إعلان

"أبو عمار".. ابن التاجر مُفجر ثورة لم تجن ثمارها - (بروفايل)

10:43 م الثلاثاء 04 أغسطس 2015

القائد الفلسطيني ياسر عرفات

كتب - محمد شعبان:

استيقظ من نومه مبكرًا كعادته، جلس ينظر إلى السماء من شرفة منزله المحاصر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتذكر حُلمه الذي طالما دعا الله أن يتحول لحقيقة أن "يأتي يومًا ويرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس ومآذن وأسوار القدس الشريف".

أعد مستلزماته الشخصية وخاصة نظارته السوداء وكوفيته الشهيرة، فتح دولابه الخاص ليختار بدلة يرتديها خلال سفره للعلاج بالعاصمة الفرنسية باريس، بعدما وافق على نصيحة الأطباء بضرورة إجراء مزيد من الفحوصات الطبية بعدما تدهورت حالته، كل هذا لمواصلة رحلة الكفاح نحو استقلال بلاده من المحتل الغاشم.

خرج القائد الفلسطيني، ياسر عرفات، بن حي السكاكيني بالقاهرة، ليجد المئات بل الآلاف من محبيه الذين حرصوا على تحيته لأنها قد تكون الأخيرة، ظهر بصلابته المعهودة برغم من تدهور حالته نفسيًا وجسمانيًا، ولوح لهم للمرة الأخيرة ولسان حاله: "يريدونني إما قتيلاً وإما أسيراً وإما طريداً ولكن أقول لهم :شهيداً...شهيداً...شهيداً".

لم يفكر في كم يتبقى له من العمر في تلك الحياة الدنيا، كل ما يشغله هو "فلسطين"، فقد عُرف عنه التقشف والتواضع، الورع الديني كان عنوان حياته، فكان دائمًا ما يستشهد خلال خطاباته الرنانة بآيات من القرآن الكريم، فهو صاحب المقولة الشهيرة: "إن ثورتكم هذه وجدت لتبقى، وستنتصر طال الزمان أم قصر".

تم نقل الزعيم الثوري إلى الأردن على متن طائرة مروحية ومن بعدها إلى مستشفى بفرنسا، وظهر على شاشة التلفاز مصحوبًا بطاقم طبي، وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به، وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا، وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر عام 2004.

وتضاربت الأقوال كثيرا في وفاة ياسر عرفات، وفي عام 2012، كشفت تحقيقات صحفية عن وجود مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية له استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته.

وُلِد محمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني، الذي اشتهر فيما بعد باسم ياسر عرفات أو أبو عمار، كما يُرجح في القاهرة في أغسطس 1929، بعدما اختلف المؤرخون حول تاريخ ميلاده ما بين 4 أم 24 أغسطس، لكنهم لم يختلفوا على قيمة وقامة ذلك المناضل العظيم، وهو الابن السادس لأب كان يعمل في التجارة هاجر إلى القاهرة عام 1927 وعاش في حي السكاكيني.

درس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقًا.

شارك "عرفات" مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الخمسينات، وأصبح ناطقًا رسميًا باسمها في 1968، وانتُخِبَ رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969.

وجاء عام 1974، ليكون نقطة فارقة في حياة المناضل العظيم، بعدما ألقى كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة "جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد، وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".

وقاد "أبو عمار" خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي ضربته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يومًا، انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وحين سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن محطته التالية، أجاب :أنا ذاهب إلى فلسطين".

كان شغله الشاغل هو تحقيق السلام القائم على الحق والعدالة، فلم يكن يطلق قذيفة بهدف القتل أو الإيذاء، وإنما تحقيقًا لحلم أو دفعًا لبلاء ما هو في مصلحة الشعب الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

ووافق المجلس المركزي الفلسطيني على تكليف ياسر عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية المستقلة في أبريل 1989، ولدفع عملية السلام أعلن عرفات أوائل عام 1990 أنه يجري اتصالات سرية مع القادة الإسرائيليين بهذا الخصوص.

وفي القاهرة عام ،1994 وقع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين على "اتفاق القاهرة" لتنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، وعاد إلى غزة بعد 27 عاما قضاها في المنفى، رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في يوليو 1994.

وأعلن "أبوعمار" في 8 يناير 2001 رفضه للمقترحات الأميركية التي قدمها الرئيس بيل كلينتون للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحويل القدس إلى مدينة مفتوحة فيها عاصمتان واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين.

وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بعد أن تم تشيع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبه عرفات قبل وفاته.

رحل ياسر عرفات عن عالمنا، تاركًا فلسطين بلا شخص يستحق ارتداء كوفيته الشهيرة، لتمده بروح النضال والكفاح الثوري ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي من أجل صلاة ينتظرها المسلمون كافة بالمسجد الأقصى، وفوقه علم فلسطين يرفرف عاليًا كما حلم "أبوعمار".

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان