قبل العيد.. الحرب توقف رحلة الجمال من السودان إلى سوق برقاش
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
- مارينا ميلاد:
يتوسط "مصطفى" عشرات الإبل بسوق برقاش في محافظة الجيزة، مرتديا جلبابه الأبيض الواسع وممسكًا العصا الرفيعة المميزة لتاجر جِمال. يضع يديه على إحداها، ثم يقول: "كنت أتناول لحمها كل يوم تقريبًا، والآن بالكاد نأكل الدجاج".
لم يتوقع مصطفى الجمال (40 سنة) أن يأتي يوم لم يستطع فيه شراء لحوم الإبل التي يرعاها. لكن أجبره الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم بأنواعها المختلفة. في البداية كان ذلك جراء أزمة اقتصادية خلقتها الحرب الروسية الأوكرانية. ثم أتت حرب أخرى سودانية لتلقي بظلالها السيئة على أشهر وأقدم سوق لتجارة الجمال في مصر، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى.
فالسوق الواقع على مساحة خمسة وعشرين فدانًا تقريبًا، كان يستقبل شهريًا ما بين 12 ألفًا وحتى 15 ألف رأس من الجمال قادمة من السودان بعد أن تجتاز طرق قاحلة في الصّحراء لأيام قد تصل إلى 12 يومًا. ومنذ نحو شهر ونصف، توقفت تمامًا رحلة الجمال عبر الحدود، ليحل محلها آلاف النازحين بعد اندلاع المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
اقرأ: الطريق إلى المعبر.. أيام الهروب من حرب السودان
ادي ذلك إلى ارتفاع أخر بأسعار اللحوم الجملي في السوق نتيجة قلة المعروض، بحسب "مصطفى" الذي قضى أكثر من 27 سنة من عمره في هذه التجارة، "حين كان سعر الجمل بالكامل 120 جنيها"، هكذا يقول.
أما الآن، فوصل سعر الكيلو الواحد من اللحم الجملي إلى 270 جنيها والنوع الأقل أو كما يسمونه بـ"العجوز" إلى ـ250 جنيها، في حين كان سعره العام الماضي وحتى قبل الحرب السودانية بفترة قصيرة ما بين 100 – 120 جنيه.
وخلال عام ونصف؛ فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته أمام الدولار الأمريكي، ما أدى لارتفاع حاد في أسعار جميع السلع، وعلى رأسها اللحوم. فزاد سعر اللحوم والدواجن في شهر مارس فقط بنسبة 5.0% مقارنة بشهر فبراير، كما ارتفع معدل التضخم السنوي خلال مارس أيضًا إلى 33.9% مقابل 12.1% للشهر نفسه من العام السابق، حسبما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تلك المرحلة التي تعيشها اللحوم وعدم قدوم الجمال السودانية، لم يشهدها "مصطفى" طوال سنوات عمله في هذه التجارة التي ورثها عن والده وجدوده. إذ عايش حال السوق منذ ظهوره في إمبابة جوار بيتهم، ثم عندما انتقل إلى البراجيل، وأخيرًا في مستقره النهائي "قرية برقاش" عام 1995.
يقول "مصطفى": "كان الجزار في السابق ينهي بيع جمل بالكامل مع منتصف يومه، لكن الآن يتمنى لو باع ربعه، فاللحم صار للمقتدرين فقط".
قلت الكمية المطلوبة من الجزارين، لذا لم يشعر "مصطفى" وغيره من تجار السوق بعجز كبير جراء توقف تدفق الجمال السوادنية الآتية عبر حلايب وشلاتين، ومنها إلى محجر أبو سمبل.
فيعتمد هؤلاء حاليًا على الجمال "البلدي"، وهي سودانية الأصل، لكن حدث تغيير في طعامها بعد تربيتها في مصر.. فبدلا من إطعامها أعشابا، فتأكل (قشر فول، ذرة، برسيم)، حسبما يوضح "مصطفى"، الذي يعتبرها النوع الأفضل ويقدر متوسط المتاح لديهم بالسوق بـ700 جمل.
في الماضي، وتحديدًا في مثل هذه الأيام، لم يكن ممكنًا الاعتماد على هذا الرقم بأي حال من الأحوال. إذ يزداد طلب الجزارين والمواطنين على الجمال استعدادًا لعيد الأضحى، فيشتري الجزار نحو عشرة أو عشرين جملاً بسعر رخيص ليبيع ويذبح في العيد بسعر أعلى. لكن "البشائر" – كما يطلقون عليها – لا تبدو جيدة هذا الموسم.
يقول "مصطفى": "عادة ما تظهر البشائر قبل شهر أو شهر ونصف من العيد.. لكن حتى اللحظة لم يأتنا كم الحجوزات المعتادة للأضحية، ولم يشترِ الجزارون الجمال لتخزينها.. فأدركنا أن هذا الموسم سيكون مختلفًا".
يبدو هذا الأمر جليًا أمام محمد الوجيه (الجزار) عندما وقف في مزاد السوق الذي يقام أيام الجمعة والأحد. فاعتاد الرجل أن يرى أسبوعيا زخما وازدحاما وما بين 5 – 7 آلاف جمل جديد، لكن مرت أسابيع دون أن تطل رأس واحدة جديدة. فيقول: "نتواصل مع التجار هناك، لا أحد منهم يريد المغامرة وسط حرب وقطاع طرق يملأون الشوارع".
لم يكون السودان المصدر الوحيد لـ"مصطفى" و"محمد" رغم أنه الأقدم، إنما اعتمد السوق أيضًا على جمال آتية من الصومال أو اثيوبيا أو جيبوتي، لكنها استبعدت تدريجيًا بعد ارتفاع سعر الدولار.
وفي الأعوام الأخيرة، صارت لحوم الجمال السودانية الأكثر طلبًا من "محمد"، خاصة في موسم عيد الأضحى.
يرى ذلك بديهيًا مع ارتفاع أسعار العجول، ليصل سعر أقلهم هذه الأيام إلى 70 ألفا، في حين أن الجمال تبدأ أسعارها من 25 وحتى 110 آلاف.. كما يذهب في حديثه إلى طلبات أصحاب المطاعم والعربات التي تتركز فقط على اللحم الجملي لعمل السجق والحواوشي والبرجر وبيعها بسعر رخيص.
ولتلبية احتياجات هذا السوق الضخم للحم الجملي، بلغت واردات مصر من الجمال الحية 121 مليونا و274 ألف دولار خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2022، وفقا لما ذكره تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. لكن بمرور أكثر من شهر على الحرب الدائرة بالسودان، شهدت الأسواق نقصًا في اللحوم السودانية. ما دفع وزارة التموين والتجارة الداخلية، لتعلن اليوم، عن توفير 5 أطنان منها بـ72 محل جزارة بفروع شركة النيل للمجمعات الاستهلاكية، على أن تضاعف الكميات خلال الأيام المقبلة، استعداداً لاستقبال العيد.
رغم ذلك، لم يعد لدى "مصطفى الجمال" جمال يملكها. إنما بضعة رؤوس يرعاها ويبيعها بالوكالة عن أصحابها غير القادرين على إطعامها والتصرف فيها.
اعتقد "مصطفى" أن ذلك أقصىى ما يأخذه إليه الوضع الحالي. لكن باغتته حرب لم تكن في الحسبان، اعترضت طريق الجمال وطريق أشخاص مثله نحو النوع الأرخص من اللحوم في مصر. وربما المفارقة أن أحد أطرافها الرئيسين "محمد حمدان دقلو" (قائد قوات الدعم السريع) كان تاجرا للإبل يومًا ما ويؤمن وصول القوافل.
يفكر "مصطفى" في العيد الذي ينتظره كل عام مع أقرانه بسوق برقاش، لكن تبقى الصورة ضبابية تمامًا أمامه، فيقول: "لا أعرف ماذا سنفعل هذا العام؟".
اقرأ: بعد نشر مصراوي.. التموين توفر لحومًا سودانية بسعر 195 جنيهًا للكيلو
اقرأ: العيد في "المسافة صفر" بالسودان.. سكان الخرطوم بين الموت والجوع
فيديو قد يعجبك: