لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعد عودة طالبان.. لماذا تسيطر "نظرية المؤامرة" على العقل العربي؟

08:53 م الأربعاء 08 سبتمبر 2021

حركة طالبان في أفغانستان


كتبت – آمال سامي:

في عدة أسابيع، وبشكل سريع، استطاعت حركة طالبان السيطرة على أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأجنبية عنها بشكل نهائي، وعلى الرغم من التجهيزات الكبيرة للجيش الأفغاني إلا أن طالبان لم تواجه مقاومة تذكر، وهو ما دفع البعض إلى التفسير السريع للأحداث باعتبارها "مؤامرة" جديدة في المنطقة لإعادة طالبان وشبحها ولإضعاف الجيش الأفغاني، وهو ما يدفع للتساؤل لماذا يكون التفسير التآمري للأحداث دائمًا هو أول ما يظهر في المشهد العربي والإسلامي؟

"تكرار الخدع يجعل الناس تشك دائمًا في المؤامرة" هكذا يرى الدكتور جمال فرويز، أستشاري الطب النفسي، طبيعة الأمر، مشيرًا إلى أن هناك ترسيخ لشعور دائم أننا أقل من الآخرين "عندنا دايما إحساس إنهم ممكن يهزمونا ودائما بيلاعبونا وبيمشونا زي الماريونيت".
يضيف فرويز، إنه رغم ذلك لا ينفي تلاعب الغرب أحيانًا بمصائر الدول العربية: "مين اللي صدر المشاكل بين إيران والسعودية، مين صدر الخميني؟ مين عمل القاعدة وطالبان ومين أعاد طالبان لتسيطر على أفغانستان؟ المؤامرة موجودة لا يمكن إنكارها ولكن إحنا بنزود وبنبالغ في حجمهم وهما مش كده".

يعتبر فرويز إن الأمر لا يرتبط بالسياسة فحسب؛ الفريق المهزوم في كرة القدم مثلًا يلقي باللوم في هذه الحالة على الحكام والاتحاد، ومن يفشل يلقي باللوم على الحكومة أو الحاكم أو أمريكا وما تفعله وما تدبره، مضيفًا أنه من الخطأ إلقاء كل شيء على "المؤامرة" فيجب أن يبحث الفرد بداخله عما فعله من أخطاء وأسباب الفشل ولا يستسهل بالقول بأن الفشل محض مؤامرة.

يرجع الدكتور أحمد عبد الله، استشاري الطب النفسي، سبب شيوع التفسير التآمري للأحداث إلى "غياب الشفافية والمعلومات السليمة" وكذلك عدم التعامل بشكل علمي مع القضايا والظواهر التي تحدث، وضرب مثالًا على ذلك بجائحة كورونا فهي ليست "سحرًا" على حد تعبيره، بل هو فيروس يمكن دراسته، واستطرد عبد الله أن الأم والأب لا يبحثان عن الأسس العلمية لتربية أبناءهما، وحتى في علاقة الرجل بالمرأة لا يبحثان عن الأسس السليمة لإدارة حياتهما بشكل صحي: "روح العلم مش موجودة وبالتالي عندما يغيب العلم تظهر أشياء أخرى؛ خرافات ونظريات وهمية.. ضلالات هلاوس".
ويؤكد عبد الله أنه لا يتهم العرب بالجهل ولكن بالاستخدام الأمثل للمعلومات ومدى عرضها "ممكن يبقى في مصريين مثلا عندهم معلومات كبيرة عن أفغانستان لكن لا يتم الاستعانة بهم في المعرفة".

يدلل عبد الله على حديثه بأنه عقب أحداث 11 سبتمبر بدأ ظهور قوي لكلمة "إسلام"، مما دفع الأمريكان إلى اقتناء كتبًا كثيرة حول ديننا، فالكتب هي وسيلة المعرفة هناك، ولكن هذه الطريقة ليست السائدة لدى العرب والمسلمين، وضرب عبد الله مثالًا على غياب التفكير العلمي من موقف شخصي تعرض له، إذ كان يعرف المفكر الإسلامي جمال البنا رحمه الله بشكل شخصي وكان يقدره، وحضر حفل عيد ميلاده وقام بمشاركة الصورة حينها عبر الفيسبوك ليفاجأ بسيل من التعليقات السلبية التي تهاجمه لأنه أخذ صورة معه ووصفوا البنا بالمنحرف وغيرها من الصفات السلبية، فدعا عبد الله من هاجمه للنقاش حول أفكاره إن كان أحدهم قد قرأ كتابًا من كتبه، "مفيش ولا واحد من الـ 200 اللي علقوا قرأ كتاب واحد له".

يُرجع الدكتور محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، نظرية المؤامرة لزمن أبعد من عصرنا الحالي؛ مؤكدا أنها نظرية مسيطرة على العقل العربي، فأي تغيير يحدث في العالم العربي أو الإسلامي يترجم في عقولنا بأن ثمة أصابع خارجية تقف وراءه، وأن مجددًا يظهر على مسرح العمل السياسي لابد وأن هناك من يدعمه لغرض يضر بمصالح البلاد.

"في عالم السياسة دائما ما توجد أطراف خارجية فهذا أمر لا خلاف عليه" يقول خليل موضحًا أنه من الطبيعي أن يكون أي حدث يقع في أي دولة من الدول؛ عرضة لتدخل أجهزة ودول العالم الخارجية، وذلك لأن مصالح الدول المختلفة متشابكة، ويرى خليل أن ما حدث في أفغانستان مؤخرًا هو نموذج تطبيقي وبيان حالة على التعاطي التآمري للتحول الذي حدث هناك رغم أن هذا التحول، حسبما يرى خليل، كان متوقعًا، فمنذ شهرين أو ما يزيد كانت هناك اتفاقية تم إبرامها ما بين الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وجماعة طالبان وحضور ممثلين من حكومة أشرف غني، رئيس افغانستان من ناحية أخرى تقضي بانسحاب القوات الأمريكية خلال 14 شهر من تاريخ توقيع تلك الاتفاقية.

وكانت الولايات المتحدة تخاطب حركة طالبان فيها باعتبارها الحاكم الطبيعي لأفغانستان، وكان جزء من الاتفاق ألا تتحرك طالبان على الأرض إلا بعد الانسحاب الكامل، لكن، يقول خليل، ضربت طالبان بهذا الكلام عرض الحائط وتحركت مباشرة للسيطرة على الأراضي التي انسحبت منها القوات الأمريكية، واستولت على الأسلحة التي تركها الأمريكان في بعض المواقع، وقامت الحركة بتفكيك القواعد العسكرية الأمريكية التي تم بناءها في العشرين عامًا الأخيرة.

يقول خليل إن المشهد في أفغانستان يجب أن يقرأ بواقعية، فأفغانستان ملتقى مصالح ومن الطبيعي جدًا أن تتصارع مجموعة من الأطراف الخارجية عليها: "في الأول وفي الآخر المسألة تمت بناء على اتفاقية، ومنطقة افغانستان منطقة محورية، فهي تتشارك حدوديًا مع إيران والصين وباكستان وروسيا، فمن المؤكد أن هناك أطراف مختلفة كثيرة يجب أن تضع أيديها هناك.. دي مسألة طبيعية".

لكن أن يقال هذه مؤامرة وإنهم يعيدون هيكلة وبناء خرائط الدول العربية والإسلامية وغير ذلك، فهو كلام غير منطقي في رأي خليل لأنه لا توجد أدلة عليه على الإطلاق، فيرى على سبيل المثال أن ما حدث من ثورات الربيع العربي لم تكن فوضى بناءة وإنما كانت أحداث مبررة موضوعيًا، فما جرى له أسبابه الموضوعية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا.
"نظرية المؤامرة هي حالة عرضية عموما، فهي موجودة في كل زمان ومكان، وهي جزء من الاسباب وليست كل الأسباب" يقول خليل مؤكدًا أنها لا تصلح لتفسير الأحداث المعقدة كالتي تحدث في أفغانستان، فطالبان ليست أول مرة تحكم، فهي حكمت قبل ذلك من 1996 إلى عام 2001 ثم أطيح بها، ثم واصلت الحرب ضد الأمريكان، ثم بدأت تسيطر على بعض الأماكن.

"إحنا بنحاول ندور على شماعات لخيبتنا" يقول خليل أن نظرية المؤامرة نوع من أنواع الاختزال والاستسهال في تفسير ظواهر سياسية معقدة ولها أسبابها الموضوعية من داخل المجتمعات، مؤكدًا "لا تستطيع أي قوة خارجية أن تنال من دولة أو من مجتمع إذا لم ينل هو من نفسه، وهو ما يسهل تدخل الأطراف الخارجية".

وتقول إيناس لطفي، استشاري الصحة النفسية والإرشاد النفسي، أن استدعاء المؤامرة من أخطاء التفكير، إذ يقفز بصاحبه إلى استنتاجات "وكأنه مطلع على الغيب"، وتتسائل "لماذا لا ننتظر ونتابع بهدوء.. ولكن هل تثبتنا من ما يجري؟ هل أخضعنا التجربة للدراسة والتشخيص والخروج بنتائج؟".

الأمر الآخر الذي تشير إليه إيناس هو رفض البعض من داخله نجاح تجربة الآخر حتى لا يُلام هو على الفشل في تجربته، وتتحول إليه أصابع الاتهام والتقصير، إذ يعد نجاح الآخرين دليل على تقصيره وفشله، "مش عيب إني أفشل واتعلم من فشلي".. وترى إيناس أيضًا أن افتقادنا للشفافية في العلاقات وفي الإدارة بالعالم العربي سبب أيضًا للإسراع بتفسير المؤامرة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان