الثورة تكمن في ''التفاصيل''.. ''بروفايل''
كتبت- رنا الجميعي:
إذا نظرت من أعلى، لن تجد سوى ضباب كثيف أبيض، صُنع من قنابل غاز، أُلقيت بكثافة على الميدان، وفي الأسفل، ثوّار يقاتلون بمبادئهم، في مواجهة طرفًا ً أقوى بعتاده، وما باليد سوى حجر صغير، يراد به الدفاع عن النفس، التي لا تطلب سوى الحرية.
الكمامة.. مازالت معي
في محيط الاشتباكات، يصبح على استعداد لتلقي نصيبه من الغاز، معه كمامته، يرفع رأسه لأعلى، يرى قنبلة غاز مسيل للدموع في الطريق إليه، يرتدي تلك القماشة الصغيرة بسرعة، يحيط بها وجهه ويعلّقها على أذنيه، ويبدأ في الركض بعيدًا عن قنبلة الغاز التي تختار هدفها بعناية، يسمع صوت تنفسه وشهقاته من خلال الكمامة، يطمئن لابتعاده بشكل كاف عن الغاز، يهدأ ليلتقط أنفاسه، يرتدّ ثانية إلى الميدان للمتابعة والمؤازرة.
ودّي الإعاشة قبل ما تدوق لقمتك..
أحدهم، غير معروف الاسم، ولكن تحفظ الهيئة، ما يقوم به طيلة أيام الثورة، هو توزيع ''سندوتشات'' لأشخاص يعتصمون، لا يهمه معرفة أسمائهم، يوزع ابتساماته مع الأطعمة، لا يغفل أحدًا، يذهب ويعود من أول نقطة بالميدان لآخرها، تنفذ الأطعمة، وينسى هو أن يأكل.
''ولّع شماريخ وسطكو أول ماتلقى الرتم قل''
يستمدون بهجة الحياة وعنفوانها من تجمعاتهم، تجدهم في الميدان في حلقة واسعة، منشدين أغاني الأولتراس، أناشيد ألفوها تبتغي الحرية، وشماريخ حمراء يُطلقونها في السماء، حينما يصبح الحماس أقل، يشعلون الميدان، يرتفعوا بأجسادهم، يودوا لو لمسوا السماء، مرددين: حرية.
الوقفة جنب النار.. بتقلل الدخان
في الصف الأول من خط النار، أمامهم قوات الأمن تستعد للاشتباك معهم، كلٌ في موقعه المخطط له، أحدهم مهمته أن تظل الراية مرفوعة، لا يهم ما يجري الأهم ''حياة الراية الشامخة''، شخص آخر يقوم بإلقاء الطوب، وثالث يعيد الهدايا المُلقاة إليهم، قنابل الغاز، وكأنهم في مباراة للرجبي يتبادل الطرفان القذف.. مع ارتداء الأقنعة والكمامات تبدأ المعركة، تباغتهم رائحة الغاز، فيقاوموا النار بالنار عسى أن تخفف عنهم وطأة الرائحة ويجدوا في حريق جزع شجرة مبتغى لاستكمال النضال.
نقي دايمًا طوب صغير حدفتك توصل بعيد ...
رصيف أحجاره كاملة لم ينتقص منه، ما إن تبدأ الاشتباكات، حتى يتحول الرصيف إلى مصنع لإعداد أدوات الاشتباكات، يبدأ الشباب بجلب أداة لتكسير الطوب، يتهشم إلى أحجار صغيرة، يواجه بها الثائر عين قناص، خوذة عسكري أمن، تُصبح المعركة الدائرة مزيجًا من الطوب المُتراشق في اتجاهات عدة، يتعلّق الشباب الأصغر سنًا، على أعمدة الإنارة، وأسوار المنشآت المُجاورة لمحيط الاشتباكات، يصنعون من طرق الطوب، مزيجًا من الضوضاء، توحي بأن ''معركة'' هُنا.
فرّغ عياطك ع الصحاب.. دم وخميرة.. مش بُكا
بعد انقضاء عدة جولات في الثورة، جاءت الجولة الأقوى، في أحداث محمد محمود الأولى، ولأن ''الحاجة أم الاختراع''، جاءت الخميرة، الغاز تلك المرة كان أقوى والضربات أعنف، لذا ظهرت ''هي'' لتخفيف وقع الغاز، تُذوب في المياه، وتُرش على الوجه، على أطراف المعركة، يقف من بيده الخميرة، يستقبل رواد الصفوف الأولى، يرش في الوجوه، حتى يصبح تتلاشى ملامح الوجه أم خليط المسحوق الجديد وكأن الثوار جميعهم شخص واحد في مواجهة المصير المحتوم.
وسّع السكة..
ينقسم الجمع إلى صفين متقابلين، بفعل ''موتوسيكل'' يقتحم الجبهة، قائدها ملثم بكمامة، تتساءل لوهلة، ماذا يفعل هنا؟، وسرعان ما تجده قادمًا بنفس السرعة، حاملًا أحد المصابين، ليتم اسعافه، ''الموتوسيكل'' أحد مجندي الثورة، الذي ظهر في جمعة الغضب لنقل مصابي الأحياء الشعبية قبل أن يتجلى دوره في أحداث محمد محمود الأولى، صاحبه –الموتوسيكل- يُلقي بنفسه في ساحة حرب، يلج ويعود لأكثر من مرة، مخاطرًا بحياته، لإنقاذ أُناس لا يعرفهم.
تفاصيل عدة ربما كانت بدائية لكنها كونت حياة أشخاص، أضحوا فيما بعد ثوارا يفاخرون أنفسهم بما عاشوه في أيام، كانت بألف مما يعدون.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: