في ذكرى وفاته.. ثلاثية الحب والانتظار واليأس بين مصطفى صادق الرافعي ومي زيادة
كتبت- هبة خميس:
يحل اليوم الذكرى الخامسة والثمانون على وفاة الأديب والمفكر "مصطفى صادق الرافعي" وهو الأديب الذي ترك الكثير للأدب العربي وهو الشاعر الذي كان قاضياً شرعياً في إحدى أقاليم مصر وكان رئيساً لمحمكمة طنطا الشرعية لسنوات. ومن أشهر كتاباته "وحي القلم" ، "ديوان الرافعي" ،"النظرات" ،"إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" وثلاثية الرسائل التي نحدد بصدد الحديث عنها في ذكرى وفاته وهم "رسائل الأحزان" و"السحاب الأحمر" و"أوان الورد".
"هي رسائل الأحزان لا لأنها من الحزن جاءت ولكن لأنها إلى الحزن انتهت، ثم لأنها من لسان كان سلماً يترجم عن قلب كان حرباً، ليس بيني وبين الهوى شأن ولا عداوة ولكنها تركت في ثلاثاً : قلب أخلص لها وأوغرته عليها، وبقايا آلام كأنها أشلاء من فريسة تشير إلى تاريخ من الموت ، وتركت مع اهذين اسسمها الذي أحفظها فيه بجملتها".
الكتب الثلاث التي كتبها "الرافعي" بعد وقوعه في حب "مي زيادة" التي كان حريصاً على القدوم لصالونها بالقاهرة بشكل أسبوعي رغم أنه يعاني من ضعف السمع ولا يفسر ما يسمعه ورغم فارق السن بينهما إلا أن الأديب الراحل تخيل قصة حب كاملة بينه وبين "زيادة" للدرجة التي جعلته يخرج بالكتب التي تعتبر من أروع ما كتب في الحب والرسائل.
في كتابة الأول "رسائل الأحزان" المكون من مجموعة من الرسائل أفردها الراحل لمحبوبته "زيادة" والتي لم يرسلها بالكامل لها بل كان حريصاً على إمداد صديقه الشاعر "محمود أبو رية" بها.
والكتاب يغلب عليه الطابع الفلسفي عن الحب والجمال وكيف يتغزل العاشق في جمال محبوبته يمثل حالة استثنائية ومختلفة عن الأنماط الثابتة لتلك المرحلة من الأدب العربي.
"ان تلك الفتاة لتغضب الملائكة الذين لا يغضبون، وقد خلق النساء لامتحان جنون الرجال وخلفقل الرجال لامتحان عقول النساء؛ وخلقت هي وحدها لجلب الجنون لا لامتحانه".
ظل الرافعي مواظباً على حضور صالون "زيادة" الأدبي ولم يهمه وقوع العقاد في حبها وطه حسين وتجاهلها التام له حيث كانت بدأت الوقوع في قصة حبها لـ"جبران خليل جبران" ، وحينما صدر كتاب "رسائل الأحزان" للرافعي أنكرت "زيادة" العلاقة بينهما وتجاهلتها لكنه أهداها "زجاجة عطر" وأفرد فيها قصيدة بعنوان "زجاجة عطر" لتنكرها "زيادة" ويصدر بعدها "الرافعي" كتابه "السحاب الأحمر" والذي يمثل مرحلة مهمة في قصة حبه لـ"زيادة".
"وترقرق السحاب فإذا هو كنضج الدم، وإذا هو يفور فوره؛ يتدفق من طعنة لا إرى دمها وا أرى موضعها، لان هذا الشلال الأحمر يتفجر منها.
ورأيتها هي طالعة كالشمس حين تغرب محمرة يتغالب طرفا الليل والنهار عليها؛ ففيها أواخر النوروأوائل الظلمة، وسوادها يمشي في بياضها".
في الجزء الثاني من ثلاثية الرافعي عن حبه ل"زيادة" يبدو الحزن من الابتلاء بالحب ويبدو الألم واضحاً في الكتاب فيتحدث عن الطيش والألم في الحب ويفرد فصولاً كاملة عن شقائه وافتقاده الأمل في وصل محبوبته التي يلوح ببدابة كراهية لها لكنها كراهية يكذبها ثانية.
"يخيل إلى أن عقل بعض النساء مثل وجوههن المزورة: تحته ما تحته وليس عليه إلا غباراً من العقل!"
"ألا يا ماء البحر/ ما انت على أرض من الملح؛ فبماذا أصبحت زعافاً لا تحلو ولا تساغ ولا تشرب؟ إنك لست على أرض من الملح، ولكنك يا ماء البحر ذابت فيك الحكمة الملحة!".
في الكتاب الثالث "أوراق الورد" نجد خفوت وهدوء في قصة الحب تلك فلم يعد الرافعي بمفص الغضب والألم السابق لكن الرسائل تبدو كأنها وداعاً.
يتكون الكتاب من عدة رسائل وخواطر عن الحب ويشبه محبوبته بأوراق الورد التي بها من الجمال ما يكفي لإغواءه، كما يصف حبه الوجداني لمحبوبته الذي يثق في منطقيته.
وبالكتاب أدرج "الرافعي" واقعة زجاجة العطر التي تجاهلتها محبوبته فعاد ليكتب قصيدة عنها.
"إنها الحبيبة يا زجاجة العطر! وما انت كسواك من كل زجاجة ملئت سائلاً، ولا هي كسواها من كل امرأة ملئت حساناً، وأنت سبيكة عطر. كل موضع منك يأرج ويتوهج، وهي سبيكة جمال، كل موضع فيها يستبي ويتصبى؟
وما ظهرت معانيك إلا أفعمت الهواء من حولك بالشذا، ولا ظهرت معانيها إلا أفعمت القلوب من حولها بالحب".
غير أن قصة الحب تلك انتهت بقطيعة كبيرة فالرافعي حينما علم بقصة حب "زيادة" لـ"جبران خليل جبران" أفرد مقالات لمهاجمة الأدباء الشوام ليعادي "جبران خليل جبران" بسبب قصة الحب عابرة القارات بينه وبين "زيادة"، لتنتهي قصة حبه لها ويتوفى الرافعي عام 1937 عن عمر يناهز السابعة والخمسون تاركاً لنا إرثاً لا ينقطع من الكتب التي بني عليها الأدب العربي وعلامات مازلنا نتوقف عندها حتى الآن.
فيديو قد يعجبك: