في "شرق المتوسط".. كلنا سجناء
كتبت-إشراق أحمد:
يجلس في غرفة منعزلة، لأيام ينكب على الكتابة، ينفعل على من يحاول إخراجه من محرابه، يكتب لمن ولماذا، لا أحد يعرف، فقط حينما ينتهي، يخرج منتشي قائلا لوالدته وأخته بصوت عال "سأحتفل على الطريقة المجوسية.. لقد وضعت في هذه الأوراق اثمن ما عندي والآن أريد أن أقدمها قربانا للنار"، ويظل ينظر بلذة للنيران بينما تلتهم ما كتب.. الكلمة هي كل ما لدى رجب إسماعيل، لكنه يعلم أن في مثل بلاده لا مصير للكلمات سوى النار، لذا قرر أن يتلذذ بحرقها، قبل أن يفعل أخرون بحرقه هو، ورغم تشككه بقدرتها على ردع الجلادين، إلا أنه لم يستطع التوقف عن الكتابة والحديث، لذلك لم ينج، عرف الأمن طريقه إليه، ليلقى مصير كل شخص خالف القافلة في بلاد شرق المتوسط.
زمن الرخص
"هل يعرف الناس معنى أن يكون الإنسان سجينا؟".. بلسان حال رجب، أخذ الكاتب السعودي عبد الرحمن منيف يغرز كلماته عن حياة السجن، في روايته التي حملت اسم شرق المتوسط، يجسد ما يفرضه على الشخص وأسرته حتى بعد أن يغادره، إذ يظل الشخص في مقبعه، وكذلك عائلته، لا يعرف كل منهما حديث نفس الآخر في هذه الأيام، تفاصيل المعاناة، التي لا يكفي لها آلاف السطور، زمرة المشاعر النفسية المختلطة من ارتباك، قوة، وضعف، لهذا تحمل الصفحات الـ175 حديث دائر، بين "رجب" وشقيقته "أنيسة"، يحكي فصلا، وتلتقط منه هي تفاصيل فصلا آخر.
"رجب" لا يعني شخص بعينه، لكنه تعبير عن القابعين في عتمة الزنازين، مخاض انخراط "منيف" بعدد من الدول العربية ميلادا ودراسة وإقامة –الأردن، العراق، مصر، سوريا"، لذا كان السجين ينتمي إلى "الأرض الغابرة الممتدة إلى ما لا نهاية من شواطئ شرق المتوسط"، وأما زمانه "حين أصبح الإنسان أرخص الأشياء وأقلها اعتبارا" وذلك ميثاق الكاتب دارس الحقوق مع حكاية الشاب، التي أجلَّ بها تفاصيل تعذيب مواطن في سجون بلده لممارسة السياسية على محددات الزمان والمكان، فأخذ يسردها كأنك تراها للتو، ينقل أنينها المكتوم، نواح أشخاصها، صراخهم، صمتهم، والبوح بما يُحتمل.
رغم أن شرق المتوسط رواية لكنها استهلت بـ7 مواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يذكرك بها الكاتب قبل الغوص في حياة الشاب، وربما يتذكرها "رجب" نفسه، يعيد على مسامعه، أن جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق، وكل إنسان له حق التمتع بكافة الحريات، وسلامة شخصه، وأن يلجأ إلى بلاد أخرى هربا من الاضطهاد، وهو ما حاول "رجب" فعله، حينما أبحر بعد خروجه من السجن، مستقلا السفينة "أشيلوس" للفرار من "ميناء الشقاء"، ناظرا إليه بينما يتلو أمنية غير محققة "يا ليته ميناء اللاعودة".
شاب بسيط، مولع بالقراءة، ينتمي لأسرة مألوفة الحال في مجتمعاتنا، توفى عنها الأب مبكرا، لتكافح الأم بتعليم أبناءها الثلاثة، الكبير قاس القلب فيغادرها، وأما الشقيقة فتتوقف عن استكمال دراستها لمساعدة والدتها، لكي يحظى اخيها الأصغر بحياة أفضل، فيخرج رجب للحياة، عنيدا، ابن رجل عنيد، علمته أمه أن الرجال لا تبكي، لا تحني رأسها لمخلوق، وأن الموت أهون من الخذلان والذل قبل أن تعصب به الرياح فينحني لها.. تلك ملامح بطل الرواية، التي تعد من أوائل الكتابات، المدرجة تحت اسم أدب السجون، كتبها صاحبها عام 1972، لتخرج للنور بعد ثلاثة أعوام.
دخل رجب إلى عالم السياسة، منذ بدأ يغلف الكتب أثناء قراءتها، حتى لا ترى شقيقته عناوينها، لم يعد يدفعها للقراءة كما يفعل، حينها توجست أنيسة خيفة من عالمه الجديد، الذي طالما نصحته والدتهما ألا يدخله، وأدركت أنه "منذ ذلك الوقت بدأت رحلة الخطر".
خمس سنوات أمضاها رجب وراء القضبان، مر على سبعة سجون، كانت أسلحته بها "النظرة الغاضبة، التحدي، الصمت"، تعلم أن يتجرع ذلك الأخير، حتى بات له دواء، حرص على إخبار السفينة عنه "لو عرفت السجن يا أشيلوس لتعلمت أن تصمتين، لو توقف صوتك دفعة واحدة، فإن الرعب سيشلهم، سيموتون: قل أي شيء يا ابن العاهرة، اشتم، أما أن تظل صامتا مثل الجدار فسوف تغرق في البول حتى تموت".
قضى رجب ليلة السجن الأولى في قبو، لم تشفع كلماته بأنه مريض قلب، لم يتجاوز جملته، حتى وجد صفعة على وجهه، ثم رِجل تضرب ظهره، ليهوى من فوق عشر درجات في لمح البصر، ليمكث داخل سرداب صغيرا جدا، لدرجة أن ثلاثة أشخاص لا يمكن أن يناموا فيه، جدرانه والسقف متقاربة، لزجة، والنافذة تشبه الشق، تستقبل ضوءً باهتا، زاد عليه إغراقه بالماء، بعد أن صرخ مستغيثا، يسأل عن سبب القبض عليه، حينها نام على نحو أربعة درجات سلمية، لم يدخل جوفه شيء حتى اليوم التالي "رأيت رغيفا من الخبز وقطعة صغيرة من الجبن لا تزيد على قطعة نقود معدنية من الجبن".
معنى السجن
الحياة خارج حدود القضبان كانت عند رجب "كتلة نار راكضة"، زخم أسئلة يراوده، أبسط الأشياء باتت بعيدة المنال، يتشكك في وجودها، كأنما أساطير ينسج لها الخيال تصورا "هل مازال الناس يذهبون إلى دور السينما؟ يضحكون؟ يجلسون في الحدائق؟ والسيارات ألا تزال تسير في الشوارع؟.. الإنسان في العالم الخارجي يستطيع أن يذهب إلى المرحاض متى يشاء، لا أحد يمنعه، لا أحد يدق عليه الباب ويطلب منه أن يخرج فورا، لا أحد يجبره على حمل القذارة بصفيحة ترتج بين يديه وتتسرب إلى ثيابه ويديه.. هل مازال العالم الخارجي موجودا بالفعل؟".
في شرق المتوسط، الحلم يشد على يد عناد وصمود السجناء كما يقول رجب "في السجون البعيدة حلمت وفي المدن الكبيرة حلمت وفي الطرق الصحراوية داخل سيارة تشبه علبة السردين حلمت، لم أترك الوقت يمر دون أن أحلم، كنت أقول في نفسي سأفضحهم، سأقول للناس، كل الناس، أن البشر بالنسبة لهؤلاء الأبالسة أرخص الأشياء، أتفه الأشياء".
من الثانية عشر بعد منتصف الليل وحتى السادسة صباح اليوم التالي، ميعاد "الحفلة"، لا يعرف رجب متى ينام الجلادون، لكنه ذاق ما يفعلون، يتذكر حين صرخ كبيرهم بأن يعصبوا عينيه ويضعوه في كيس، وقبل أن يربطوه، أدخلوا قطتين، وكلما ضربوا القطط، زاد نهشها لجسده، ولم يكف نغز الأظافر، إلا مع فك الكيس، حينها هرولت القطط مذعورة، فيما كان رجب ينزف، لا رغبة لديه بتلك اللحظة سوى رؤية القطط "كنت أريد أن أحفظ أعدائي الجدد"، وأما الأعداء الأوائل فكانوا يصرخون ضحكا لرؤيته غارقا في دمائه "استلقى نوري على ظهره، كان يضحك من الفرح واللذة، وبعد أن مسح عينيه من آثار الدموع قال لي: ما رأيك في هذه الحفلة؟ ألا تعترف؟".
"صدقني أيها الإنسان الذي تعيش على الضفة الأخرى من المتوسط، أني لم أحمل بندقية ولم أقتل أحد ومع ذلك دُق رأسي بالجدران مئات المرات كما تدق المسامير في أخشاب السنديان، ودق الرأس بداية سيمفونية العذاب: بعد ذلك ضربوني بالسياط، كنت عاريا، كانوا يتعبون من الضرب، يتناوبون وكانوا أقوياء فإذا انتهى الضرب بدأت النيران تشتعل في جسدي، كانوا يطفئون السجائر في وجهي، في صدري، وفي أماكن أخرى.. ليس هذا كل شيء، لقد أمسكوا بخصيتي وجروها، شعرت تلك اللحظة أني أموت، علقت سبعة أيام في السقف، كانت يداي مربوطتين بحبل، والحبل يجرني إلى السقف، فأقف على أطراف أصابعي، عندما انتهت الأيام السبعة كانت ساقاي بحجم سيقان الفيل".. صنوف التعذيب لاقها رجب، ويلقاها كل مَن ساقه قدره إلى سراديب شرق المتوسط، لتصبح ذكراها تشويه للنفس، خاصة لمن مثله، مَن ضعفت إرادته في لحظات، فأعطاهم ما أرادوا بتوقيع اعتراف مقابل الحرية.
السقوط
وحدها الإرادة كانت تشد أزر رجب، قبل أن يرحل عنه أصحاب المدد، ماتت والدته، وتركته حبيبته لتتزوج غيره، ولم يعد له سوى شقيقته "أنيسة"، التي تسبب ضعفها في استسلام جسده لمرض "روماتيزم الدم"، استنفذ طاقته، فسقط في "تلك الساعة اللئيمة" كما يصف، حين عرض عليه الأمن الخروج مقابل الاعتراف والتعاون معه، ثقلت نفسه، شعر فجأة بألم جسده، أراد الراحة المؤقتة، لكن روحه تنازعه بينما يمسك القلم للتوقيع، يعلم أنه بذلك يعلن وفاته، ارتجفت يده لثانية ثم فعل "وقع بنفسه شهادة الوفاة... وفاة رجب اسماعيل كإنسان يحلم بأن يكتب".
طاقة تحمل رجب كانت من احتمال أمه، فرغم ما تلاقيه، تنسى التعب بمجرد السماح لها بالدخول لزيارته، تملأ ابتسامتها وجهها، تعيد على مسامعه كلماتها "ماذا تقول للناس ولأصدقائك إذا اعترفت وخرجت؟ الحبس يا ولدي ينقضي.. افتح عينا وأغمض عينا تمر الأيام وتبقى رافعا رأسك. إذا اعترفت سيقولون خائن ولا تستطيع أن تنظر في وجه أحد خد بالك يا ولدي"، كانت العشر دقائق زيارة، هي وقود الابن بالقوة، الجنون، والمحبة "كنت أتزود منها لفترة طويلة تكفيني أسابيع، حتى عندما يمنعون الزيارة"، وفي الخيال صورة حبيبته هدى لا تفارقه "كانت أقوى الآمال التي تشدني إلى عالم الحرية.. كنت أتصورها مثل بطلة الأساطير لا تمل أبدا من الانتظار لكن لم تنتظر"، كل شيء رحل، وانقلب رجب على لحظات الذكريات "أي نفع من الذكرى؟ هل تدفئ السجين الذي لا يحلم إلا بساعة الحرية؟ هل يخرج من ليالي السجن الطويلة ليسقط في البرودة والفراغ؟".
كل شيء تغير، أصبح رجب إنسانا جديدا، لكنه أضعف، يتكالب عليه الحزن، بتذكر قتل الجلادين لأمه بكل مرة تأتي لزيارته، لا ينسى ضربهم لها وأمهات المحتجزين بالعصي، طردهن "مثلما يطردون الكلاب"، قولهم "لو لم تكوني بغيا لما خلفت هذا القواد"، انكساره لعجزه تلك المرة حين رآها ترتجف، لا تستطيع إخفاء دمعتها كما اعتادت، فيما جرت كلماتها حزينة خافتة أمام إلحاحه بالسؤال قائلة "الكلب مسكني من صدري" مشيرة برأسها إلى الحارس الذي يدور حولهم.
صاحبي السجن
لا أحد ينجو في بلاد شرق المتوسط، العاملون بالسياسة، وغير العاملين، مَن يحب النظام، والمبغض له، لكن أرباب السجن مختلفون، مَنهم القوى، حال "هادي". قتله السجّانون لكنه سبب ذعرا في نفوسهم، تلك المرة الأولى، التي تحدثوا هم، وصمت الجلادون، كانت تُسمع خطواتهم الحذرة، وأصواتهم الخائفة، أما أمين بائع الجرائد، فلم يفارق نواحه وأنينه سمع القابعين بالزنازين لثلاثة أيام، قبل أن يموت "الذي لا يعرف سلاح الكلمة.. يقرأ أثرها في وجوه الرجال، في لهفة أيديهم وهي تمتد إلى جرائده ومن أجل الكلمة قتلوه"، فيما كان سعد الدين مثال الخوف، بعد أن اعترف ولاحقه وصم الخائن، حينها أدرك رجب أنه "عندما يخاف الإنسان يفقد السيطرة على نفسه"، لكنه لم يستطع تجنب ذلك.
تسلل الخوف أيضا إلى نفس "أنيسة" قبل أن يستوطن رجب، نسيت كلمات والدتها بأن البكاء يهد الرجال، حين رأت المرض ينهش جسد شقيقها، تصورت أنها ستفقده فقررت أن "تخترق مقاومته"، كان بكاءها بكل زيارة، والحكايات البائسة التي تأتي بها، توهن رجب شيئا فشيئا، لكن السجن أيضالم يترك أنيسة؛ واجهت احتمال الطلاق من زوجها كل مرة تذهب بها إلى أخيها، كتمت ما تتعرض له من تصرفات "بصقت في وجه اثنين من الشرطة عندما اسمعاني كلمات بذيئة، ونزعت حذائي أكثر من مرة وهددت المخبر بالضرب"، فقط الانتظار على باب السجن، هو ما تحول إلى لذة، بسماع قصص الأمهات والزوجات.
ظنت أنيسة أن بخروج رجب من السجن، ستتبدأ الحياة المنتظرة، لكن لم تبصر الأمور جيدا، أنه ما كان لصانعي السجون، أن يتركوها فارغة أبدا، فكان حامد زوجها، نزيلا بديلا عن رجب، ظلوا يلاحقونه أمنيا بعد سفر شقيقها، لتدرك أنهم ما تركوا لهم حق واحد يعيشون من أجله "سوف ننتهي كمخلوقات فاقدة كل شيء الحرية، المستقبل والأمل"، أما رجب في البداية أراد أن ينسى، عسى تهدأ نفسه من شتاتها، ويجد إجابة لسؤاله "هل يمكن أن ترمم إرادة إنسان لم تعد تربطه بالحياة رابطة؟".
النجاة
هناك حيث قالوا إن "الحرية في أرض أخرى أبعد من اليونان، يمكن أن يعيش فيها الإنسان أيامه دون أن يوقظه عند الفجر صوت المخبرين وضربات أحذيتهم" رحل رجب مسجلا قراره الأول بعد السجن، لكنه ظل يحدث نفسه "أه لو لم تكوني أختي يا أنيسة، وأنت يا هدى لو كنت امرأة أخرى.. لو أن ذلك حصل لما سقطت"، كما لم يتوقف عن مخاطبة "أشيلوس"، فهي الشيء المتاح ليستمع إليه، واستخراج كافة معاني الكلم من نفسه، دون حرج من زخات الدموع المندفعة من عين، الانكسار، الألم، والخوف من نظرة إشفاق عليه، أو احتكار لفعله.
حمل رجب شاهد قبر أمه معه، توجس خيفة أن تتضرر أسرته من كلمة "الوفاء" التي أوصى شقيقته بكتابتها على قبر والدتهم، لم يشعر لسنوات بالفخر، إلا حينما تردد على المستشفى للعلاج، للمرة الأولى التي يُنظر له كبطل "بدا لي السجن شرفا كبيرا لدرجة أن نظرات الأطباء وهمساتهم كانت تقديرا مباشرا"، ولأول مرة كذلك، ينهار في البكاء مع غريب، فقلما ما وجد صدرا يتسع لكلماته ويثق فيه مثل الطبيب فالي، ورغم ذلك خرج صوته محبوسا، لا يحكي إلا ما احتمل، وأسر في نفسه الكثير، لكنه تمسك بتلك النصيحة الأخيرة من الطبيب "الحقد هو أحسن المعلمين. يجب أن تحول أحزانك إلى أحقاد وبهده الطريقة وحدها يمكن أن تنتصر".
بعد محاربة نفسية طويلة وهزيمة عميقة للروح، قرر رجب أن ينتصر، عملا بالنصيحة، لينقذ بقايا الإنسان داخله، عزم على السفر إلى جنيف حيث مقر الأمم المتحدة، لتقديم مذكرة عما يواجه السجناء السياسيين "سأقول لهم أن السخرية بلغت بالجلادين درجة أنهم يطلقون على التعذيب اسم الحفلات"، وقرر أن يعود للكتابة، ويكون النور مصيرها بدلا من النار، يخرج تفاصيل ما يجري في السراديب المظلمة، فالكلمة آخر سلاح له، يعلم أنها ليست الأقوى، وأن السلاح الحقيقي هو ضمائر الناس، عقولهم، واجبهم "لكنها سلاح الذين تلوثت دماؤهم، ماتت أمهاتهم، سلاح الذين يريدون أن يفعلوا شيئا".
في النهاية كانت كلمة
أراد رجب أن يكتب رواية، حمل بيده أوراقها، لملم كلمات عائلته عن السجن، حتى تلك الكافرة بها، حال حامد ومن وراءه ابنه عادل الذي قال إنه "لم يسمع بقائد انتصر بالكلمة"، بدت نهاية الانتصار المحلق في سماء مَن مثل رجب شيء منطقي ومنصف، غير أن ذلك لم يحدث، فما لبث أن استرد مقاومته حتى انهدمت، عاد إلى وطنه، انقاذا لزوج شقيقته المحتجز، ومواجهة لهؤلاء الجلادين، أوصى شقيقته أن تحرق أوراقه، فإن كان الصمت خيانة، فـ"كلمات الأرض كلها لن تستطيع انقاذ سجين يتعذب"، ورجع إلى حيث لا يريد.
وكما كان الكتاب أول رحلة الخطر، كان نهايتها أيضا، فبينما يقرأ "مذكرات بيت الموتى"، في الغروب عاد المخبرين لاعتقاله، خرج قويا كسيرته الأولى، وبكت أنيسة كعادتها، ليعود بعد ثلاثة أسابيع فاقدا للبصر، وباليوم الرابع لعودته، بالظهيرة مات رجب، وسار زوج أنيسة على نهج صهره، ليقبع بالسجن، فيما قررت هي نشر أوراق شقيقها الراحل، رغم تعنيفها لابنها عادل من أن يحذو حذو ابيه وخاله، الذي استطاع رغم ذلك انتزاع أمنية وحيدة من جلاديه "ما ألذ أن يموت الإنسان وهو قوي النهاية".
تابع باقي موضوعات الملف:
هل أتاك حديث السجون؟ (ملف خاص)
الطريق إلى ''زمش''.. ''لما الشيوعية ماتت م الضحك''
'سجينة طهران''.. فصل من حياة فتاة إيرانية داخل سجن ''إيفين''
يا صاحبي السجن''.. حكاية ''المعتوم'' بعد 100 يوم سجن
''تلك العتمة الباهرة''.. قصاصات عن الموتى الأحياء
''شرف''.. حين يُحول السجن الإنسان إلى ''مسخ''
''حيونة الإنسان''.. طوبى لمن غنّى خلف الجدران
فيديو قد يعجبك: