إعلان

رف السينما - جوني ديب.. الإبن الضال وعودته الأخيرة

رف السينما - جوني ديب.. الإبن الضال وعودته الأخيرة

03:01 م الجمعة 23 أكتوبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح:

من المؤسف أن تكون الدعاية الأكبر لفيلم معروض في السينما هي إنه فرصة أخيرة عشان تشوف فيها (جوني ديب) بيمثل، بعد سنين كتيرة من أداءات مبالغ فيها لشخصيات فانتازية وكوميدية كلها تقريباً تكرارات باهتة لشخصيته الأهم في السنوات الأخيرة، (جاك سبارو) في سلسلة أفلام (قراصنة الكاريبي).

الفيلم اللى بيعرض حالياً في القاعات هو (Black Mass)، قصة عصابات عنيفة مستندة على الواقع، مع فريق تمثيل كبير بيحتوى على نجوم زي (جويل إدجرتون) و(بينديكت كامبرباتش) و (كيفين بيكون). وبيلعب فيه (ديب) دور رجل العصابات (وايتي بولجر)، اللى بيمتد نفوذه على جنوب (بوسطن) لسنين طويلة استغل فيها قرابته لسيناتور أمريكي، وعلاقته بمكتب التحقيقات الفيدرالية اللى مكنته من إزاحة منافسيه من عائلات المافيا بوسائل بتتنوع بين العنف وبين الوشاية.

القصة الرئيسية للفيلم محفزة، وإختيارات الممثلين والجو العام بتمهد لمساحات درامية كان من الممكن أن يتألق فيها أداء (ديب) نفسه أو الفريق المحيط بيه، لكن ده ماحصلش لأسباب كتيرة أولها السيناريو .. يقال إن الفيلم تمت إعادة كتابته كذا مرة، ويمكن يكون ده السبب أو لأ. بس الناتج النهائي كان أقل من المتوقع. مسار الفيلم وشخصياته تقليدي جداً وظاهر من البداية، والمساحات المحدودة للتطور الدرامي للشخصيات خلت أدوار باقى الممثلين وكأنها ظهور شرفي. وحتى اسكتشاف الجانب النفسي للبطل ما أخدش وقته على الشاشة عشان يفسح المجال لتتابع مسار القضية الضخمة اللى أطاحت بيه وبعصابته، في مجهود يبدو أقرب للوثائقي منه للدرامي.

قصة الفيلم نفسها بتجلب للذاكرة أفلام مشابهة زي (The Departed) و (Goodfellas)، لكن إختيار الجانب الواقعي في إعادة رسم تفاصيل القضية بيقربه أكتر لفيلم (Zodiac) لـ (ديفيد فينشر) .. لكن كل ده من غير الشخصيات الثرية اللي ميزت الأفلام المذكورة، أو البناء الدرامي اللى بيستغل اللحظات التشويقية في القصة ويهتم بيها أكتر من غيرها .. هنا الفيلم بيطفو على الأحداث وبينتقل من واقعة لأخرى بصيغة شبه تقريرية مش بتسمح لك تتعاطف مع أي شخصة أو تهتم بيها بشكل حقيقى، وتدريجياً بيخليك تنفصل عن الفيلم وتبقى مستنيه يخلص، وكالعادة بيخلص على مجموعة من اللوحات المكتوبة اللى بتعرض لك كل شخصية في الفيلم كانت ايه نهايتها أو الحكم اللى حصلت عليه في القضية.

صورة-وسط-الموضوع

فعلى سبيل المثال بيبدأ الفيلم بمشهد لأحد رجال (وايتي) وهو قاعد في استجواب بوليسي، وبيحكي عن أحد الوقائع من منظوره. بس بعد شوية بنشوف فرد آخر من العصابة وهو بيحكي في استجواب مشابه عن واقعة أخرى .. وهكذا .. النوع ده من السرد كان بيسمح بتعدد وجهات النظر مثلاً، أو بإن كل واحد من الرواة بيحاول يورط رئيسه والمحيطين ويبرأ نفسه، أو العكس، يحاول يورط كل الناس ويبرأ رئيسه في نوع من الولاء .. أي إختيار درامي صاحب وجهة نظر في الأحداث كان ممكن يبقى مثير للإهتمام ويخليك تفهم أكتر تركيبتهم النفسية وعلاقتهم شبه الأسرية. لكن المؤلفين بيختاروا غياب وجهة النظر تماماً وكأن اللى بيحكوا هما مذيعين في قناة أخبار مش شخصيات فاعلة في القصة .. ما عدا بعض اللحظات اللى بتظهر فيها وجهة نظر أحد الرواة على استحياء، وبتكون دي أحسن لحظات الفيلم.

تاني أهم أسباب وقوع الفيلم في منطقة الإعتيادية هو (جوني ديب) نفسه، وهو ممثل أثبت قدراته مرات كتيرة في أفلام سابقة. لكن مؤخراً بقى – لسبب ما – مابيقدرش يمثل من غير أطنان من الماكياج وطبقات البشرة الصناعية والعدسات الملونة! .. التشابه بينه وبين الشخصية الحقيقية بيبقى ممتاز بعد عملية الماكياج، وصوته وحركة جسمه كلها بتأكد على إنه ممثل درامي متنوع بيعرف يعمل أداء مؤثر من غير الحاجة للزعيق أو المبالغة. بس مع ذلك كنت أفضل إن التشابه مايبقاش مثالي، في مقابل تخفيف الطبقات الحاجبة اللى بنشوف تمثيله من خلالها وبتكاد تطمس تعبيرات وشه. وبالذات لأن الماكياج مش متقن للدرجة دي، وبيفضل واضح لأي شخص الإصطناع في وش البطل، تحديداً في اللقطات المقربة الكتيرة في الفيلم .. وأعتقد إن أي شخص مايعرفش (جوني ديب) وهايشوف الفيلم هيعرف بسهولة إن الشخصية الرئيسية مختفية تحت الماكياج اللى قرب يبقى قناع لايتكس كامل.

في النهاية، الفيلم هيلقى ترحيب من بعض النقاد أو فئات الجمهور اللى كانت فقدت الأمل في عودة (ديب) لعالم التمثيل الحقيقي والأدوار الواقعية، وممكن يكون بداية جديدة أو فرصة أخيرة للممثل الموهوب لو استغلها في إختيار أعماله القادمة بنفس العقلية، وإن كان ده غالباً مش هيحصل لأننا دلوقتي في إنتظار جزء جديد من (قراصنة الكاريبي) وجزء جديد من (أليس في بلاد العجائب)! .. لكن بالنسبة للفيلم نفسه، فماعتقدش إننا هنفتكره كتير في السنوات القادمة وهيمر مرور الكرام زي أي فيلم متوسط المستوى.

 

إعلان