نجيب محفوظ والأبنودي حاضران في وجدان الغيطاني
كتبت- نسمة فرج:
كلما تحدث الغيطاني في ندوة أو حوار تليفزيوني نجده يتذكر أستاذه نجيب محفوظ، يسرد حكاياته ونصائحه له، كما يتذكر رفيقه الشاعر الراحل، عبد الرحمن الأبنودي، في شجاعته عند مواجهة الموت، غير أنه لن يذكرهما مجددًا، فقد التأم الشمل، حيث ارتحل الغيطاني لرفيقيه.
جمعت بينهما أحياء القاهرة القديمة، أناسها ومقاهيها، أزقتها وحواريها، عشق الأدب وفن الكتاب، تنامت علاقتهما، التلميذ والأستاذ، الأديب جمال الغيطاني ومعشوقه المبدع "نجيب محفوظ"، هذه الكلمات كتبت في مقدمة كتاب "حينما يتذكر نجيب محفوظ".
نشأ الغيطاني في نفس المنطقة التي ولد فيها نجيب محفوظ، وعشقها، يقول صاحب التجليات إن الحارة عنده مختلفة تمامًا عن أستاذه، فالحارة في زمنه أصبحت تمثل الحضيض الاجتماعي، بينما كانت في فترة نجيب محفوظ لا تزال بها أسر باشوات، كان لها شكل أسطوري، هناك كان بيت الباشا يجاور بيت الفقير، والفرن، والقبو والدراويش.
أما الحارة في الخمسينات؛ فقد ترك الباشوات الحارة، وظلت فيها الفئات الصغيرة، فصاحب ملامح القاهرة عاش في حارة بها فقراء ومستورون، تختلف عن حارة نجيب محفوظ، الذي يعتبره أول من اكتشف القاهرة القديمة، كما اكتشف كولومبس أميركا وأضاف عينًا ثالثًا لرؤية المكان وبعده يأتي أخرون لكنهم يرون الحارة بشكل مختلف من وجهة نظرهم.
تعرف الغيطاني على نجيب محفوظ وهو في الرابعة عشر من عمره، ثم دعاه إلى مقهى، كان المقهى يرتبط حينها لدى الطبقة الشعبية بفساد الأخلاق، استمرت علاقته بنجيب محفوظ حتى وفاته حيث كان أقدم صديق له على قيد الحياة بعد رحيل توفيق صالح.
يقول الغيطاني إنه تعلم من أستاذه النظام الصارم والدأب، الذي وضعه لنفسه للكتابة، وذلك بسبب أن وقته لم يكن مخصصًا للأدب وحده، هي نفس ظروفه فقد بدأ رسام سجاد، ثم صحفي في أخبار اليوم، ووظفت موهبته حين عمل مراسلًا حربيًا في الجيش بعد الثورة.
يوضح الغيطاني أن مشروعه يختلف عن نجيب محفوظ، فالأستاذ الذي يخرج نسخًا منه ليس أستاذًا، ويعتبر أن نجيب محفوظ هو أمير الرواية العربية ومؤسسها الحقيقي.
رفيق المعتقل
"نحن في قرب نهاية رحلة، وعلاقتنا بتزيد خوفا من فراق أحدنا للآخر" هذه كلمات قالها الغيطاني قبل رحيل رفيقه الخال عبد الرحمن الأبنودي، ربطته بالخال علاقة قوية ونقية، تتميز صداقتهم بأنها صافية، وبنفس المستشفى-الجلاء العسكري- رحل صاحب دفاتر التدوين.
يحكى الغيطانى أنه من المواقف التي لا تنُسى مع الأبنودي؛ اعتقالهما بتهمة الانضمام لتنظيم شيوعي، حيث تم التحقيق معهما وتم حبسهما انفراديا، كل واحد على حد في القلعة، والأبنودي كان صانعًا للبهجة داخل السجن، كان يتغنى بالشعر والمواويل.
يصف الغيطانى الأبنودي بأنه ذاكرة الصعيد، يعرف حجره وشجره وناسه، وسجّل السيرة الهلالية في ٣٠ سنة، يري أن الخال قام بدور وزارة الثقافة بأكملها، مؤكدًا أنه قيمة كبيرة.
أما عن رحيل الأبنودي قال إنه رتب قبل كل شيء لرحيله، حتى أحضر زجاجة المسك، ومن يحضر جنازته ومن لا يأتي، علّق عن ذلك "لم أجد مثل محفوظ والأبنودي في مواجهة الموت".
وروى كيف أن مدير المستشفى الذي كان يعالج به الأبنودي، اشتكى منه لأنه كان يجمع كل طاقم المستشفى ويحكي لهم حكايات، كان يأكل ما يضر صحته مثل "الحمام" الذي كان يأتيه من الصعيد، قائلاً: ربما لا نتمكن من أكله ثانية.
فيديو قد يعجبك: