لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تنفيسة| نصائح الأمين بعد سن الأربعين

محمد جادالله

تنفيسة| نصائح الأمين بعد سن الأربعين

محمد جادالله
07:12 م الإثنين 02 ديسمبر 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يحل علينا الأول من شهر ديسمبر بذكرى ميلاد الأديب والمصلح الاجتماعي قاسم محمد أمين، لسنة 1863م، والذي توفي في الثالث والعشرون من شهر إبريل لسنة 1908م، ويُعد أول الداعين والمناصرين للتيار النسوي، في الوقت الذي كان فيه الحديث عن «النسوية» ذا نطاق علمي بحت، إلا أن أفكاره ونتاج كتباته حول المرأة، من حيث الدفاع عن حقوقها والوصول إلى أمنها الاجتماعي، كانت العتبة الأولى التي خطها الأمين نحو ما عُرِفَ آنذاك بالاتجاه النسوي.

ولم تكن نواتج قلم قاسم أمين تقتصر حول المرأة، فنحن أمام كاتب وأديب شامل، استطاع أن يقتحم بقلمه مختلف المشكلات والميادين الفكرية محاولًا وضع حلولًا لها، وتاركًا بذلك أثره الأبدي، وتزامنًا مع ذكرى ميلاده التي نحن بصددها، نعرض للقراء مجموعة من النصائح، خطها قاسم أمين قُبيل رحيله، ونُشِرَتَ هذه النصائح على صفحات مجلة الهلال بعدد ديسمبر لسنة 1939م، احْتِفاءً بذكرى ميلاده آنذاك، تحت عنوان «بعد سن الأربعين»، وجاء نصها:

«بعد من الأربعين يبتدئ العاقل يرى أن المطلق ليس له وجود ذاتي، وأن الذوات الجميلة التي نحبها ونقدسها كالخير والحق والعدل لا يمكن أن توجد في الخارج إلا مخلطة بنقيضها. لا بد أن تكون الغاية النهائية للتربية الأدبية هي العفو عن الخطيئة، هل المخطئ، مسؤول أو غير مسؤول؟، وما هي درجة مسئوليته؟، مسألة عظيمة يجب على من يريد الحكم على غيره أن يحلها، لكن حلها يكاد يكون محالًا.

إذ لا يستطيع أحد أن يلم بجميع العوامل التي تتركب منها الذات الإنسانية بوجهها الأدبي والمادي والقليل الذي يعلمه من ذلك يبين أن سلطة الإرادة على النفس محدودة وخاضعة لمؤثرات كثيرة شديدة تتنازعها وتقارعها، وتضعف قوتها على نسبة مجهولة ومقدار لا يصل إلى تقديره عقلنا.

وكل تاريخ الإنسان في الماضي يدل على أنه إن لم يكن متولدًا عن الحيوان المفترس مباشرة، فهو مشابه له في شرهة وأطماعه وشهواته. خلق عليل النفس كما هو مريض الجسم. خلق على أن تكون صحته الجسمية والعقلية مصادفة سعيدة وعارضاً مؤقتًا. فالخطية هي الشيء المعتاد الذي محل للاستغراب منه، هي الحال الطبيعية الملازمة لغريزة الإنسان. هي الميراث الذي تركه آدم وحواء لأولادهما التعساء من يوم أن اقتربا من الشجرة المحرمة، وذاقا ثمرتها التي يتخيل لي أنها كانت ألذ من كل ما أبيح لهما من ذلك اليوم البعيد لوثت الخطيئة طبيعتهما، وانتقلت منهما إلى ذريتهما جيلا بعد جيل.

ذلك هو الحمل الثقيل الذي تئن تحته أرواحنا الملتهبة شوقًا إلى الفضيلة العاجزة عن الحصول على اليسير منها إلا بمقاساة أصعب المجهودات، حتى هذا النزر القليل لا سبيل إلى بلوغه إلا بتمرين طويل يتخلله حتمًا سقوط متكرر في الخطية يكون منه الدرس المفيد لاتقائه في المستقبل. وأخيرًا فإن العفو هو الوسيلة الوحيدة التي ربما تنفع لإصلاح المذنب، فقلما توجد طبيعة مهما كانت يابسة لا يمكن أن تلين إذا هي عولجت».

عزيزي القارئ لعلنا نجد بهذه النصائح ضالتنا المنشودة التي قد تُخيم على أيام الكثير منا، فهي بمثابة السراج المنير لمن يغتنمها، ويحرص على فهمها والعمل بها، فهي كلآلِئُ الثمينة، لمن يحفظها، وايضًا كالعبير الزاهر لمن يتنسم نسيمها.

وخير ما نختم به حديثنا، أحد أقوال قاسم أمين، والذي يُعد بمثابة درس مكمل لهذه النصائح، يقول: «إن اللذة التي تجعل للحياة قيمة، ليست حيازة الذهب، ولا شرف النسب، ولا علو المنصب، ولا شيئًا من الأشياء التي يجري وراءها الناس عادة.. وإنما هي أن يكون الإنسان قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم».

إعلان

إعلان

إعلان