إعلان

ما حكم الشرع فيما يسمى بالعربون؟

05:39 م الأربعاء 07 أكتوبر 2015

ما حكم الشرع فيما يسمى بالعربون؟

أحد الأشخاص تعاقد مع آخر مالك لأرض على شراء قطعة أرض من ملكه للمباني ودفع عربونا مبلغا من النقود أثناء التوقيع على عقد الوعد بالبيع، ونص في العقد على دفع باقي الثمن على أقساط ثلاثة يحل أولها في آخر شهر يناير سنة 1980 والثاني في آخر فبراير سنة 1980 والثالث في آخر مارس سنة 1980 واتفقا على أن يطبق على مبلغ العربون قواعد القانون، إذا لم يقم المشتري بتسديد الأقساط في مواعيدها، ولما لم يف المشتري بالأقساط أنذره البائع بفسخ الوعد بالبيع فحضر وتسلم القسط الأول الذي كان قد سدده للمشتري، ورأى الحاضرون أنه غير محق في استرداد العربون؛ لإخلاله بشروط العقد، وقد انصرف المشتري معترفا بخطئه..

والسؤال: ما هو حكم الإسلام في العربون؟ وهل هو من حق البائع شرعا؟ وهل له أن يتبرع به في وجه من وجوه البر مثلا إذا لم يكن من حقه؟

يجيب الشيخ جاد الحق علي جاد الحق -شيخ الأزهر الأسبق-:

روى مالك في الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ((نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العربون))، ورواه أيضا أحمد والنسائي وأبو داود، ورواه الدارقطني، ورواه البيهقي موصولا، وقد فسر الإمام مالك العربون قال: ذلك فيما نعلم أن يشتري الرجل العبد أو يكتري الدابة ثم يقول: أعطيك دينارا على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك، وهذا الحديث قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا وهو يدل على تحريم البيع مع العربون؛ لما فيه من الشرط الفاسد والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، وقد نص على بطلان البيع مع العربون وعلى تحريمه فقهاء مذاهب الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي، وروي عن الإمام أحمد إجازته، قال الشوكاني في بيان علة تحريم العربون: إن البيع مع العربون اشتمل على شرطين فاسدين أحدهما: شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا بلا مقابل إن لم يتم العقد، والشرط الآخر: الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع، وأضاف الشوكاني أنه إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجح "1" الحظر؛ لما كان ذلك: ففي واقعة السؤال يكون استيلاء البائع على العربون غير جائز شرعا؛ لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع العربون، وإذا كان ذلك، فما طريق التصرف في مبلغ العربون الذي ظهر أنه من المحرمات؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسلم إذا أخذ مالا حراما كان عليه أن يصرفه إلى مالكه إن كان معروفا لديه، وعلى قيد الحياة أو إلى وارثه إن كان قد مات، وإن كان غائبا كان عليه انتظار حضوره وإيصاله إليه، مع زوائده ومنافعه، أما إن كان هذا المال الحرام لمالك غير معين ووقع اليأس من التعرف على ذاته ولا يدرى أمات عن وارث أم لا، كان على حائز هذا المال الحرام في هذه الحال التصدق به، كإنفاقه في بناء المساجد والقناطر والمستشفيات، وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصدق بالمال الحرام؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وقد استدل جمهرة الفقهاء على ما قالوا من التصدق بالمال الحرام إذا لم يوجد مالكه أو وارثه بخبر الشاة المصلية "2" التي أمر الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتصدق بها بعد أن قدمت إليه فكلمته بأنها حرام؛ إذ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أطعموها الأسارى))، ولما قامر "3" أبو بكر -رضي الله عنه- المشركين بعد نزول قول الله سبحانه: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾، وكان هذا بإذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحقق الله صدقه، وجاء أبو بكر بما قامر المشركين به، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا سحت فتصدق به)) وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر في المخاطرة مع الكفار وكذلك أثر عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرا، فلم يظفر به، فتصدق بثمنها، وقال: اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي، واستدلوا أيضا بالقياس "4" فقالوا: إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير؛ إذ وقع اليأس من مالكه، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من رميه؛ لأن رميه لا يأتي بفائدة، أما إعطاؤه للفقير أو لجهة خيرية ففيه الفائدة بالانتفاع به، وفيه انتفاع مالكه بالأجر ولو كان بغير اختياره، كما يدل على هذا الخبر الصحيح: "أن للزارع والغارس أجر في كل ما يصيبه من الناس والطيور من ثماره وزرعه"، ولا شك أن ما يأكل الطير من الزرع بغير اختيار الزارع، وقد أثبت له الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأجر، وقد رد الإمام الغزالي على القائلين بعدم جواز التصدق بالمال الحرام بقوله: أما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا، ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا التصدق على التضييع، وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك، ولكنه علينا حرام؛ لاستغنائنا عنه، وللفقير حلال إذا أحله دليل الشرع، وإذا افترضت المصلحة التحليل وجب "5" التحليل؛ لما كان ذلك ففي واقعة السؤال يكون مبلغ العربون الذي دفعه المشتري إلى البائع ولم تتم الصفقة محرما على البائع، ويتعين عليه رده إلى المشتري إذا كان معروفا لديه وعلى قيد الحياة، وإلى ورثته إن كان قد توفي، فإن لم يعلم بذاته ولا بورثته فعلى البائع التصدق بمبلغ العربون في المصالح العامة للمسلمين كبناء المساجد أو المستشفيات؛ لأن عليه التخلص مما حازه من مال محرم، ولا يحل له الانتفاع به لنفسه؛ لأن كل مسلم مسؤول عن ماله: من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ كما جاء في الحديث الشريف "6".

والله سبحانه وتعالى أعلم.


ما حكم الشرع فى الشرط الجزائي في العقد؟

ما حكم الشرع في عمليات السمسرة ؟

- ما حكم الشرع في أرباح دفتر توفير البريد؟

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان