صدفة الهروب من جحيم طالبان| أسرة أفغانية تغادر وطنها قبل وصول الحركة بـ3 أيام
كتبت- رنا الجميعي:
تصوير- روجيه أنيس
جرافيك- أحمد ياسين
غلاف- أحمد مولا
يتنفّس الفنان "محسن تاشِه" الصّعداء، فهو الآن يستقرّ في مارسيليا بفرنسا بعدما أكله القلق في أفغانستان سنين طويلة، يشعر مُحسن أنه أخيرًا نجا بنفسه بعد أعوام شعر فيها بالخطر والنبذ والقهر، على العكس منه كانت زوجته المصورة "زهرة خُودادادي" تتنفس حنينًا تجاه الوطن.
منذ ثلاثة أشهر بدأ الجميع في أفغانستان في الحديث عن طالبان، كان الكُل مُتفقًّا على عودتهم. يقول محسن في مقابلة عبر تطبيق "زووم" مع مصراوي، ومنذ ذلك الوقت شعر محسن وزهرة المُنتميان لأقلية الهزارة الشيعية أن عليهما مُغادرة أفغانستان "كُنّا على وعي بما يحدث حولنا، ومتأكدين من عودة طالبان". اشترك مُحسن كفنان قبل ذلك في متحف "mucem"- أحد المتاحف الكُبرى بمارسيليا- خلال عام 2019، لذا كان الزوجان ضمن الفنانين الذين جاءتهم دعوة للإقامة في مارسيليا، وبالفعل حدث ذلك، حصل محسن وزهرة على الفيزا، وخلال الأشهر الماضية جهّزا أغراضهما، أخذا أدواتهم الفنية وكُتبهما، ووصلا باريس في 12 أغسطس الماضي.
خلال الأشهر الماضية كان الناس في أفغانستان يسيرون في طُرق يملؤها القلق، التوتر حلّ مكان الهواء "الجميع كان قلقَا، خاصة الفنانين والنشطاء السياسيين والكتاب، وقد كنا نتوقع عودة طالبان في شهر سبتمبر"، لكن الحركة المتشددة عادت في 15 أغسطس، أي بعد رحيل محسن وزهرة بثلاثة أيام فقط.
وصل محسن وزهرة إلى باريس في 12 أغسطس، حلّت الابتسامة على مُحيّاهما بعد قلق الشهور الماضية، قضيا ليلتين في باريس، ثُم وصلا إلى مارسيليا في 14 أغسطس، وفي اليوم التالي استيقظا على الصاعقة، فقد عادت طالبان، وفي لحظات انقلب الهُدوء الذي لفّهما "صحيح كنا في مارسيليا، لكن عقلنا وبالنا كان هناك في أفغانستان، كنا نُفكّر في عائلاتنا وأصحابنا".
ظلّ محسن وزهرة على اتصال بأحبابهما، حاول الاثنان مساعدة عائلاتهما للخروج من أفغانستان، وبالفعل تمكنت عائلة محسن من الرحيل، لكن ظلّت أسرة الزوجة إلى الآن عالقة في العاصمة كابل، انخلع قلب زهرة على أفراد عائلتها التي تحاول جاهدة إخراجهم من هناك، فوالدها ناشط اجتماعي، وأخوها يعمل أيضًا كمصور، وكان أول ما فعلته أسرة زهرة هو إحراق كل الأوراق والوثائق، حتى بطاقة تحقيق الشخصية، فيما اجتمعت العائلة كُلها تحت سقف واحد منذ عودة طالبان حتى يشعروا بالأمان "لا أملك لهم الآن سوى الدعاء"، تقول زهرة بابتسامة حزينة.
انقلبت الحياة تمامًا بعودة طالبان، خلال العشرين سنة الماضية كان الجميع ينضمّ لطريق التغيير، كما يذكر محسن، صحيح أن أفغانستان كانت مُحتلة من قِبل أمريكا، لكن لم يحُل ذلك دون وجود نسمات التغيير "كانت الحياة تمضي قُدمًا بعد انتهاء حكم طالبان في 2001"، حيث تولت الحركة المتشددة السلطة عام 1996، وخلال تلك الفترة لاقى الشعب الأفغاني تضييقًا شديدًا من قِبل طالبان التي تفرض نمطًا متشددًا على المواطنين، ومع مُغادرتهم السلطة حاول الجميع الاستمرار "خلال السنوات الماضية كان الجيل الجديد يُقاوم، من صحفيين ونشطاء وفنانين، كان يحدونا الأمل ونحاول بشدّة، لكن كل شيء عاد لنقطة الصفر مرة أخرى".
منذ أن نما وعي مُحسن على الحياة وهو يشعر بأنه غير مقبول في أفغانستان، فبجانب وُجود صراع حقيقي داخل وطنه "هناك صراع دومًا بين الحكومة وطالبان، وبين أمريكا وطالبان"، لكن هُناك طبقات أخرى من الصراع أساسها هو اختلاف الأعراق داخل أفغانستان، حيث ينتمي مُحسن وزهرة إلى جماعة الهزارة التي تُمثل حوالي 20% من سكان أفغانستان، وتتبع المذهب الشيعي، كما أنها تتعرض للقمع والاضطهاد، لذا يشعر محسن على الدوام بالنبذ والخطر، وهو ما تعرّض له بالفعل من قبل "نحن الهزارة أكثر من شعر بالخطر في أفغانستان من عودة طالبان".
كان أول موقف حقيقي يتعرض فيه محسن للتمييز العنصري عام 2012، حينها كان ضمن مجموعة من الفنانين الذين يعرضون أعمالهم داخل المتحف الوطني في كابل، يحكي محسن أن مدير المتحف تحدّث إليه بشكل سيئ جدًا بسبب كونه مُنتميًا إلى الهزارة، حتى إنه قام بطرده ومنعه من الاشتراك في المعرض. لم يكن ذلك الموقف أخطر ما يتعرض إليه جماعة الهزارة في أفغانستان "هذا مجرد مثال بسيط عما تواجهه جماعتي"، فالقدر كان رحيمًا كفاية بمحسن فلم يكن عُرضة للقنابل، ويحكي محسن عن واحدة من حوادث التفجير التي حصلت من قبل للهزارة "في مايو 2021 تعرض اثنان من أصدقائي، رسامة ومخرجة سينما للقتل لأنهما كانا يعملان خارج المنزل".
لم يكن محسن وحده من يشعر بالخطر، كذلك كانت زهرة، ففي يونيو من عام 2016 شاركت في إحدى المظاهرات لجماعتها مُطالبين بخط كهرباء جديد، وقد حالف زهرة الحظ إن جاز القول، فقد غادرت قبل التفجير بالأحزمة الناسفة بخمس دقائق، وقد راح ضحية الحادث الذي أعلنت داعش مسئوليتها عنه 80 قتيلًا و230 مصابًا.
يعتبر الفن المجال الذي انغمس فيه محسن وزهرة حتى رأسيهما، ومن خلاله يقوم الاثنان بمُحاولات التغيير في المجتمع الأفغاني، حيث يهتم محسن منذ 2013 بالرسم، كما أنه درس الفن في باكستان، وتعمل زهرة كمصورة فوتوغرافية وفنانة ومصممة جرافيك، ويتضّح من أعمالهما ارتباطهما بمجتمعهما وانشغالهما بالقضايا المجتمعية والسياسية، واحدة من المشروعات التي عكفت زهرة عليه باسم عائلات أفغانية، عبّرت من خلاله عن التنوع بين الأسر الأفغانية، كما امتلك محسن العديد من الأعمال الفنية، واحدة من تلك السلاسل كانت رسومات كُلها باللون الأحمر، مُعبرًا بها عن ألم جماعة الهزارة والقهر الذي تتعرض له الأقلية.
لا تعلم زهرة ومحسن ما الخطوة القادمة، حاليًا يعيش الاثنان اللحظة، يُركزان على الحاضر، مُحاولين ألا يستغرقا في التفكير بالمستقبل "لا نعلم أي شيء بخصوص المستقبل"، وكل ما تُدركه زهرة في تلك اللحظة هو الدعوة المُقدمة لهما من فرنسا والمعرض القادم لديها في مارسيليا "كل ما نعرفه أننا آمنون هنا".
صحيح أنهما يُحاولان عدم التفكير كثيرًا، لكن يفشلان أحيانًا في ذلك، لدى محسن أحاسيس متباينة، حيث يشعر دومًا بعدم القبول "أعرف دومًا أني لن أكون مقبولًا من الآخرين"، وفي نفس الوقت يُدرك تمامًا أنه آمن هنا في فرنسا رغم عدم إحساسه بالانتماء إليها "وبجانب الشعور بالأمان فأنا هنا أستطيع أن أعبر عن نفسي بخلاف ما كنت عليه في أفغانستان"، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأمل يُخايله في مستقبل أفضل.
كما أن محسن ربما يكون تجاوز شعور الصدمة المُصاحب لعودة طالبان، فرغم العودة إلى نقطة الصفر كما وصف قبل ذلك "هذا هو الواقع الآن، نحن فنانون وعلينا الاستمرار في المقاومة في أي مكان كنا فيه، لابد أن نُكمل معركتنا ضد الظلم".
كذلك تشعر زهرة بالأمان، إلا أن ذلك الشعور يخفُت بجانب أحاسيس تستغرق فيها تمامًا، تتمنى المصورة الفوتوغرافية العودة لوطنها وللمشروعات الفنية التي تركتها وراءها "إذا لم ترجع طالبان لم أكن لأغادر بلدي أبدًا"، كما تفتقد زهرة السير في شوارع مسقط رأسها، مدينة باميان- إحدى أجمل المدن الأفغانية، كما يأخذها الحنين للتصوير في شوارع كابل "كذلك أفتقد الجلوس مع أصدقائي في المقهى".
فيديو قد يعجبك: