بالصور: "صنع في البيت".. مرآة تعكس أوجاع النساء
كتبت - يسرا سلامة:
"يا دنيا البلاستيك الجميلة، خذي جسدي المترهل.. وامنحيني جمال جسدك الناعم".. بهذه الكلمات، قدّمت المصورة الشابة هبة خليفة مشروعها "صنع في البيت" على كنبة تاون هاوس، بوسط البلد.
يحكي المشروع عن كل فتاة وسيدة في مجتمعنا، لديها حكاية تستحق أن تُروى، تبدأ من الطفولة ثم المراهقة، بوادر الأنوثة التي تصاحبها تخوفات عدة، موروث يتناقل بين أفراد مجتمعنا، فكم سيدة عربية تملك سلطانًا حقيقًيا على جسدها؟ وكيف تفكر صاحبات التاء المربوطة في أنفسهن؟ هذه الأسئلة وأكثر، جسدت هبة أجوبتها في مشروعها.
لا يقف "صُنع في البيت" عند حدود الصورة، لكنه يستخدمها للتعبير عن تلك الحالة بين السيدات وأجسامهن، الفكرة بدأت لدى هبة منذ عامين، وعندها قررت أن تنشئ مجموعة (جروب) على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لتتحدث فيه مع فتيات وسيدات من أعمار مختلفة عن مخاوفهن، التي لا تتوقف عند التحرش فقط، بل تصل إلى حد اختفاء المساحة الخاصة أو الحميمية للمرأة حتى في بيتها، نظرًا لتسلط الأهل ونظرة المجتمع التي لا ترحم، وسيل من التوجيهات والأسئلة التي توخز هؤلاء الفتيات وتشعرهن بالعبء طوال الوقت "مينفعش تلبسي كده انتي بنت، هتتجوزي امتى؟ هتخلفي امتى؟ هتخاويه امتى؟ مش تحافظي على نفسك شوية؟".
في بداية المشروع، اقترحت هبة على الفتيات التصوير في بيوتهن، ولكن بعضهن رفضن ذلك، فخصصت في بيتها غرفة لتصويرهن وهيأتها لتصبح استوديو صغير، ثم عرضت الفكرة على عدد من السيدات، فأقبلت عليها سيدات من تجارب متنوعة وأعمار مختلفة "من هنا فكرت أعمل مشروع عن علاقة الستات بجسمهم في البيت"، هكذا أوضحت هبة.
عدة علاقات كشفتها هبة للسيدات بأجسامهن، فقبل التصوير، كانت تجلس مع الفتاة أو السيدة، لتحكي عن حياتها، وكيف ترى نفسها، وكيف يراها المجتمع، حكايات متعددة تذهب فيها إلى ما هو أبعد، ربما تكون قصة تحرش وقعت للفتاة، لكن من خلفها قصة أكبر، ومن كل قصة تبرز فيها العنصر الأكبر الذي جعل جسدها عبئًا، فهذه فتاة قبل زواجها طلب منها خطيبها إجراء عملية تجميل، فتركته، وأخرى قاربت الستين ولم تنجب، وتعاني من نظرة مختلفة، وهذه فتاة تعمل بالهندسة تعرضت لسُبة من أبيها لأنها ترجع من عملها متأخرة.
جميع المشاركات في "صنع في البيت" ارتدين "بادي كارينا"، الزي الذي يحوي مواد بلاستيكية يشعر السيدات بالخنق والكتمان، لكنه رسالة مُعبرة رأت فيه هبة الوسيلة الأنسب، كانت فكرة المشروع التجريدية ترى في هذا الزي وطريقة ارتدائه رسالة توضح مدى العبء الذي يحملنه هؤلاء المشاركات، فهناك فتاة حبست نفسها بالكامل في الكارينا، قائلة: "أنا حاسة إني بكره جسمي ومش عايزة أظهر"، تسرد هبة قصة الصورة التي لم تعرضها ضمن مشروعها.
"أكتر شيء حسيت إنه إنجاز في المشروع إن الفن ممكن يمد الناس بالشجاعة".. تحكي هبة أن عددًا من الفتيات رفضن التصوير في البداية، لكن المزيد من الحكي منحهن شيئًا من التحرر، فبدأن في التصوير، بعدة مواقف تناسب حكايتهن، الأمر استغرق أيامًا بل أسابيعًا والتقاط عدة صور من أجل صورة واحدة، المشروع ككل اتخذ عامين منذ بدء التفكير وحتى انتهاء التنفيذ، "بعتبر إنه انجاز إني أم وحيدة ومعايا بنتي ورد، وبشتغل 6 أيام في الأسبوع".
من كل سيدة في مشروع "صنع في البيت" تخرج أفضل عبارة لترفق بصورتها، تحلم هبة أن يتحول المشروع إلى كتاب أو معرض، لكن ذلك يحتاج إلى الدعم المادي، عدد من الفتيات أيضًا عقب الجلسة رفضن نشر الصور، فاحترمت هبة رغبتهن "أنا عارفة إني بعمل مشروع له علاقة بالخطوط الحمراء، ومش متوقعة إن كل الناس تكمل للنهاية"، إحدى هؤلاء المشاركات حدثت مشكلة مع أهلها، فطلبت عدم نشر الصورة، تقول هبة: "وقتها مزعلتش لكن عرفت إن مجرد صورة ممكن يكون ليها تأثير كبير، وإن مشاعرنا المحبوسة ممكن مجرد التعبير عنها يفرق كتير".
لم تستعن هبة بأي من برامج تعديل الصور، أحيانًا كانت تستعين بالرسم بالكولاج لإدخال عناصر أخرى على الكادر قبل التصوير، كقصة فتاة عن خوفها من الفراق استعانت فيها بطبع غراب بحجم كبير، في إشارة إلى رمزية "غراب البين" الذي يدل على الفراق، تخرج من قصة الفتاة عناصر أخرى ترسمها على الحائط، أو تستعين بمواد أخرى لتعبر عن الصورة، غرس دبابيس في جورب فتاة أخرى لتعبر عن الوخز المستمر في قدميها، أو مانيكان بلاستيك للتعبير عن المجتمع الذي يسعى للكمال، وتصمم هبة على عدم ذكر أسماء هؤلاء الفتيات أو الإفصاح عن أي تفاصيل عنهن، حفاظًا على خصوصيتهن.
أصبحت هبة أيضًا جزءً من مشروعها، كمشروعها السابق "من الداخل". بصورة لها مع ابنتها، تشعر أن ورد ابنتها الوحيدة جزءً منها، وكأنها امتداد لمرحلة الحمل، لا تدرك من الوهلة الأولى للصورة أن ابنتها ورد جزءً منها، وأن الابنة تحد أحيانًا من حركة الأم منفردة كما في الواقع، "وجدت في كل قصة حتة مني، مريت عليه أو حسيت بيه في يوم من الأيام".
فكرت هبة من قبل أن تنفذ مشروعًا شبيهًا على الرجل، "أنت ممكن تلبس بادي كارينا وتحكي؟"، سؤال طرحته على أحد أصدقائها من قبل، فرد عليها: "لا خليكي في الستات أحسن"، تعتقد المصوّرة الشابة أن العلاقة بين الإنسان وجسمه تحتاج لمزيد من التأمل، لا يقف مشروعها عند حدود النساء، "أعتقد دي حاجة عالمية.. ناس كتير عندهم هوس الجري ورا الموديل، وكلنا نملك قصص شبيهة عن أجسامنا، لكن ما اتعودناش نتكلم عليها، بنتكلم حواليها دايمًا".
ورغم اختيار هبة بضع نماذج لضمها لمشروعها، إلا أن عدد من النساء الأخريات أرسلوا لها ثنائهن على المشروع، ومنهن أيضا خلال جلستها بـ"روابط" بالأمس، ليجدن في المشروع إنه انعكاس لدواخل النساء، وليس فقط المجموعة الممثلة في المشروع.
فيديو قد يعجبك: