لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

زيادة 10 أضعاف| رحلة "صالح" مع سجائر كليوباترا في عقدين.. أزمات وبدائل تنتهي بالعودة إليها

05:30 م الثلاثاء 06 سبتمبر 2022

كتب- محمود عبدالرحمن:

صباح الأحد الماضي، تأَفَّف صالح محمد بسبب طلب صاحب كشك البقالة جنيهين إضافيين، أثناء دفع ثمن علبة سجائر كليوباترا بوكس، التي اعتاد شرائها بـ 20 جنيها منذ منتصف العام الماضي، "الأسعار كل شوية عمالة تزيد بشكل غير طبيعي"، يقول رب الأسرة الذي يعتبر تدخين السجائر أحد طقوسه اليومية على مدار 20 عاما.

ففي عام 2002، بدأ صالح تدخين السجائر بطريقة منتظمة -سبقتها فترة لم تتجاوز العام كان يدخن فيها على فترات متقطعة- اشترى وقتها أول عبلة سجائر كليوباترا بأقل من جنيهن "كان سعر العلبة 175 قرشا"، خلال تجربته كمدخن على مدار عقدين زادت السجائر أكثر من 10 أضعاف ثمنها، ففي عقده الأول كمدخن كان تأثير زيادة أسعار السجائر عليه ماديا محدود "كان دخلي المادي كويس وبحوش منه"، حيث لم يتجاوز سعر علبة سجائره 4 جنيهات حتى نهاية عام 2010.

وفي عام 2011، أصبح صالح رب أسرة، ولديه التزامات مالية إضافية، ومن وقتها أصبح زيادة سعر السجائر يمثل عبا ماليا عليه، خاصة أن الزيادات التي شهدتها علبة سجائر التي يشتريها منذ ذلك الحين كانت مبالغ فيها بالنسبة لصالح، حيث تجاوزت نصف ثمنها في زيادة واحدة بنهاية عام2011، لتباع بـ 6.50 جنيه، وتزامن ذلك مع ارتفاع مماثل لتكاليف المعيشة.

تعتبر السجائر النوع الأكثر شيوعًا بين المدخنين للتبغ في العالم، ويصنف التبغ كأحد أكبر التهديدات الصحية التي شهدها العالم على مرّ التاريخ؛ فكل عام يؤدي بحياة 8 ملايين نسمة، من بينهم 1.2 مليون وفاة في أوساط من يتعرضون لدخانه دون إرادتهم، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية

صالح محمد الذي يعمل في شركة خاصة بالمنطقة الصناعية بمدنية 6 أكتوبر، حاول البحث عن بديل أوفر مع الزيادة التي حدثت في عام 2015، حيث فرضت زيادة ضريبة 50% من سعر البيع للمستهلك، بالإضافة إلى 175 قرشا، لكل علبة لا يزيد سعر بيعها على 9 جنيهات، تطبيقا لصدور قانون 58 لسنة 2014.

صالح رب الأسرة المكونة من 4 أفراد، لم يتجاوز راتبه وقتها 3 آلاف جنيه؛ هي دخل أسرته الوحيد في عام 2015، ليلجأ إلى تجربة تدخين السجائر المهربة أو ما تعرف في الأسواق الشعبية بالمستوردة، وهذه الأنواع مجهول المصدر والاسم وفقا لأحد باعة السجائر، وكانت تباع بـ 3 و4 و5 جنيهات، يقول صالح: "قالت أدفع 5 جنيهات بدل 9"، تدريجا بدأت زيادة الأسعار تطال السجائر المهربة :"كل ما أشرب نوع وسعرها يغلي أجرب نوع تاني يكون أرخص"، لكنها تسبب له في مشاكل صحية كبيرة :"كنت بحس بصعوبة كبيرة في التنفس وضيق شديد في الصدر "، ليعود مجددا إلى سجائره القديمة "كليوباترا"، لكنها لم تكن كما كانت قبل أن يغيرها، ليستبدلها بسجائر كليوباترا بوكس، رغم ارتفاع سعرها إلى 12.50 جنيه، ومع ارتفاع سعرها مجددا وجد نفسه مجبرا على الإقلاع عن التدخين واستغلال الأموال التي يصرفها شهريا على احتياجات أسرته التي كانت تتزايد بالتوازي.

ارتفاع سعر التبغ بنسبة 10% يؤدي إلى انخفاض استهلاكه بنسبة 4% في البلدان المرتفعة الدخل، وترتفع النسبة إلى 5% في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، التي ترى ضرائب التبغ من أكثر الوسائل فعاليةً من حيث التكلفة للحدّ من تعاطيه، وخصوصاً بين الفئات ذات الدخل المنخفض مع زيادة الإيرادات في للبلد.

تعتبر مصر من أكثر دول العالم التي ينتشر فيها التدخين، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، حيث تستهلك مصر 4 مليارات علبة سجائر سنويا، بإجمالي 85 مليار سيجارة، وحققت الشرقية للدخان مبيعات قياسية في السجائر المحلية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة خلال عام 2020، حيث بلغت نحو 17.5 مليار سيجارة، بمعدل 200 مليون سيجارة يوميًا.

صالح محمد، الذي يعتبر واحد من الـ 25% من المصريين الذين يدخنون التبغ بأنواعه، لم يستطع أن يكون من بين نسبة الـ5% التي حددتها منظمة الصحة العالمية لمكافحة التدخين في الدول منخفضة الدخل، رغم ارتفاع الضرائب على السجائر في مصر، الذي انعكس على سعر بيعها للمستهلك، يقول: "حاولت كتير أبطل السجائر، لكن مش بقدر وبرجع ليها تاني".

تطالب منظمة الصحة العالمة أن تكون الزيادة في قيمة الضرائب مرتفعة بما يكفي حتى تصبح أسعار التبغ أعلى من مستوى نمو الدخل.

خلال عامي 18/2017، زادت السجائر عدة مرات، ليقرر صالح محمد استبدال السجائر بتدخين الشيشة، كمحاولة منه لتقليل التدخين، "الشيشة لازم تشربها في وقت معين غير السجائر متاحة معاك في أي وقت"، لكن الجلوس على المقهى مع موجات الغلاء التي تسبب فيها التضخم لم يقلل من إنفاقه على التدخين،"أقل حجر الشيشة دلوقتي بـ 7جنيهات في القهوة العادية"، وفي الغالب لا يكتفي صالح بحجر لواحد للشيشة أثناء جلسته على القهوة، "ممكن أشرب 3 في القعدة الواحدة"، لينتهي به الأمر بالعودة إلى سجائر كليوباترا بوكس مرة ثانية، باعتبارها أكثر مرونة، ولا تلزمه بالجلوس على المقهى، وتحمل مصروفات إضافية خاصة بالمشروبات وغيرها.

محاولة أخري، لجأ إليها صالح في أغسطس 2019، بعدما وصل سعر علبة سجائر كليوباترا بوكس إلى 18 جنيها، بسبب الزيادة الجديدة وقتها، ليقرر تجربة السجائر "اللف" بدلا من السجائر العادية، واقنع نفسه بأنها الحل الأمثل لتخفيف التدخين تدريجيا والإقلاع عنه نهائيا بعد فترة".

يبدي معظم متعاطي التبغ رغبة في الإقلاع عن التدخين، كلما أدركوا أخطار التبغ، لكن لا تتجاوز نسبة نحاج محاولات هؤلاء للإقلاع عن التبغ 4%، بحسب منظمة الصحة العالمية، التي توضح أن دعم المتخصصين والأدوية المساعدة على الإقلاع، يزيد من فرصة نجاح الذين يحاولون الإقلاع عن تعاطيه بأكثر من الضعف.

الشرقية للدخان "ايسترن كومبانى"، الشركة التي انتهت رحلة احتكارها لإنتاج السجائر في أواخر أغسطس الماضي، بعد سيطرتها على إنتاج السجائر على مدار الـ 100 عام الماضية، ليس المتحكم الوحيد في زيادة أسعار السجائر، حيث يرجع مصدر بالشركة ارتفاع الأسعار إلى سببين: الأول ارتفاع تكاليف الإنتاج الذي يجبر الشركة على مواجهتها برفع سعر البيع للمستهلك، والثاني: ليس للشركة طرف فيها، هي الضرائب والرسوم التي تفرضها الدول سواء باعتبارها مصدر للدخل أو لدعم مكافحة التدخين، حيث تنفق الدولة نحو 3.2 مليار جنيه سنويًّا على علاج الأمراض المتعلقة باستهلاك التدخين.

لا يهتم صالح بمعرفة أسباب ارتفاع السجائر، سواء كان ارتفاعها بسبب زيادة تكاليف الإنتاج أو بسبب الضرائب والرسوم التي تفرضها الدولة، لكن يعتبرها في الحالتين عبء مالي عليه، حاول البحث عن بدائل تتماشى مع ميزانية وظروفه المالية لكنه لم ينجح، لكنه يتمنى حاليا الإقلاع عن السجائر نهائيا، خاصة مع معاناة من مشكلات صحية لم تكون موجودة قبل ذلك: "ربنا يقدرني وأبطل".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان