''عيون الحرية''.. حين يوثق فيلم لمصابين العيون بالثورة وتصبح إعادته ''صعبة''
كتبت- إشراق أحمد:
شبورة غاز تحيط بالشارع، حشد يهرول كرا وفرا، حالة أشبه بالمعارك القدمية، المنطلق فيها أصوات الجموع ''تقدموا.. تقهقروا''، يبتسم تامر فتحي بتذكر أن أغلب الأوقات كان الجري بها ''دون سبب''، فقط سماع صوت يفزع له أحدهم، فيهرع وراءه الكثير، ويعاوده الحزن بسيرة موت رفاق الميدان وحلم التغيير، ومن فقد عينه بطلقة خرطوش في شارع محمد محمود، ذكرى عاشها ''فتحي''، لم يغب عن تفاصيلها، لكنه أراد أن ينأ بنفسه عن سؤال ''وإيه النتيجة''، فبات الحديث عن الثورة وأحداثها المتوالية، موضوع متجنب الخوض فيه قرابة العام، رغم طبيعة عمله في الإعلام، لم يتخيل ''تامر'' يوما المشاركة في عمل شيء عن الثورة، غير أنه في يونيو 2012 أصبح مخرجا لفيلم وثائقي عن مصابين العيون منذ انطلاقها، خرج في نوفمبر العام الماضي، ولو تأخر وقت إعداده، ليحل هذا العام لكان من الصعب تنفيذه حسب قوله.
كان ''فتحي'' يعمل مخرجا ضمن فريق شركة إنتاج الأفلام ''تسجيلي''، حينما تم تكليفه بإخراج فيلم وثائقي، يتناول مصابين العيون في الثورة، بشرط أن يتواجد به أحمد حرارة، الصيدلي الشاب الذي فقد عينه الأخرى في أحداث محمد محمود، وبات ضريرا، فيما كان المخرج يميل إلى الحديث عن ''الناس اللي محدش سمع صوتها ومش معروف عنها حاجة''، فرجحت رؤيته، برفض ''حرارة'' المشاركة في الفيلم للأسباب ذاتها التي طرحها المخرج الشاب وقال حينها ''أخدت أكتر من حقي في الإعلام''.
''عيون الحرية'' اسم الفيلم الوثائقي الطويل، الذي تم عرضه في مثل هذا اليوم نوفمبر 2013، بذكرى أحداث محمد محمود، ''حبينا نظهر اللي عمله المصابين من خلال قصصهم'' يقولها ''فتحي''، ففي خلال 43 دقيقة يسرد الفيلم ما حدث في عام، من خلال مصابين فقدوا أعينهم أو تأثرت على أقل التقدير، في أحداث مختلفة، تفاصيل إنسانية لسبع شخصيات غلفت الفيلم، منذ الإصابة وحياتهم بعدها، والنفسية التي تحيط بهم من خلال طبيبة نفسية، والتعامل الأمني على لسان مدير قطاع أمن مركزي سابق.
مصمم جرافيك، صحفي، طالب جامعي، صاحب ورشة، مخرج، محاسب، طفلة؛ الشخصيات التي استقر عليها فريق عمل ''عيون الحرية'' من بين مصابين كثر، بعضهم رفض، والبعض الآخر منعتهم الظروف من استكمال التصوير، وأخرون انسحبوا دون إبداء سبب حسب ''فتحي''، واستقر الأمر على تلك الشخصيات المختلفة في تفاصيل حياتها وإصابتها، الإعداد المسبق، ومحاولة إخراج ما في جعبة المصدر لإظهار قصة تليق بالحدث، جعل الأمر محل ابهار للعاملين في الفيلم ذاتهم ''البعض كنا عارفين جزء من قصته زي رضا عبد العزيز''، كانوا على علم بفقده كلتا عينيه في أحداث محمد محمود الأولى، لكن التفاصيل ومشاعره وقتها، لم يخرجها سوى تواجده في المكان ذاته؛ محاولته لمساعدة مصاب سقط على الأرض، التي معها لم ير مرة أخرى، وتحسسه الخطى حتى وجد جدار فسند عليه، ليجهش باكيا مع استعادته الأحداث أثناء تصوير الفيلم، فرغبة المخرج في الابتعاد عن الشكل التقليدي في الحديث مع أبطال الفيلم كانت سببا في ذلك.
استعادة مشاهد الفيلم باتت كالحدث ذاته، تحمل مزيج من المشاعر المفرحة والمؤلمة، لكن بشكل مضاعف، الحوار الطويل عن الأحداث التي شملت الجميع، بدءا من المنتج الفني، وانتهاء بعامل ''البوفيه''، وتفاصيل إصابة صديقه محمد عيد، التي عرفها ''فتحي'' للمرة الأولى أثناء إخراج الفيلم ''كانت مفاجأة بالنسبة لي إن نفس الضابط اللي كان محمد بيحاول يحميه ويهدي الموقف هو نفسه اللي ضربه''، مشهد تركيب ''عيد'' لعينه الزجاجية البديلة لا يجد له الصديق المخرج وصف، وكذلك حديث مي ناصر، الطفلة الصغيرة التي تأثر بصر إحدى عينيها بعد إصابتها بطلقة خرطوش أول يوم الثورة عن تعايشها مع المرض.
عام مر على ''عيون الحرية'' وثلاثة على الحدث الأكبر؛ الثورة وتوابعها في محمد محمود، تغيرت بها الأحوال لدرجة قد تدفع الشخصيات التي شاركت في الفيلم إذا ما تم مطالبتها بالحديث مرة أخرى في فيلم يروى حكاية إصابتهم، لفعلت ذلك بمزيد من المرارة والإحباط، ''المناخ الأمني والسياسي مرتبك وبالتالي هينعكس على الإعلام'' هكذا يرى رضا فايز المنتج الفني للفيلم، الحال إذا ما تأخر إنتاج الفيلم عام أخر.
''مكنتش هعرف أصوره أصلا'' دون تردد قالها ''فتحي'' فالفيلم الذي تم إعداده في قرابة 4 أشهر، وواجه المخاطرة بالتصوير الخارجي في مكان الحدث، في وقت القلق به لم يكن غائب، ربما ما خرج للنور، فالوضع اختلف في نظر المخرج من كافة النواحي، ليس فقط لأن قناة الجزيرة المنتجة له، بات وجودها محفوف بالانتقادات وعدم الرغبة في مصر، لكن ''الناس نفسها اعتقد اللي كان مستعد وقتها للمشاركة ممكن يرفض.. أو وجهة نظره تتغير''.
جهد مضن لإخراج دقائق معدودة من ساعات تحمل الكثير من التفاصيل الإنسانية، يؤكد عليها مشاهد أرشيفية مصورة للقنص واستهداف المتظاهرين، قرابة شهرين ليخرج ''عيون الحرية'' ويتم عرضه لأول مرة في نوفمبر 2013 الماضي.
شاب أمام السلك الشائك المنصوب في شارع محمد محمود، بعد أحداث استاد بورسعيد فبراير 2012، يصرخ في وجه أفراد الأمن الواقفين خلف ذلك السلك ''15 سنة مات يروح فين دمه.. وأنتم اللي موتوه إزاي'' كلمات محفورة بذاكرة المخرج، لم يتردد في إلحاقها بالفيلم العاشر له بتاريخ عمله، كانت حالة ذلك الشاب الأقرب إليه، في صدق هلعه الذي يتصوره خص به الحديث عن صديق رحل، وسؤاله المأساوي الذي حاول التهرب منه، وحينما صنع ذلك الفيلم أراد نقله، لكنه حتى الأن لم يجد له إجابة ''إزاي.. ؟''.
لمشاهدة الفيديو ... اضغط هنا
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: