في عيد ميلاده الـ36| شيكابالا.. "أسمر اللون يا لالالي" (بروفايل)
صورة رئيسية- حسام دياب:
كتب- محمد زكريا:
(1)
الهاتف يرن، يرد شيكابالا، اللهجة مميزة، يعرفها جيدًا، صوت أسواني، محمد منير! يتلعثم اللاعب لثوانٍ، ولا غرابة في الأمر، لم يكن أكمل 18 عامًا، عندما حدثه مُطربه المفضل، الشهير؛ ليُثني على أدائه في الملعب، ويربت على كتفيه قبل مشقة الرحلة، "قالي إحنا معاك وفي ضهرك وأي حاجة أنت عايزها في مصر أنا موجود" حكى "الأسمر" ذلك في برنامج تليفزيوني مبتسمًا، ليتألق شيكابالا مباراة تلو الأخرى مع نادي الزمالك، يحرز أهدافًا مميزة بيسراه، ومعها يرقص أمام جماهير متعصبة على صوت النوبي الهرِم.
(2)
"أه يا أسمراني اللون.. حبيبي الأسمراني
يا عيوني ناسياكي عيون.. حبيبي الأسمراني
تحت الرمش عتاب وحنين وعذاب وعيون ما تنام
دقت معاك طعم الأيام.. والوقت تغيب يا سلام
جوني.. سألوني.. جوبتهم عني دموع عيني
علشانك أمشيها بلاد.. حبيبي يا أسمراني
من غير ولا ميه ولا زاد.. حبيبي يا أسمراني
ياللي عيونك شمعة وضحكة وبحر ونسمة صيف
أنت رسيت وأنا وسط الشوق حيران من غير مجاديف
جوني.. سألوني.. جوبتهم عني دموع عيني"
الشاعر: عبدالرحمن الأبنودي
(3)
في محافظة أسوان، وُلِد محمود عبدالرازق (شيكابالا)، يوم 5 مارس 1985، لأسرة متواضعة الحال، بمدينة تحمل اسم المحافظة نفسها، وما عانته من تهميش وبطالة، على مدار عقود طويلة، أسرة طيبة، كبسمة أهل المحافظة البعيدة عن العاصمة، عصبية، كروح الصعيد الحار، الجاف، أحب شيكابالا الكرة كأي ولد في عمره، أجادها، دون أن يلفت ذلك نظر أسرته، في ظروف كتلك لا شيء يفوق البحث عن لقمة عيش، لكن كنهر أسوان "سهران يوشوش ناي.. والحلم رايح جاي"، لمعت أضواء العاصمة بعين ابن النيل، ليلتحق في البداية بمركز شباب الحصايا بأسوان، ويلفت بموهبته نظر زملائه، جيرانه، مدربي الكرة بين محافظات لفّ شوارعها يردد "ولسه بيجرى ويعافر، ولسه عيونه بتسافر، ولسه قلبه لم يتعب من المشاوير"، حتى أوصلته أغنيته، وهو بعمر 10 سنوات، إلى "مدرسة الموهوبين" بالقاهرة، كان الأسواني الوحيد الناجح في اختباراتها؛ ليستقر به الحال في العاصمة معدمًا، وحيدًا، غريبًا، ترمقه الأعين باستعلاء، بينما هو يرفع أصابعه الثلاثة، يُحرك رأسه كـ"الكينج"؛ ليُغني.
(4)
"لفو بينا.. قالو لينا.. قالوا بينا على المدينة
لما جينا والتقينا.. كل شيء فيها ناسينا
القلق جوه العيون.. وشها له ألف لون
حزنها غير حزننا
منها.. وإحنا لوحدنا
يا مدينة فيكي ماشي.. قلبي قمرايه بشواشي
مهما تعصري قلبنا.. مش هيكدب صدقنا
في المدينة هنا"
الشاعر: عبدالرحيم منصور
(5)
بدا للجميع أن للطفل موهبتهُ الاستثنائية؛ ليدخل الزمالك والأهلي سباقًا محمومًا على ضمه، لكن "الأسمر" ذو قلب أبيض، "البيت كله عندي زملكاوية.. أبويا الله يرحمه، كان زملكاوي متعصب، لدرجة إن ممكن يكسر التليفزيون في الماتشات" حكى شيكابالا ذلك في برنامج تليفزيوني، ليختار الزمالك، ويتدرج بفرق ناشئيه، وتعرف الفرق باسمه: "فرقة شيكابالا"، حتى انضم إلى منتخب مصر للشباب، قدم أداءً مميزًا؛ ليكون على موعد مع الأضواء والشهرة.
في إحدى مبارياته مع المنتخب، لفت شيكابالا نظر مدرب الفريق الأول بنادي الزمالك، وكان برازيلي الجنسية، "قالهم ده لاعب كويس، قالولوا ده من الزمالك، فقالهم هاتولي الولد ده يتمرن معايا" حكى شيكابالا ذلك، فيما لم يكن أكمل 16 عامًا، عندما وجد اتصالًا من إداري الفريق "قالولي تيجي تدرب مع الدرجة الأولى"، اعتقد ابن أسوان أن هذا مزاح، لم يحضر؛ ليأتيه مرسال آخر "لما روحت النادي.. بعتولي حد يقولي أنت بكره عندك تمرين مع الدرجة الأولى"؛ ليحضر في الموعد المُحدد "كان ساعتها الزمالك فيه أسماء الواحد يخاف يعدي من جنبهم، روحت أوضة اللبس قعدت في ركن مبتكلمش مع حد خالص"، ليخوض التمرين مع نجوم الزمالك، ويختاره البرازيلي ضمن قائمته لمباراة كأس مصر "ده كان أول ماتش لي مع الفريق الأول، وكانت النتيجة صفر/ صفر لحد آخر دقيقتين في الماتش، فجبت جون الفوز".
بعد انتهاء المباراة، كان على شيكابالا الخلود إلى النوم، أمر طبيعي! حمل شنطته على كتفه، واتجه في طريق العودة إلى سكنه، غرف المغتربين بداخل نادي الزمالك، لكن على بوابته لم يسمح له بالدخول "المشرف مكنش عايز يطلعني السكن، وهو عارف إني كنت بلعب ماتش مع الفريق الأول، قلت هروح فين أنا بقى كده؟! فلقيت إن مفيش حل غير إني أكلم حد من الإدارة، لحد ما وافق يطلعني لسريري"، رغم ذلك، كانت ليلة لا تُنسى، بدا لـ"شيكا" أن نجمه يسطع في سماء الكرة المصرية، فانتشى يُغني.
(6)
"أه يا لالي.. يا لالي.. يا لالي
يا أبو العيون السود يا خلي
أه يا لالي يا لالي يا لالي.. خليك على كيفك تملى
يا عيني.. يا لالالي.. يا روحي.. يا لالالي.. يا سيدي.. يا لالالى
أول دخولنا الجنينة.. عيط الياسمين يا لالالي
والسيسبان اشتكى الورد.. قال ده مين يا لالالي
قال العنب افتحوا.. دا العاشق المسكين.. يا لالالي
يا عيني يا لالالي.. يا روحي يا لالالي.. يا سيدي يا لالالي"
الشاعر: حافظ الصادق
(7)
في عام 2002/ 2003، حصد شيكابالا مع الزمالك بطولة دوري أبطال أفريقيا والدوري العام، ليأتي له فرصة الاحتراف في أوروبا "المدرب الأجنبي بتاع الزمالك هو اللي جابلي العرض اليوناني، وقالي أنت مينفعش تكمل هنا"؛ ليخوض التجربة ويحقق نجاحًا في بلاد الإغريق، لكن التزامه بالتجنيد الإجباري في مصر، فوت عليه فرصة استكمال مشوار الاحتراف، "كنت راجع مصر في إجازة، وقالولي مش هتعرف تسافر تاني" حكى ذلك بلسانه، ليرتمي في أحضان الزمالك، انتظم بصفوفه، في وقت بدا أن شمس البطولات تغيب عن الفريق الأبيض، بالتزامن مع بلوغ لاعبيه أراذل العمر الكروي، اعتزل "مدحت عبدالهادي، بشير التابعي، تامر عبدالحميد، وحازم إمام"؛ ليُرمى على عاتق ابن أسوان مسؤولية إسعاد الجماهير، كان تحديًا مثيرًا جدًا لمن في مثل عمره، لكن كان صعبًا بنفس القدر لشاب لا يطيق التقيد، ولا يتحمل عقله وقلبه الضغوط.
سنوات عجاف، عرفها الزمالك في تلك الفترة، تخبط إداري، غياب للفوز والألقاب، انطفأ النادي من النجوم، لكن بدا للجماهير أن "الأباتشي" وحده يكفي، يحمل شيكابالا هذا التتويج على رأسه، لكن يَشعُر أنه ظلمه "أنا اتحطيت في حتة مكنش ينفع أتحط فيها في السن الصغير ده"؛ ليظهر لاعبًا مستهترًا، لا يُعتمد عليه، لكن بالتأكيد يتحمل جزءًا من المسؤولية، لم يعرْ شيكابالا الانضباط اهتمامًا، تمرد على القواعد، وامتثل لهواه، لكن امتثاله للجمهور، لم يتزحزح قيد أنملة، راح يجمع الأموال من زملائه في الملعب؛ لتمويل "دخلة الماتشات"، رغم المنع أحيانًا، اتخذ مواقف الجماهير، بكى الأهلاوية في "مجزرة بورسعيد"، وتبرع لضحاياهم، وحمل رواية الزمالكاوية، في وقت سنت سكاكين لذبحهم، بأعقاب "مذبحة الدفاع الجوي"، حيث عبّر في تدوينة علنية أن الـ22 مشجعًا راحوا ضحية لـ"تذكرة"، فراح يتقدم الصفوف في عزائهم، مواقف يحفظها الجماهير عن ظهر قلب، لكن تكلف صاحبها الكثير والكثير، فـ"لا أدوار بلا أثمان" والتعبير للكاتب الصحفي عبدالله السناوي.
دفع شيكابالا أثمانًا، كانت خلفيته سلاحًا مسنونًا دائمًا، يشكه به كل من أحب وجعه، عُير بكفاحه، سبّ في المدرجات بلونه، بفقره الأول، لدرجة أن ذكّره رئيس الزمالك في يوم من الأيام بـ"النومة على الأرض في النادي"، وعدم قدرته على إطعام نفسه، يتذكر شيكابالا ذلك ويسامح، يُغني.
(8)
"دول عايروني وقالولي.. يا أسمر اللون يا لالالي
صحيح أنا أسمر.. وكل البيض يحبوني يا لالالي
يا عود قرنفل ما بين الفل.. حطوني يا لالالي
يا عيني يا لالالي.. يا روحي يا لالالي.. يا سيدي يا لالالي"
الشاعر: حافظ الصادق
(9)
يتزوج شيكابالا من مصرية كندية، وينشر صورة مع زوجته ونجله آدم؛ ليستقبل سيلاً من تعليقات عنصرية بغيضة، تسخر من لونه، وتشكك في نسبه لابنه، وصف الناقد الرياضي حسن المستكاوي ما تعرض له اللاعب في مداخلة لإحدى الفضائيات بـ"عنصرية لا مثيل لها"، مستنكرًا التجاهل الإعلامي لسلوك يصفه بـ"خطير"، فيما اعتبر الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز أنها عنصرية "تدق ناقوس الخطر، وتستدعى ردًا حازمًا، يجب ألا يتوقف عند حدود إظهار الغضب أو إبداء الدعم والتعاطف"، فيما تعتبرها الأمم المتحدة "مذهبًا خاطئًا علميًا، ومشجوبًا أدبيًا وظالمًا وخطرًا اجتماعيًا، وبأنه لا يوجد أي مبرر نظري أو عملي للتمييز العنصري في أي مكان".
أما شيكابالا يُغني.
(10)
"ساح يا بداح
ساح يا بداح.. يا سؤال جراح
ما الذي كان.. وماعدش وراح
قمر انطفى.. وانكفى.. واختفى
نهر ما بلش حتى الريق
وآه يا براح
آه يا براح.. عمال بيضيق"
الشاعرة: كوثر مصطفى
فيديو قد يعجبك: