحمد الذي رفض إكمال مسيرته، حتى خفق هاتف السيدة اعتدال يخبرها شقيقتها بأن قلبها كان محقًا، حيث وجد محمد شقيقه علاء أخيرًا في إحدى الشاحنات، وهما الآن يكملان رحلتهما إلى ألمانيا.

في ألمانيا احتجزتهم السلطات في مدرسة كبيرة؛ لإتمام إجراءات أمنية، وبعدها اتجه الشقيقان إلى هولندا، وفي اليوم التالي عاد محمد لممارسة تمارينه الرياضة وسط تعجب الجميع بعد رحلة شاقة، يقول: "كان لا بد من تعويض فترة الانقطاع أثناء الحرب والعبور إلى أوروبا"، تشجع المحيطون لحماسه، ووفروا للشقيقين مسابح للتدريب، وجمعوا تبرعات؛ لتوفير دراجة بالمواصفات العالمية لمحمد، صاحب المركز الأول للبطولة الأولى الترايثلون (السباحة – ركوب الدراجات – العدو)، في سوريا، والحاصل على أول فضية لسوريا في بطولة آسيا، يتذكر محمد نجاحه في رفع علم بلاده قبل أن تجبره الحرب على المغادرة.

صورة 2محمد وعلاء في كنيسة هولندية


ومن بين ما يقرب من 7 ملايين سوري في أنحاء العالم، غير حب الرياضة حياة محمد وعلاء ماسو، من لاجئين في الشتات إلى بطلين أولمبيين يخطفان أنظار العالم، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى في هولندا، تنقل محمد في اثني عشر مكانًا مختلفًا. وفي مركز طالبي اللجوء في إنشيده، بدوا مندهشين عندما ارتدى حذاءه للركض، بينما كان اللاجئون الآخرون يرقدون في الفراش منهكين، بينما انتهى الأمر مع شقيقه بعائلة حاضنة في زاندفورت، اتضح فيما بعد أن الأسرة كانت تحاول الاستفادة ماليًا من مأوى الصبيين السوريين. وفي ربيع 2016 تواصل الأخوان مع باتريك كينجما، عضو مجلس إدارة جمعية الترايثلون الهولندية، والذي قرر مساعدته؛ لتحقيق حلمه الأولمبي، ومشاركته في استخدام دراجته وحذائه وملابسه الرياضية، وبعد تسعة أشهر تقريبًا من وجودهما في هولندا فوجئ برفض طلب اللجوء: "هذا يعني أننا لن نرى والدينا لسنوات على الأقل، لم أجرؤ على إخبارهما".

فيديو تدريب محمد في هولندا مع كينجما

عاد علاء إلى ألمانيا لإنهاء بعض الإجراءات، ولم يتمكن من العودة بسبب الإغلاق العام الذي فرضه تفشي وباء كورونا في أوروبا، هو السبب الذي منع الأم وابنتها من اللحاق بأبنائها ضمن مبادرة ما يعرف بـ"لم الشمل" للأسرة التي تفرقت قبل 6 سنوات.

دائمًا يجرف الحنين السيدة اعتدال إلى الماضي، وطفولة أبنائها قبل زمن الحرب، وأحلام إعداد أبطالٍ رياضيين يرفعون علم بلادهم، حيث كانت تواظب على اصطحاب طفليها للمسبح، ومراقبتهما في التمرين، ومتابعة برنامجيهما الغذائي الذي يفرضه حبهما للسباحة، واصطحابهما إلى البطولات في دمشق، أثناء انشغال والدهما مدرب السباحة الذي يعود إليه الفضل، ولم يتمكن من الهروب معهم بسبب ظروف مرضه.

قبل أن يخيم ظلام الحرب بدأ علاء تدريبه في عمر الثلاث سنوات على يد والده، وحمل الرقم السوري لفئة الأشبال مسافة 50 مترًا، بينما بدأ محمد تدريبه في عمر الست سنوات، والتحق بالمنتخب السوري في العاشرة من عمره.

صورة 3علاء ماسو

"أصابتني القنابل اليدوية، وحاصرتني من كل الاتجاهات" يتذكر محمد حينما كان يتدرب في أحد أيامه الأخيرة في سوريا، حينما حاصرته القذائف واختبأ في خندق، وهي مرة ضمن خمس مرات نجا فيها من الموت، مرة أخرى حينما رغب في رؤية والده بعد عام من دراسته الجامعية في اللاذقية، وحاصره الرصاص من كل الاتجاهات أثناء انتقاله إلى حلب، في تبادل لإطلاق بين داعش وقوات الأسد، ليختبئ في مدينة مهجورة هرب جميع سكانها يقول: "كنت خائفًا جدًا ولن أنسى ذلك اليوم، اختبأت أربع ساعات في انتظار التهدئة".

يقول علاء إن أسوأ ما واجهه على الإطلاق هو لحظة وداع والدته على الحدود السورية، لكنه رغم أوضاع اللاجئين، عمل بجهد؛ لتحقيق حلمه الأولمبي، يتدرب مرتين في اليوم، حتى أتاح له الاتحاد الألماني للسباحة المشاركة في التصفيات المؤهلة لأولمبياد طوكيو رفقة مواطنته السباحة الأولمبية يسرى مالديني، والتي كانت قد نصحته بتقديم طلب للالتحاق بفريق اللاجئين للجنة الأولمبية الألمانية: "إعلان اسمي ضمن المشاركين في الأولمبياد كان أسعد لحظة في حياتي.. أنا الآن أشارك باسم جميع اللاجئين في العالم"، يقول علاء.



(صورة 4)علاء ماسو في طوكيو

وفي عام 2017، كان الحزن الأكبر للأسرة المشتتة بين 4 دول؛ حينما اختطف الارهابيون أخًا غير شقيق لمحمد وعلاء من زواج سابق لوالده، وقتلوه بعد عجز الأسرة عن دفع الفدية التي طلبها الإرهابيون مقابل إطلاق سراحه، يقول محمد: "لم أسمع والدي يبكي من قبل لكن ألم الخسارة عميق، لدرجة أنني لا أجرؤ على ذكرها".

يعيش محمد حاليًا في هولندا، تحتضنه أسرة فينسينت مورز (52 عامًا)؛ ليصبح العضو الرابع في الأبناء، إلى جانب بنتين وولد، لكنه ابن من طراز أولمبي، لديه في الطابق العلوي غرفة نومه الخاصة، ويفتخر به جميع سكان مدينة ليمون التي تقع في بلدية كاستركوم، لم تنقطع تدريباته منذ قدومه يقول: "أسبح بشكل شبه يومي مسافة 4.5 كيلومترات والجري 16 كيلومترا"؛ للحفاظ على حلمه الذي كاد يفقده عند مغادرة سوريا، يقول: "جئت من لا شيء، وفقدت كل شيء وأنا الآن في طوكيو، أعلم أنهم فخورون بي، تمامًا مثل والدي، أنا ممتن لهم".

إعداد بطل أولمبي في الترايثلون يحتاج مليون دولار سنويا: "أنافس رياضيين يقف خلفهم دولهم ومدربوهم، لكن أنا أصفق بيد واحدة"، يقول محمد الذي وصل إلى طوكيو بعد كفاح استمر لثلاث سنوات، لكنه سعيد بأن له جمهورًا من ألمانيا وهولندا إلى جانب الجمهور العربي، ويشارك في الأولمبياد ببدلة تزين بألوان العلم السوري.


استعداد محمد للأولمبياد

كان عام 2020 مخيبًا لشقيقه علاء المقيم في ألمانيا، توقفت الحياة بفعل كورونا، ولم يستطع علاء أن يغادرها، وكاد مشواره للأولمبياد يتوقف بعد مسيرة ناجحة، حيث حصل على المركز الأول عام 2019 في بطولة نيدرزاكسن في السباحة الحرة، واليوم هو المصنف رقم 16 في ترتيب السباحين في ألمانيا.

(صورة 5)علاء ماسو في ألمانيا

خطف الشقيقان محمد وعلاء ماسو، أنظار العالم في حفل افتتاح أولمبياد طوكيو، حينما التقيا، في صورة تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، لمحمد الذي يلعب تحت علم الدولة السورية، وعلاء الشقيق الأصغر الذي يلعب تحت راية منتخب اللاجئين، حيث تصادف احتفال محمد بعيد ميلاده الـ(28) يوم الافتتاح، بعد رحلة هروب صعبة بدأت قبل ثماني سنوات، من دمار الحرب السورية، تاركين خلفهم أهليهم وأصدقاء الطفولة وحلم رفع راية العلم السوري أبطالًا رياضيين، عمل والدهما مدرب السباحة على إعدادهما له منذ الصغر.

يقول محمد ماسو إن الصورة لم يكن مرتب لها على الإطلاق، ولم يكن يعلم إذا كان جدول الألعاب الأولمبية يسمح له بلقاء شقيقه أم لا، خاصة وأن ترتيبات حفل دخول البعثات الأولمبية ملعب الافتتاح بمواعيد دقيقة للغاية، لكن المدة القصيرة بين دخول البعثة السورية ومنتخب اللاجئين، مكنه أخيرًا من رؤية شقيقه، لكنه في الوقت ذاته أبدى انزعاجه الشديد من الاستغلال السياسي للصورة، قائلا: "يجب أن تبقى في إطارها الرياضي والإنساني بما تحمله من عواطف".

صورة 6الشقيقان محمد وعلاء ماسو في افتتاح طوكيو

"أطمح لأكون السباح الأول في ألمانيا"، لم يحقق علاء ميدالية أولمبية، لكنها المحطة التي غيرت حياته، وسيعمل للتركيز على الأخطاء والتطلع إلى الأفضل في المستقبل، بينما أنهى محمد منافساته في سباق الترايثلون فى المركز 47 من أصل 53 متسابقاً، بزمن قدره 1 ساعة و54 دقيقة و12 ثانية، لكنه سعيد بهذه النتيجة قائلا: "لم يكن من السهل تمثيل سوريا للمرة الثانية في تاريخها بعد 10 سنوات من الحرب"، إضافة إلى الخبرة التي اكتسبها والصورة الطيبة التي قدمها عن سوريا، أما السيدة اعتدال فتدرك حجم صعوبة التأهل والمنافسة في طوكيو، وترى أن مشاركة ابنيها الاثنين مدعاة كبيرة للفخر، وتمنى لهما مستقبلا يحمل كل الخير.

"ست سنوات ما شفت أولادي"، تقول السيدة اعتدال التي تستكمل ابنتها علا دراستها حاليًا في تركيا، ومنع المرض زوجها من اللحاق بهما، وبعد 16 محاولة فاشلة حاولت فيها الأم وابنتها دخول الأراضي اليونانية؛ ما زالت تنتظر فرصة؛ لتتمكن من لم شمل أسرتها في هولندا، كما خططت منذ 6 سنوات هربًا من حرب لم تضع أوزارها وإن هدأت نيرانها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان