لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أشياء يعرفها.."قصص قصيرة"

د.هشام عطية عبدالمقصود

أشياء يعرفها.."قصص قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 18 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

" هاتف أرضى."..

كيف تعرفون تغير شكل الأيام يا أهل لندن؟ كان يطلق السؤال داخله كلما هم بإزاحة الستارة الداكنة الثقيلة التي تغطي كل مساحة الشباك، ينظر ثم لا جديد، هو ذاته لون السماء غائمٌ كأنه لوحة مثبتة لا يضيف لها تغير دورة الساعات اليومية شيئًا من ظلال أو تغير، متى تشرق الشمس إذا!، فهو الوقت يمضي في مؤشر الساعة بينما يتواصل الجو على نفس ألوانه الثابتة، ليس نهارًا تمامًا ولا مساءً، هو فقط بين بين، كم يكره هذا التعبير، ضوء يشبه ما قبل الغروب يحتل كل مساحة الليل ويمضي معه.

يقولون إن الانطباع الأول يظل جاثمًا ويبقى، ما حدث معه كان مغايرًا لتلك الفكرة، كان رنين الهاتف في الثامنة صباحًا، ثم أخذ يعلو في نغم متصاعد، وعندما أجاب صار من يومها يعرف معنى أن يبدأ يومًا جديدًا لا صلة له بحالة الجو في الخارج ولا بتغير لون السماء، وحيث صار لا شيء في أجواء تلك المدينة ينبئ بتغير الوقت سوى صوت الهاتف وبدء تسارع الخطوات في الشارع، عندها يكون هناك يوم جديد آخر، يستقبله المقهى الصغير في الشارع الجانبي، عدد محدود من مقاعد تتناثر في فوضى لا ينقصها انتظام تكتشفه الحواس فيبهج العين، ثم فنجان القهوة الثقيلة والذي لا يغادر مذاقه الفم ثم فنجان آخر، هكذا اعتاد أن يستزيد شغفًا من الأشياء التي يحبها، من أين يبدأ الكلام إذا؟، يطل السؤال مثل عصفور يتقافز مرحًا دون جهد، لا يمضي وقت حتى يبدأ الكلام مسترسلا أنيقا، ثم السير في تلك الشوارع الصاعدة نحو المنازل التي تحتفي بشرفات أثرية تنتظم أسفلها محلات الفاكهة، وتتراص أصناف بهيجة الألوان، ثم تناثرات المقاهي التي تفتح أبوابها بلافتة تحية مكتوبة بطباشير أبيض على أرضية رمادية، كيف يمكن تعريف الأمكنة سوى بما تمنحه من إحساس بالهدوء ثم الشعور بذلك الدفء الداخلي؟، استدعى في ذاكرته ذلك الحديث الشائع في وصف هذه المدينة بالضباب والثلج، أعوام مرت منذ كان هنا، ثم هو الآن يواصل ما أحبه وكأن لا شيء انقطع، حتى السنوات تواصلت والتصقت في سلاسله كتوالي الأيام في نتيجة الحائط الورقية، لم يجهد نفسه في التفكير، بينما يتناهى إليه صوت الهاتف يعلن عن صباح جديد.

"رائحة..."

إناء زجاجي صغير تسترخي على جانبه الداخلي زهرة، يقف؛ ليتوسط سور الشرفة الممتدة بطول واجهة البيت، كان يقول بصوت يشبه الحفاوة "صباح الخير" كلما مر على هذا الإناء وتلك الزهرة، تيقن تمامًا أن ذلك البيت يعرفه شخصيًا، وأحبه صديقًا طيبًا، كما تنامى داخله تأكيد تزايد كل يوم أن في هذا البيت أناسًا يحبون الموسيقي وربما يقرؤون الشعر في الأمسيات الصيفية، وقد يكون لديهم متسع من الوقت لرسم سماء ونجوم، وأن تلك السماء في الصباح ربما تمطر عليهم فتمنحهم كل هذا الذوق ومعه تلك الزهرة.

ويسأل دومًا: وهل هناك أفضل من بشر لديهم بعض الوقت كل صباح ليزينوا الطريق ويضعوا زهرتهم اليومية أمام كل العابرين، من وقتها أحب ذلك البيت، أحب شكل الشباك الكبير ولون العشب، وحتى ذلك المقعد الخشبي الذي يظهر دومًا شاغرًا، اكتفى بما يعرفه ولم يبحث عن تفاصيل أخرى أبدًا، وبعد أن بعدت المسافات، كان كلما مر وقت طويل يسعى؛ لتثبيت المشهد الذي يحبه في ذاكرته، يذهب هناك، نعم صار يعرف أنه وعبر السنوات اختفت الزهرة، وتهدمت بعض جوانب السور وظهرت مساحات أرضية بنية أخذت تقلص امتدادات العشب، لكن داخله، وعارفًا متيقنًا ظلت رائحة الزهرة باقية، ثم ها هو يستقبلها فرحًا حين يمر.

"زاوية البحر..."

منضدة تتوسط دائرة تضيئها أعمدة إنارة تبدو قديمة، ثم العديد من أشجار الشتاء داكنة الخضرة على طول الطريق الذي يمتد، ورجل يضع فنجان القهوة المرة في صمت ويمضي، بينما كانت عيونه تروح بعيدًا، حيث هناك، نحو تلك الشرفة والتي يمكن من أقصى طرفها وعبر زاوية مائلة رؤية البحر، كان يردد داخله كم يحب أن يكون هناك الآن.

إعلان

إعلان

إعلان