من "صلاح جاهين" لـ"وليد طاهر".. كيف رصد الكاريكاتير انتخابات مجلس الشعب؟
كتبت - دعاء الفولي:
الأحداث تمر تباعا فيرصدونها بطريقتهم الخاصة. الفكرة تتخمر داخل العقل، فتُعطي أوامرها إلى الأنامل، لتتحرك بخِفة ورشاقة، تكتمل في النهاية "الرسمه"، التي دومًا ما تروي الحقائق، لا يفقدون سخريتهم حتى إذا كان الواقع مريرًا. خلال انتخابات مجلس النواب التي تعاقبت على مصر، كانت رسومات الكاريكاتير ترصد المراحل المختلفة، من نهاية السبعينات وحتى ثورة يناير 2011.
في 7 يونيو عام 1979 تم إجراء أول انتخابات مجلس شعب يشارك فيها أحزاب، كان ذلك خلال حكم الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، وقد عهدت بعض الجرائد حينها إلى تسمية تلك الانتخابات بـ"الأخطر" على الإطلاق، غير أن الرسام والكاتب صلاح جاهين، عبّر عن ذلك بطريقته الخاصة بجريدة الأهرام.
رجلان يتحدثان لبعضهما، يقول أحدهما للآخر "تفتكر 30 "نايبة" مش كتير على البرلمان؟"، بينما رسم في صفحة أخرى رجل يبدو مفزوعا بعد أن فتح حنفية المياه ووجد كلمة "انتخبوني" تنزل منها، وأبدى سخريته من دعاية المرشحين كذلك، فقد رسم أحدهم يتحدث مع ناخب قائلا "وإيه يعني المرشح التاني خلاك تحلف له بالطلاق؟.. طلّقها وانا أجوّزك واحدة أحسن".
بالصفحة اليسرى كان جاهين دائما ما يرسم، أعلى الصفحة جهة اليسار، استمرت رسوماته حتى يوم الانتخابات، فقد رسم مرشحين يشرح أحدهما لزميله: "انا بوّزع فلوس ع الناخبين لكن ضميري مرتاح.. لأنها كلها مزوّرة".
خلال أيام ما قبل الانتخابات لم يرسم جاهين عنها فقط، بل تناول قضايا أخرى كمفاوضات السلام مع إسرائيل، مشاكل انقطاع التليفونات ولم ينس السخرية من معمر القذافي بعدما ألغى دراسة القانون في ليبيا.
جولة الإعادة بانتخابات 79 كان لها نصيب من خطوط جاهين، حين رسم رجلين يسأل أحدهما صديقه "طب نفرض جُم في الإعادة واتعادلوا برضو؟"، فيرد الآخر "كل واحد يصوب على مرمى التاني خمسة بينالتي!"، أما جولة استكمال الانتخابات في منتصف يونيو فقد تصادف وجاءت مع امتحانات الثانوية العامة وقتها، فتم تأجيل أحد المواد ليوم الجمعة بدلا من الخميس، فرسم جاهين ولد يقول "كانوا ينجحونا في المادة بتاعة انهاردة وخلاص بدل ما يشغلونا في الويك إند".
مجلة صباح الخير الصادرة عن دار الهلال، لم تغفل انتخابات الشعب 1987، إذ نشرت في عدد 9 إبريل تزامنا مع الإعادة، صفحتين بريشة الرسام "جمعة"، ظهر فيها رجلان يقول أحدهما للآخر "كنت فاكره مُستقل.. طلع مِستقل بينا"، وفي مساحة أخرى أعلى الصفحة تقف سيدة أمام ضابط شرطة وبيدها ساطور يقطُر دمًا، فتحكي له لماذا قتلت زوجها "يا بيه هو كان عايز يقطع نفسه 100 حتة عشان يلحق يلف الدايرة بتاعته وانا حققت له الحلم".
الرسام الراحل "رمسيس" أبدى رأيه في الانتخابات من خلال تلفاز رسمه يبكي من السعادة بعد انتهاءها، وحوله تناثرت أوراق كثيرة مرددا "زي ما اكون تعبان وارتحت"، فيما علّق "جمعة" على الإعادة بخطاط يكتب على لافتة "انتخبوا.. في الإعادة إفادة".
لم تهتم جريدة الأخبار اليومية كثيرا برصد انتخابات نوفمبر 2000، فرغم أن الرسام الراحل مصطفى حسين له مكان مخصص بآخر الجريدة، لكنه لم يأت على ذكر الانتخابات إلا مرات قليلة، أما عمرو فهمي فقد رسم أكثر من كاريكاتير على مساحة صغيرة، إذ ظهر في أحدها رجلان يسخران من أقوال المرشحين "الراجل إياه بيقول لأهل دايرته إنه بيدوب فيهم دوب"، فيرد الآخر "طبعا عشان بعد الانتخابات يبقى فص ملح وداب"، بينما يُحذر طفل والدته من ضربه في رسم آخر "عشان بقيت عضو برلمان وعندي حصانة".
في 29 نوفمبر 2010؛ نشرت جريدة الدستور اليومية على صفحتها الأولى "مأتم الديمقراطية في يوم دموي"، إلا أنها لم تعبأ داخل الأعداد السابقة لأيام الانتخابات بالتعبير من خلال الرسم، وكانت معظم الرسومات لعبد الله أحمد، إذ رسم في 19 نوفمبر صورة بالأبيض والأسود لضابط شرطة ضخم الجسد لكن جسده يبين ما خلفه وكُتب عليها "هي دي الشفافية ولا بلاش".
في 18 نوفمبر رسم "أحمد" كاريكاتير يظهر فيه مواطن مُمدد على الأرض ويبدو في حالة إعياء وفوقه كتب "دة مواطن مثالي.. انتخب وراح يعيّد في السراية الصفرا"، إذ توافقت تلك الأيام مع عيد الأضحى المبارك.
بوسط عمود يكتبه سليم عزوز كانت رسومات "أحمد" تُعبر عن انتخابات مجلس الشعب التي وُصفت فيما بعد بالأكثر تزويرا، رسم أحمد في ذلك العمود رجلين يضحك أحدهما فيما يخبر الآخر "وإيه يعني لو الوزرا يبقوا أعضاء مجلس شعب.. أهو نضحك شوية"، ورسم في نفس المكان، رجل يتحدث لنفسه "حزب وطني وكمان ديمقراطي.. يبقى لازم تشرب". بينما أسفل نفس الصفحة مواطن طويل ينظر للأفق ويقول "أيوة.. أهيه أنا شايفها.. الديمقراطية جاية من بعيد أهيه".
انتخابات نوفمبر 2011 والتي كانت الأولى عقب ثورة يناير، شهدت تفاصيل متباينة، أظهرها رسامو جريدة الشروق. محمود السعيد رسم رجال إسعاف ينقلون مُصابا مع جملة "طبّ ساكت.. ماستحملش الفرحة لما شاف صوته الانتخابي راح لنفس الشخص اللي اختاره"، فيما رسم وليد طاهر "عصافير" تحمل كلمة الديمقراطية لتضعها في الصندوق الانتخابي.
شهدت المرحلة الأولى من انتخابات 2011 تقدم التيار الديني، فرسم عمرو سليم شابين يبدو عليهما الحزن يقولان "تفتكر هييجي يوم ونقول ولا يوم من أيامك يا طنطاوي"، فيما يظهر في خلفية الصورة رجل يرتدي عباءة وله لحية طويلة، وعلق "سليم" كذلك على ما سمّاه "نكبة الوفد" في المرحلة الأولى بعد تراجع التصويت للحزب، فرسم السيد البدوي يتحدث في التليفون حزينا، ويقول "أنا بضيع يا بديع".
وليد طاهر بدا حينها متفائلا، إذ رسم مواطن "غلبان" يُفكر قُبيل المرحلة الثانية، ويردد عقله "انا هختار اللي.. اختارني"، ولأن تلك الانتخابات تزامنت مع أحداث محمد محمود التي راح ضحيتها 43 قتيلا ووقعت مئات الإصابات فقد رسم "سليم" صندوق وكتب بجانبه "الصندوق اللي قصادك دة كام عين راحت قصاده.. وكام شهيد وكام شهيدة.. ماتوا لجل ما تنزل سعادتك.. وتنزل سيادتك.. وتتسند أوي بالحصانة".
فيديو قد يعجبك: