موظفو حديقة ''الأورمان''.. الربيع بطعم الغاز والاشتباكات
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتبت – دعاء الفولي:
بعد السابعة صباحًا بقليل يخرج ''حسن رفعت'' من منزله الكائن بالجيزة، متجهًا إلى حديقة الأورمان بجامعة القاهرة حيث يعمل، تُرهقه قدمه اليسرى مع السير عندما يتحامل عليها، لذلك لا يتحرك جيئة وذهابًا بالكافتيريا التي يعمل بها، يقف بالقرب من صناديق الحلوى يبيع ما فيها، بينما ينوب عنه زملاءه في خدمة الزبائن، رغم سعادته بالعودة للعمل بعد انقطاع، فقد ظهرت بعض المنغصات، غاز مسيل للدموع، أصوات رصاص، طلاب يتحركون بجنون خارج سور الحديقة، اعتاد ''رفعت'' الأمر، تيقنًا منه أن الوضع لن يكون أسوأ.
في الرابع عشر من إبريل، فُتحت أبواب حديقة الأورمان للجماهير، بعد الإغلاق عقب فض اعتصام النهضة منتصف أغسطس الماضي، إذ بلغت خسائرها ما يقارب الـ 52 مليون جنيه، طبقًا لتصريحات وزير الزراعة، ومع بداية موسم الربيع، وافتتاح معرض الزهور السنوي بها، توافد المواطنون على استحياء، سواء لزيارة المعرض أو الحديقة، بينما عاد للعمل جزء من عامليها مع بداية فتحها للجماهير، وآخرون قبل الافتتاح، وفي جميع الأحوال لم يسلم معظمهم من مشاهدة الاشتباكات ثم محاولة الفرار منها.
على ''دكة خشبية'' داخل الحديقة جلست هبة محمد مع بعض الدفاتر، تقوم بحسابات خاصة بتحصيل التذاكر، يتردد عملها بين الوقوف خارج سورها، أو بالداخل، عادت من إجازة طويلة لم تُمكنها من حضور الأيام ما قبل اعتصام النهضة ''وبعد الاعتصام الحديقة اتقفلت مكناش بنيجي''، مع بداية نزولها للعمل من مسكنها بالجيزة لاحت الاشتباكات في الأفق، لم تتضرر منها ''لما بيحصل حاجة بنمشي علطول''، في مجموعات تخرج مع زملاءها من شوارع لا تمر بجامعة القاهرة، فتكون في معزل عما يحدث، إلا الغاز المسيل للدموع ''بيجيلنا لحد هنا''.
بوجه نحيف، وكلمات قليلة كان ''رفعت'' الذي لم يبلغ العشرين من العمر بعد، يتطلبه العمل النوم داخل الكافتيريا أحيانًا، حفاظًا عليها من السرقة، لم يبد على الشاب الخوف ''احنا اتعودنا على كدة''، تحدث الاشتباكات بالخارج وهو بداخل الحديقة، وحين يأتي ميعاد عودته للمنزل في الرابعة عصرًا ''بتكون الاشتباكات خلصت في الغالب وبتبقى الدنيا هادية''.
يعتقد فتى الكافتيريا أنه مع إصابة قدمه اليسرى فلن يتضرر أكثر ''كل حاجة بأمر الله لو مكتوبلي أموت عند الجامعة هموت''، لا يحب الحديث عن سبب الإصابة، إلا بجمل مقتضبة ''كنت بشتغل في محل أكل في التحرير وقت الثورة''، حالة الانفلات الأمني مسته وصاحب المحل بالسوء، عندما هجم عليهم بعض البلطجية ''كانوا عايزين يسرقوا الخزنة''، تصدى لهم وزملاءه؛ فكانت النتيجة رصاصة بقدمه اليسرى وأخرى استقرت بقدم صاحب المحل، ليُصاب الأخير بالعجز الدائم، ويمكث ''رفعت'' بالمستشفى 45 يوم ''لسة رجلي بتتعبني لحد دلوقتي''.
كانت الكافتيريا تطل على بحيرة، غطت سطحها نباتات البردي، من فوقها مر كوبري خشبي، وقف عليه الزوار لالتقاط صور، يتحرك ضابط جيش في المكان؛ يتابع الأحوال، وبعض أفراد الأمن المركزي يحملون أطعمة لزملاءهم، بينما كان ''إبراهيم القناوي'' الذي يمتلك الكافتيريا بشكل مؤقت بلهجته الصعيدية يقدم المشروبات للجالسين ''أحنا مأجرينها شهر ونص وبعدين هتدخل في مزاد علني''.
يشكو الرجل الثلاثيني ضعف الإقبال ''الناس خايفة عشان اللي بيحصل في الجامعة''، أما ''القناوي'' فخوفه لا يقترن بغاز أو رصاص، بل بمحتويات مكان أكل العيش، خاصة بعد اختفاء بضاعة بما يقارب 250 ألف جنيه على حد قوله أثناء اعتصام النهضة ''من ساعة ما الاعتصام خلص واحنا قاعدين في بيوتنا''، انفراجة الأزمة بعودة الحديقة تتوقف على الحال عقب انتهاء مدة تأجير الكافتريا ''الله أعلم هيحصل أيه بعد كدة هنكمل فيها ولا هتتباع لغيرنا''.
أكوام التراب وبلدوزر متوقف عن العمل، قطعة زراعية متسعة، أطفال يلهون، أسرة أحضرت مستلزمات عيد الربيع غير عابئة بالحديقة غير المكتمل إلا أن تستمع قدر المستطاع، عربات صغيرة يدفعها العمال، يحملون عليها النباتات الزينة التي اشتراها الناس من المعرض، ''ربيع أحمد''، ''حسين أحمد'' و''يحي محمد'' جلسوا في رقعة زراعية معظها غير ممهد يتناولون طعام الغداء، ليسوا زوارًا بل عُينوا من قبل وزارة الزراعة لإعادة الحديقة خضراء كما كانت.
''الواحد بيزعل لما بيشوف الجنينة كدة''، قال ''ربيع''، يلوك فمه قطعة من الخبز، لم يرَ المزارع الأربعيني الحديقة من وقت الاعتصام ''لسة جايين هنا من عشر أيام''، رغم ذلك لا يحزن على الزرع بقدر النفس البشرية على حد تعبيره ''الزرع هيتعمل تاني لكن اللي بيموت مبيرجعش''.
ابتعدت أحداث جامعة القاهرة الأخيرة عن الرجال الثلاث ''أحنا نفسنا محدش يموت''، قال ''محمد'' الذي يسمع الأخبار عن الجامعة، متابعًا ''سواء من الشرطة أو الطلبة أو غيرهم عايزين البلد تبقى كويسة''، يعمل الأصدقاء من الثامنة صباحًا حتى الرابعة ''وساعات بنقعد لعشرة بليل''، يفسر ''حسين'' ذلك برغبتهم في إصلاح الحديقة بأقصى سرعة، ينظر لها نظرة الباحث، فهو أحد المهندسين الزراعيين المسئولين عن متابعة سير العمل ''حاليًا بنرص النجيلة على الأرض وبنرويها''.
أشار ''حسين'' بيده إلى الجهة المقابلة منهم ''النجيلة اللي هناك دي بلدي إنما اللي أحنا بنرصها جاهزة''، رغم أن النوع الجاهز مُكلف لكنه أسهل في الزراعة ''يادوب أسبوع واحد وبتبقى خضرا''، يعتب المهندس على بعض الناس عدم اهتمامهم بالحديقة ''الجنينة من أقدم معارض النباتات في العالم لازم لها شوية تقدير أكتر من كدة''.
على بوابة الحديقة كانت لافتة خضراء كُتب عليها ''حديقة الأورمان النباتية''، ''أحمد محمد'' وقف يتلقى السيارات والزوار، يأخذ جنيهًا واحدًا مقابل الدخول، وتفعل ''رشا محمد'' مثله، البوابة الرئيسية للحديقة قريبة نسبيًا لحرم الجامعة، يتضرر الواقفون عليها بشكل مباشر مما يحدث، خاصة مع تواجدهم قبل افتتاحها للجمهور، ''أحنا صدرنا بيوجعنا من الغاز والله وبنكح بس لازم نقف''، قالت ''محمد''، أضعف الأيمان هو ما تفعله السيدة الثلاثينية وزميلها ''بندخل جوة ونقفل الباب لحد ما الدنيا تهدى''.
الموقف الأصعب الذي مر به موظف التذاكر كان انفجار الجامعة ''كنا موجودين هنا''، تذكر الموظفة المشهد، عندما ذهب زوجها الذي يعمل معهم و''محمد'' إلى المكان هرعًا بعد انفجار القنبلة الثانية ليجدوا أحد أفراد الشرطة مقتولًا ''جوزي شاف الظابط وهو ميت.. عمري ما هنسى اليوم دة''، اليوم التالي ذهبت الزوجة إلى العمل كأن شيئًا لم يكن ''أنا بحب شغلي وعايزة أتعين وأتثبت فمينفعش أغيب''، رغم الغاز والكر والفر شبه اليومي ''المكان هنا جميل ولسة أما الجنينة تكمل هتبقى أحلى''.
''ثورة أيه وكلام فاضي أيه''، كان ذلك انطباع ''رفعت'' الذي ترك المدرسة منذ المرحلة الثانوية عما يحدث بداية من يناير2011 وحتى الآن، انعدام الأمان الذي كلفه قدمه اليسرى التهم الحرية التي يتحدث عنها مريدو الثورة ''طيب هما شالوا مبارك أهو وبعديه مرسي كان حال البلد اتصلح؟ لسة مفيش أمان''، ابتسامة تظهر على فم الشاب العشريني ليقول ''هما الظاهر عايزين أوباما ييجي يحكمنا''، تركه المدرسة كان لدواعي العمل والمرض، وجاءت أحداث الجامعة هذا الموسم الدراسي لتؤكد قراره بنسيان التعليم ''هما طلبة الجامعة عملوا أيه ما مظاهرات أهو وناس بتموت ومفيش تعليم''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: