إعلان

مُترجم رواية الغريب للعامية: قرأتها لأول مرة وأنا أترجم.. والمصرية هي اللغة التي أفكر وأحلم بها

05:05 م الأحد 06 فبراير 2022

هكتور فهمي في معرض الكتاب

حوار-رنا الجميعي:

قبل انطلاق معرض القاهرة للكتاب بأسابيع قليلة حدث جدل أدبي انتشر كالنار في الهشيم على موقع فيسبوك، فمنذ اللحظة الأولى التي انتشر فيها غلاف رواية الغريب لألبير كامو عن دار هُن، خاصة مع وجود كلمة بـ"اللغة المصرية" على الغلاف، وقد أشعلت جدلًا كبيرًا بين فريقي اللغة العربية والعامية، انقسمت الآراء بين من يرونه تهديدًا على اللغة العربية، وآخرون احتفوا بتجربة الترجمة إلى العامية.

في هذا الحوار مع مترجم رواية الغريب، هكتور فهمي، نحاول معرفة كواليس الترجمة، ولماذا اختار رواية الغريب بالتحديد، وعن رأيه في أن المصرية لغة وليست لهجة، وإلى نص الحوار..

ماذا كانت ردود الفعل حول ترجمتك التي تلقيتها خلال معرض الكتاب؟

حتى الآن لم يقرأها أحد كاملة، لكن بعض الناس قرأوا أجزاءً منها وكان رد فعلهم إيجابيًا، طبعًا من يتواصلون معي هم الذين لديهم استعداد للتجريب، ومنهم مكالمة لقارئة مصرية تعمل في مجال الثقافة بأمريكا، أبلغتني أنها كانت تكره كامو، ولكنها اقتربت من عالمه عن طريق ترجمتي.

هذه هي تجربتك الثانية في الترجمة للعامية بعد رواية الأمير الصغير، لماذا اخترت رواية الغريب بالتحديد؟

في إحدى الجلسات مع صاحب دار هن، الأستاذ رجائي موسى، حكيت له عن رغبتي في خوض تجربة الترجمة للعامية ثانية بعد نجاح الأمير الصغير "قولتله عايز أعمل حاجة بتقول إني قادر أترجم عمل كلاسيكي للمصرية"، ولا يكون مُوّجه للأطفال مثلما كانت الأمير الصغير، وقتها طرح عليّ موسى عدة اختيارات كانت من بينها رواية "حول العالم في 80 يوم" للكاتب الفرنسي جول فيرن، ورواية الغريب لألبير كامو، وشعرت أن رواية الغريب اختيار لا يقاوم.

أخبرنا عن كواليس ترجمة رواية الغريب.

دائمًا ما أستعين بجانب الرواية بلغتها الأصلية، بترجمتين إلى اللغة الإنجليزية "وفي الآخر بستقر على واحدة فيهم"، وبالإضافة إلى ذلك ثلاث ترجمات للغة العربية "وأشوف ازاي المترجمين اشتغلوا عليها وكل مدرسة للترجمة عاملة ازاي"، وإذا ما احتاجت للتأكد من جمل بعينها أستشير أصدقائي الفرنسيين.

وقد بدأت في ترجمة رواية الغريب في نوفمبر 2019 وانتهيت منها في منتصف عام 2020، وبعد ذلك بدأت مرحلة مراجعة المسودة.

لديك الآن تجربتين في الترجمة للعامية، أخبرنا عن الفوارق بين التجربتين.

كان الأمر مُختلفًا حين ترجمت الأمير الصغير، أولًا أنا درستها في صغري، بالتالي ترجمتها لم تكن شاقة عليّ، وهي رواية للأطفال لذا اعتمدت ترجمتها للمصرية بشكل مُبسّط جدًا، كذلك كنت مُتحمس للتجربة الأولى بشدّة، ولم أكن مُلمًا بعد بخبايا وكواليس الترجمة "عشان كدا في نفس الوقت اللي كان فيه سعادة، كان فيه توهان".

الأمر كان مُختلفًا في ترجمة رواية الغريب، فتلك كانت المرة الأولى على الإطلاق التي أقرأها فيها، فمُعظم قراءاتي بعيدة عن الأدب، كما أن رواية الغريب هي رواية كلاسيكية ولها بعد فلسفي وعبثي، بالتالي اعتمدت في ترجمتها على استخدام مستوى أعلى من المصرية.

نننن

وما أكبر التحديات التي قابلتك خلال ترجمة الرواية؟

تأثّرت بثقل الرواية وكآبتها خاصة في الفصل الأول، وذلك الفصل بالتحديد كانت ترجمته صعبة لثقله وللتفاصيل الكثيرة التي تصل أحيانًا حد الملل "وازاي كامو قدر يصورلنا احساس الموت بالرتم البطيء ده"، وأُصبت باكتئاب بسبب العزلة التي أجبرنا عليها لانتشار فيروس كورونا.

أيضًا واجهتني صعوبة بسبب أسلوب الكتابة الخاص بكامو، لأنه يستخدم أسلوب كتابة به جمل تنقطع أحيانًا، وأحيانًا أخرى تكون الجمل طويلة جدًا، بالإضافة إلى ذلك واجهت صعوبة في الجزء الخاص بالمحاكمة، لأنه مهم أوضح الفصاحة التي يتحدث بها وكيل النيابة، مقارنة بضعف لغة المحامي "ده خلاني أستخدم مستويين من المصرية".

بدأت الترجمة للعامية المصرية عام 2018 مع رواية الأمير الصغير، لماذا لم تترجم إلى اللغة العربية الفصحى؟

المصرية هي اللغة التي أحلم وأفكر بها، وأرى أنه من حقي أترجم بها، منذ صغري وأنا لا أحب اللغة العربية، وحاولت الترجمة بها قبل ذلك لكن دومًا ما كنت أشعر أنها تُبعدني عن النص الأصلي، وكان أسهل بالنسبة لي قراءة النصوص بالإنجليزية أو الفرنسية عن قراءتها بالعربية.

هل هناك لحظة مُعينة دفعتك للترجمة إلى "العامية" تحديدًا في عام 2018؟

لا، لا توجد لحظة بعينها دفعتني لذلك، لكن بحُكم طبيعة عملي في فرنسا أعمل دائمًا مع أجانب من جنسيات مُختلفة، وكنت دومًا ما أقوم بالترجمة بينهم "لحد في يوم من الأيام قولت ليه لا مترجمش بالمصري؟"، ويُمكن ما حفزني على ذلك القرار هو عثوري بالصدفة على موقع إلكتروني يُترجم مقالات من العربية إلى المصرية، أعجبت بالفكرة جدًا، وشعرت بالحماس لإتخاذ قرار الترجمة إلى المصرية.

كُتب على غلاف رواية الغريب أنها بـ"اللغة المصرية"، لماذا ترى "المصرية" لغة وليست لهجة؟

أرى أن اللغة المصرية مُختلفة عن اللغة العربية، فالمصرية لها قواعد وتراكيب مختلفة عن اللغة العربية، مثلًا الجُملة في اللغة المصرية تبدأ بالاسم وليس الفعل، وتلك القواعد تُدرّس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، كذلك يُدرّسها أساتذة في الخارج لتعليم الأجانب اللغة المصرية، ولكن يجهلها الكثير من الناس ولأن كثيرين أيضًا يتصدّون للغة المصرية.

وأودّ أن أوضح أيضًا أن اللغة المصرية مستويات؛ هناك المستوى الفصيح منها، وهو ما يتحدث به الأكاديميون والمسئولين، والعامي وهي لغة الناس في الشارع، فمثلًا يُمكن أن أقول تلك الجملة بثلاث مستويات، "من فضلك اديني القلم دي تركيبة جملة فصيحة، وما تجيب القلم ده يا أسطى دي تركيبة جملة عامية".

رئيسية

ما تقوله غريب بعض الشيء على الآذان، واستهجنه الكثير حتى أنهم اعتبروه تهديدًا للغة العربية؟

ما أقوله قتله علماء اللغويات بحثًا في الخارج، فمثلًا هناك نظرية الازدواجية اللغوية التي قال بها شارل فيرجسون عام 1959، وأكدّت على تلك النظرية دكتورة مديحة دوس أستاذة اللغويات، لكن لازلنا نجهل ذلك الحديث ونعتبره غريب علينا، واللغة العربية مثل أي لغة أخذت من اللغات القديمة وفُرضت بالقوة "ولو بكرة الصبح صحينا قررنا إن المصرية تبقى لغة هيحصل عادي"، والمصرية كذلك هي خليط من عدة لغات من بينها المصري القديم والعربية.

لا توجد مراجع عديدة في الترجمة إلى العامية، فبماذا تستعين في عملية الترجمة؟

لدي بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة والمعرفة أستشيرهم، لديّ صديقة تُعلّم الأجانب اللغة المصرية "لما كنت بقف في جملة أو عايز أتأكد من حاجة بتساعدني في المراجعة"، وكما أحب أن أؤكد أن ما أفعله من ترجمة للعامية يُعتبر حديث لذا يُساعدني إحساسي الشخصي باللغة "في الأساس التجربة والخطأ هو اللي بيفيد، وده اللي ينقصنا في اللغة المصرية هو وجود قواعد مكتوبة"، فمثلًا واجهتني مُشكلة في قواعد الإملاء "هل الأفضل أكتب كلمة "أوي" بحرف القاف أم الألف؟، وحسيت إنها أفضل بحرف الألف".

وبشكل عام قرأت دراسات حرة كثيرة عن اللغة، وأجريت مناقشات مع دارسي اللغويات، منهم دكتورة صديقة في جامعة فرنسية وكانت صديقة لدكتورة مديحة دوس عليها رحمة الله، وبالمناسبة لدى دكتورة مديحة كتاب اسمه "العامية المصرية المكتوبة"، وكانت ستضم رواية الأمير الصغير لكتابها في طبعته الجديدة، لكن توفاها الله قبل ذلك.

كتبت على غلاف رواية الأمير الصغير بـ"اللهجة المصرية"، ولم تقل "اللغة المصرية" كما فعلت في رواية الغريب، فلماذا؟

ضاحكًا: "كنت عايز أكتب عليها بردو اللغة المصرية، لكن كانت أول تجربة ليا ونصحني أصدقاء إنه بلاش أعمل كدا، فوافقت على مضض"، لكن في رواية الغريب اقترح عليّ أستاذ رجائي بكتابة "اللغة المصرية" على الغلاف، ولم أتخيل أنها ستواجه بكل ذلك الجدل.

وأخيرًا ما الذي ترغب في إيصاله للقراء عبر ترجمتك للعامية؟

كل ما أريده كمترجم هو تسهيل الرواية على القراء، وأن تصل بشكل أسهل بالنسبة لهم، وبالطبع مهتم بتوصيل مستويات مختلفة من جماليات اللغة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان