عراقي يعيد بناء مدينته المحررة من داعش "بالكتب" (صور)
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
-
عرض 15 صورة
كتبت-إشراق أحمد:
ما حيلة المضطر؟ وماذا يفعل النازح عن بيت وحي سكنه منذ الميلاد؟. تأمل كاميران كامل الخيمة التي لا تقي من حر أغسطس، لا شيء حوله سوى الحزن والموت. أراد الشاب العراقي الهروب، سحب كتابًا من مجموعة اصطحبها معه، غاص في القراءة لعله ينسى الواقع المرير؛ فإذا به يفعل. وجد كاميران حيلته وقرر أن يحارب مساويء الحرب والتطرف بمكتبة لا تفارقه.
في الثالث من أغسطس 2014، وقع المصاب؛ سيطر تنظيم داعش الإرهابي على قضاء سنجار –شمال غرب العراق. عتمة حلت بالمنطقة ذات الأغلبية الإيزيدية. لم تتردد أسرة كاميران وعزمت الرحيل من حي بربروش لمصير غير معلوم.
كان كاميران قد انهى دراسته الثانوية وتقدم للالتحاق بجامعة الموصل، لكن المدينة سقطت في يد داعش قبل نحو شهرين من السيطرة على منطقته. طوى الشاب خبر قبوله في كلية العلوم، قسم علوم الحياة وغادر. انقطعت السبل بينه واستكمال التعليم، يبدو أن القدر أراد له تعلم الحياة على نحو آخر.
أكثر من 350 ألف عراقي (أغلبهم من الإيزيديين) نزحوا من قضاء سنجار إلى مخيمات في شمال العراق، وفق آخر تقرير للأمم المتحدة، أغسطس 2020.
قويت علاقة كاميران بالقراءة بعد النزوح "كنت أملك مجموعة من الكتب كان لها تأثير على نفسيي رغم أني كنت أعيش أسوأ أيام حياتي". الساعات تمر ثقيلة، أمضاها الشاب بلا عمل سوى الاطلاع خاصة الفلسفة وتحديدًا مؤلفات غوستاف لوبون "حولت خيمتي إلى شبه مكتبة". نحو 100 كتابًا أصبحت ملاذًا له ولأهل المخيم، يستعيرونها مجانًا لسنوات.
لمس ابن مدينة سنجار كيف تجاوز أثر فعله حدود خيمته، زاد يقينه بأن ثمة وسيلة لزرع حياة في قلب الموت، وتمنى لو أصبحت له مكتبة في مدينته المهجورة، وخاض في التمني بعدما دخلت قوات البشمركة الكردية وأعلنت تحرير سنجار من قبضة داعش في نوفمبر 2015، حينها بدأ العراقيون في الرجوع لديارهم.
لم ير كاميران أمامه سوى العودة، ألا يبرح حلمه حتى يبلغه "رغبت في إعادة الحياة لمدينتي المنكوبة. كل إنسان يحاول إعادة الروح للبلاد بطريقة ما وأنا اخترت الكتب". حمل الشاب حقيبته وكتبه دون أن يلتفت، ترك عائلته في المخيم، مطلع عام 2018 على أمل اللقاء القريب.
في سنجار، كان الدمار يحيط بكل ركن، ونال منزل كاميران نصيبه من الضُر، لكن لا وجهة للشاب غيره. سكن الشاب منزله المهجور، لأشهر عاش بظروف عصيبة "الخوف وأنا اسكن وحدي ببيت مهجور وحي أكتر من نصفه مهدوم. اتنقل مشيًا على الأقدام بين أزقة المدينة وأتنقل بين أكتر من محافظة برحلة لجمع الكتب من أجل المكتبة".
كانت الحياة استمرارًا لجحيم لم يغادره طيلة أعوام، لكن لا بديل عن الصبر "كنت الأمل الوحيد للكثير ومنهم عائلتي". أن تملك فكرة مشروع ولا رأس مال لك "هذا انتحار حقيقي" كما يصف كاميران، إلا أنه مع كل يوم يتمسك فيه بحلمه، يزيد المحيطون به يقينًا فيما يعمل؛ رجعت أسرة الشاب إلى سنجار بعد 9 أشهر من فراقه من أجل مساندته، وأعطاه صديق له 20 دولار ليبدأ مكتبته على أمل استعادتها حينما تتيسر الأمور.
على مائدة خشبية، أمام منزله المدمر، وضع كاميران مجموعة من الكتب استطاع الحصول عليها، انضم له عدد من الأصدقاء، وقف الجميع بين الركام يدعون العائدين لحي بربروش إلى القراءة.
لا شيء يتمناه كاميران سوى حياة آمنة، لذا لم يجد أفضل من اسم "أورشينا" والذي يعني أرض السلام باللغة السيريانية ليعبر عن حلمه لمدينته، ويؤمن الشاب أن بالعلم وحده يواجه التطرف، فجعل لمكتبته شعار يتنقل به أينما ذهب "عندما تقل القراءة يزداد إطلاق الرصاص".
يومًا تلو الآخر ويحاول صاحب الخامسة والعشرين ربيعًا نشر الكتب في سنجار، لا يهتم بالجلوس على رصيف مفترشًا الكتب، يقدمها للبيع وللاستعارة أيضًا بلا مقابل، يرى الشاب أن مهمته تعويض المدينة عما فقدته "بعد دخول داعش انهدمت الثقة والتعايش والسلام والثقافة"، يعلم ما ذاقه أهل المكان من قتل وسبي وذبح، فليس هو عن ذلك ببعيد لكونه من الإيزيديين، لذا يجد أن إنشاء مكتبة في ظل هذه الظروف ضرورة ملحة معتبرًا "بناء الإنسان قبل المكان".
استمر كاميران في العمل على فكرته، تحدى الصعاب، حتى وجد فرصة للدعم في مشروع يتبع معهد جوته الألماني "سبوت لايت العراقي". ذاع بعدها صيت الشاب الإيزيدي، وأصبح يتلقى عروض من خارج العراق للتبرع بالكتب والأموال، يذكر من بينها دار صفصافة المصرية.
أصبحت "أورشينا" قبلة العديد، وتوسع الشاب العراقي لإقامة نشاطات ثقافية في مختلف أحياء قضاء سنجار حتى باتت الساعة الخامسة من كل جمعة معروفة بميعاد "رصيف سنجار الثقافي".
شعر كاميران أنه على مشارف بلوغ ما عاد لسنجار من أجله، وفي أكتوبر 2020 كان على موعد مع تحقيق حلمه. أصبح لأورشينا مقرًا لإقامتها، شارك الشاب في بنائه بساعديه، وأخذ يوثق كل لحظة؛ وضع حجر الأساس، بدء البناء، اكتمال الجدران والأسقف، كأنما مولوده يكبر أمامه ولا يريد أن يفلت أوقاته معه.
عصر الحادي عشر من نوفمبر 2020، أصبحت أورشيا جاهزة لاستقبال القراء. من كتب يضمها ركن في خيمة إلى 5 آلاف كتابًا متنوع اللغات مرصوصة على رفوف المكتبة الوحيدة في قضاء سنجار منذ نحو 30 عامًا كما يقول الشاب العراقي لمصراوي.
رغم افتتاح مقر لأورشينا، لكن كاميران يواصل جولات الأرصفة، يعتبرها دعمًا للثقافة، وفي أوقات أخرى وسيلة للمساعدة؛ في الجمعة 10 سبتمبر الماضي، حمل الشاب مكتبته، على أن يكون الربح من أجل إجراء عملية جراحية لصديق له، أصيب في تظاهرات أكتوبر 2019 التي خرجت احتجاجًا على الأوضاع، يقول ابن سنجار "من واجب الإنسانية نقف مع بعضنا البعض مثلما هم وقفوا معي بداية المكتبة".
كاميران واحد من بين نحو 100 ألف إيزيديًا عادوا إلى سنجار بعد خروج داعش حسب الأمم المتحدة. وضع الشاب العراقي بصمته وسط لخراب والركام، يمتن لما بلغه اليوم، مازال يحلم بمدينته وهي حقًا "أورشينا" –أرض السلام- لا يعلم لأي مدى سيكون سببًا في هذا "قد افشل أو انجح. المهم أني حاولت وبالأخير ما يبقى للإنسان غير الذكر الطيب".
فيديو قد يعجبك: