فؤاد المهندس.. سفاح الكوميديا "بروفايل"
كتبت- دعاء الفولي:
نظارات لونها أقرب للأسود، إذا ما رفعها عن عينيه، صارت إحداهما مغمضة والأخرى مفتوحة كثعلب يتربص بأعدائه، حركات سريعة، وقفة ثابتة، سيجار، مسدس بالجيب الخلفي، يبدو شريرا، لازال مضحكا رغم هيبة مظهر "مستر إكس"، يظن المشاهدون أنه أخطر رجل في العالم بالدقائق التي يمثل فيها الدور، كما عرفوا "فؤاد المهندس" طيبا معظم الوقت، رأوه أحيانا نذل، هكذا تقتضي الدراما، لكنه لا يمت لواقع المهندس بصلة، ليس لأنه يخلو من العيوب، لكن لأن ممارسة الشر على الآخرين ما كان من شيمه، وإن كانت الجديّة تأخذه بأحيان كثيرة.
المهندس لم يكن ذلك الشرير الوسيم، لا تفتتن به النساء، كما أنه لم يكن أبله، لعب الأستاذ دور الشرير في أفلام معدودة، أبرزها سلسلة أخطر رجل في العالم، حين أصبح أكبر سنا شارك في فيلم "زوج تحت الطلب" مع عادل إمام، فكان رجل الأعمال الذي يساعد على إنهاء طلاق أصدقائه بجعل أحد موظفيه يتزوج زوجاتهم السابقات، أو في فيلم "خلي بالك من جيرانك"، إذ جسد الشخص المتسلط الذي لا يراعي حدود البيوت، تنوعت الأدوار، واختلفت سن المهندس بينها.
أدوار المهندس الأخرى كانت تجمع الشر والخير في شخصية واحدة، لم يجنح في تمثيله للإنسان الملاك، ففي فيلم "أرض النفاق" ظهر مغلوبا على أمره، تضربه زوجته "المفترية"، لكنه اختار فيما بعد أن يستخدم حبوب "النفاق" في تطويع الآخرين لرغباته، رضي أن يكون مع سرب الكاذبين لأنهم أصحاب سطوة ومال، كذلك الحال بفيلم "مطاردة غرامية" الذي كان فيه البطل المحبوب لدى النساء، ويستغل اختلافهم وحبهم له طوال الفيلم، حتى يقرر في النهاية بعد درس قاسي أن يبقى مع "شويكار" حبيبته المصرية.
كان المهندس ينظر لأولاده "محمد وأحمد" مرة واحدة ليعلموا أن العقاب قادم، دون أن يمسهم بسوء، له من قوة الشخصية ما يجعله مسيطرا على خشبة المسرح، حالة الجد على وجهه لازمته خارج التمثيل، لكن ذلك ليس له علاقة بالشر، وفي محمود المليجي مثال، فقد اعتاد أداء أدوار مركبة، كرهه الكثيرون فيها، لكنه في الحقيقة كان وديعا، حتى قال عن نفسه إن الخوف يعتريه إذا ما مرت بجانبه هرة، كذلك المهندس الذي كان يتحول إلى صغير يلهو بمجرد جلوس طفل بجانبه، سواء في الواقع، أو على المسرح، كما حدث مع "جاد" الابن الأصغر، بمسرحية "إنها حقا عائلة محترمة"، مشاغبا إياه بـ"المصاصة"، فمع بداية ذلك المشهد، سقطت عنه شخصية الأب المسيطر الذي يقمع أحلام أبناءه.
من الكوميديا وإليها يعود، هي الأصل في أدوار المهندس، سواء أكان شريرا يقتل أو طيبا، لم يدعِ على نفسه يوما شيء غير أنه كوميديان باقتدار، أخذ في اعتباره عدم المبالغة في دور الشرير، فلا تظهر دماء أحدهم على الشاشة، لأن المشهد سيفقد سخريته لدى المشاهدين، أما ما يبرز براعته بشكل أوضح هو وجود مُخرج ذكي، يعلم جيدا مكمن قوة الممثل، فيقدمها مهما كانت نوعية الدور.
حذاء نصفه أبيض والآخر أسود، هكذا كانت علامة القاتل بفيلم "سفاح النساء"، أراد المهندس أن يحصد شهرة واسعة فقرر أن يكون هو السفاح، لكن وجهه الجدي كان كوميديا كذلك. حاول كاذبا أن يشرح كيف قتل حبيبته وأقنع المحيطين، لكنه لم يجعل المشاهدون يتوقفون عن الضحك، حتى السفاح الحقيقي كذلك كان ذو هيئة مضحكة، يعشق العرائس اللعبة، ويهدأ بمجرد سماع أغنية "ماما زمانها جاية"، فمحور أفلام "المهندس" كان الضحك وإن ظهر الأستاذ شريرا أو شخصا عاديا.
بين الفيلم والمسلسل والمسرحية ثمة شيئا مؤكدا على المستوى الفني، أن المهندس كان يؤدي دور الشرير "كدة وكدة"، فهو وسيلة أخرى بيده للإضحاك، صوته المميز كان أداة أيضا، أحباله الصوتية نغمة تتلون كيفما يشاء، حينما يجسد مستر إكس؛ يُلقي جملة جادة على سمير صبري، مُهددا حياته، قائلا: "وهيبة إز يور مازر"، فيضحك المتفرجون رغما عنهم.
تابع باقي موضوعات الملف:
"عمو فؤاد".. 7 حالات لـ"ملك الانبساط" (ملف خاص)
فؤاد المهندس.. الله الوطن المسرح (بروفايل)
''فؤاد المهندس'' حكيمًا.. فتش عن التربية و''الريحاني''
الغناء في مدرسة "فؤاد المهندس".. شيء لا يصدقه عقل
فؤاد المهندس.. ''قلبه الغاوي قارة واحدة''
ما بين فؤاد المهندس والحزن "كلمتين وبس"
فؤاد المهندس.. للإبداع أكثر من إطار
فيديو قد يعجبك: