إعلان

السائرون في جنازة العندليب.. "وداع يا حُب يا أحلام"

09:18 م الثلاثاء 31 مارس 2015

كتب- محمد مهدي:

للوهلة الأولى لم يصدق أحد خبر وفاة عبدالحليم حافظ أثناء علاجه في فرنسا، جن جنون محبيه، تعالت الصرخات من المنازل، خرج بعضهم إلى الشوارع يهرولون بلا هدى، آخرين في شرفاتهم نظراتهم زائغة بكائهم لا ينقطع لكنه بلا صوت، الإذاعة والتلفزيون يُعلنان مراسم الجنازة، تخرج في الساعة الواحدة ظهرا من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، وبعد دقائق يُعدل الموعد إلى 11 صباحا للابتعاد عن فترة الذروة التي تزدحم فيها المواصلات، لن يحضر الرئيس محمد أنور السادات لكن الشعب كان هناك، ملتف حول مطربهم الأول، رفيق قصص الحب في الصبا، معشوق الفتيات، ونس المساء، الصوت الذي صار مع الوقت خلفية لأغلب مشاهد حياتهم. جاءوا يودعونه بأعداد غفيرة قُدرت بالملايين.

"أول ما عرفت ميعاد الجنازة.. مطيقتش أقعد في البيت. كان لازم أحضرها" يقولها "مجدي حسين" سائق تاكسي خمسيني، واحد من السائرون في جنازة العندليب، لم يستأذن والده وهو حينذاك لم يبلغ الـ 15 عاما، خرج من بيته والحزن يكسو ملامحه، ليجد عدد كبير من أهالي شارع الهرم تجمعهم رغبة واحدة وهي المشاركة في الجنازة " من الهرم لهناك مشوار كبير.. التحرير وقتها كأنه بلد تاني"، استقلوا حافلة تابعة لهيئة النقل العام- 8 بشرطة- امتلأ عن أخره فصعدوا على سطحه.

في الطريق الهادئ الخالي من السيارات، انشغل الركاب بسؤال مؤرق زاد من أحزانهم "إزاي هنصحى بكرة ومش هنلاقي حليم بيغني لنا"، عند وصولهم لكوبري قصر النيل فوجئوا بأن المكان لن يحتمل قدم أخرى "يا خبر أبيض على الناس.. أُمم وشكلهم وهما بيعيطوا يقطع القلب"، قفزوا من سطح الحافلة، انضموا إلى الجماهير الغفيرة، صاروا جزء من كُل يشغل ميدان التحرير بالشوارع المؤدية إليه بعد أن أُغلقت في وجه السيارات "ناس من كل لون. أكن البلد كلها كانت هناك".

أمام مسجد عُمر مكرم، وضع النعش الذي يحمل جثمان "حليم" المكسو بالعَلم المصري على سيارة مزينة بالورود، تقدمت الجنازة تشريفة عسكرية بحضور رئيس الوزراء-حينذاك- ممدوح سالم، وكبار رجال الدولة وأسرة العندليب، تحركوا بينما اشتعل الهتاف في الجنازة " يا حليم يا بديع.. مين هيغني في الربيع" وكلما ارتفع الصوت انهمرت الدموع من الحاضرين، لكن الحالة العامة للظرف لم تمنع النميمة والإشاعات "سمعنا إن حليم مكنش في النعش اللي ماشيين وراه عشان خطر عليه. وإنه مجرد خشبة فاضية".

مرت الجنازة من شارع صبري أبوعلم، المسيرة تمشي ببطء، المحال مغلقة، من ينظر إلى أعلى يجد فتيات يرتدين ملابس سوداء، أعينهم مُعلقة بمكان النعش، والبكاء يطغى على المشهد بثقل، "ناريمان أحمد" واحدة من اللاتي وقفن في الشرفات يقطر قلبها ألما على رؤية "حليم" في نعش "أول ما عرفت مكان الجنازة.. سبت شغلي في وزارة المالية من غير ما أقول للمدير وجريت عشان ألحقها" ذهبت إلى إحدى صديقاتها في شارع صبري أبوعلم لرؤية الجنازة "أضخم جنازة شوفتها في حياتي".

رغم تخطي عمرها الـ 60 عاما، إلا أن "ناريمان" مازالت تحتفظ بذكريات هذا اليوم رغم مرارته "سمعنا عن بنات انتحرت.. مقدروش يعيشوا مع حقيقة إنه مات"، لم تنتظر كثيرا في منزل صديقتها، نزلت إلى الجنازة، هتفت كما هتفوا، ضربت الهواء بيديها من الألم، لكنها لم تُكمل. لم تستطيع. هذا حدث لم يتحمله قلبها فخشيت أن تتصرف بحماقة "السواد كان في كل مكان. وكل ما الواحد يبطل عياط يلاقي حد جنبه بيبكي بحرقة فمتقدرش تمسك نفسك".

وصلت الجنازة أخيرًا إلى نهاية المطاف في حي البساتين بالقرب من مسجد الدندراوي "مقدرناش نحضر الدفنة من كتر الزحمة.. اكتفينا بالفُرجة من بعيد"، دقائق وانتهى كل شيء، تُرك "حليم" في مكانه الجديد، أُغلق المدفن، قُرأ ما تيسر من القرآن الكريم، صدح صوت شيخ بالدعاء للراحل ومن ورائه الحضور، ثم تركوا المكان. في طريق العودة قال "مجدي حسين" لنفسه "هأحكي لولادي في يوم أني حضرت جنازة مشفتش ولا هأشوف زيها تاني.. أصل دا عبدالحليم بردة مش أي حد".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان