لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"بلادي" في أسبوع الجلسات.. بدأ بالأمل وانتهى باستمرار الحبس

07:43 م الخميس 24 نوفمبر 2016

قضية "مؤسسة بلادي"

كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:
في تمام التاسعة صباحا، السبت المنصرف، تواجد مجدي محمود، أمام محكمة عابدين في انتظار لحظة وصول ابنه كريم قبل جلسة محاكمته وستة أخرين في قضية "مؤسسة بلادي"، فيما توافد الأصدقاء ليحظوا بنصيب من رؤية الرفاق، وسط انتشار أفراد الأمن وقوات الحراسة. أجواء انقطع عنها الأب قبل 6 أشهر، منذ إحالة القضية إلى نوفمبر الجاري، لتعود على مدار أسبوع، لا جديد فيه بعد تأجيل الجلسات مرة أخرى إلى ديسمبر المقبل، إلا لقاء الأهالي وأبنائهم لأول مرة بشكل يومي منذ احتجازهم قبل عامين.

"مؤسسة بلادي" جمعية أهلية تحت الإشهار، لها مشاريع خدمية منذ عام 2013 حيث أنشأت، منها مبادرة عن النظافة وضد التحرش، ثم قرروا تنفيذ مشروع لإعادة تأهيل ودمج أطفال الشوارع واستهلوا به مطلع عام 2014 تحت اسم "جزيرة الإنسانية.. أولاد شوارعنا".

في 31 إبريل 2014، داهمت قوات الأمن مقر جمعية أهلية تحت الإشهار باسم "مؤسسة بلادي"، في شارع محمد محمود بمنطقة التحرير، وألقت القبض على مَن فيها: 18 طفلا وأية حجازي ومحمد حسانين مؤسسي الجمعية، وأميرة فرج وشريف طلعت، متطوعين بالجمعية.

باليوم التالي، تداولت الصحف خبر "القبض على أكبر شبكة للاستغلال أطفال الشوارع في المظاهرات"، إذ انتقلت قوة أمنية من مباحث قسم عابدين ومباحث رعاية الأحداث برئاسة العميد خالد عبد العزيز لمقر الجمعية، وتم توجيه سبع تهم منها الاتجار بالبشر، واحتجاز أطفال وهتك أعراضهم.

1

أمام أحد الشوارع المؤدية إلى المحكمة انتظر الأهالي اليوم الخميس. الصمت يلف المكان. لا تصدر منهم حركة إلا عندما تأتي سيارات الترحيلات تحمل الأبناء. خطوات سريعة يقطعها الواقفون. والدة محمد سيد-أحد المحبوسين- تترك الجمع منتظرة في الطريق الواصل للمحكمة والذي يمر منه الشباب، كي تختلس من ابنها حُضن رُغما عن الضابط.
 
"أحنا تعبنا من مشوار كل يوم لكن رؤية ولادنا كانت مفرحانا ومفرحاهم" قال والد كريم، بينما تتابع عيناه قدوم إحدى عربات الترحيلات الزرقاء، علها تحمل ابنه داخلها، فيما اكتفت والدة محمد حسنين بإيماء رأسها وأثار دموع تملأ عينيها.

طيلة الأسبوع زاد تعلق والد كريم بالأمل "بصحى أدعى ربنا يكون النهاردة الحكم ويخرجوا". ساعات عصيبة تمر خاصة مع نهاية أسبوع المحاكمة "شوفنا العجب الأيام اللي فاتت.. ناس متهمة في قضايا مخدرات وسرقة بياخدوا براءة" حسب قول مجدي.

2

بين الأعناق المشرأبة اتجهت عينا نور عطا، إلى عناصر الأمن الذين يُطوقون المكان. بخطوات مترددة اتجهت لأحد أمناء الشرطة، قبل أن تقول بنبرة هادئة: "عايزين ندخل الأكل دة لو ينفع واعتمادنا عليك". ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه الشُرطي ووعدها بتلبية مطالبها في استراحة الجلسة.

قبل أن تتضامن نور مع القضية، كادت أن تُصبح أحد أطرافها، إذ جمعتها علاقة صداقة بمحمد حسنين، وترددت على المؤسسة من وقت لآخر، ما جعل سيرتها تأتي في اعتراف أحد أطفال الجمعية "الولد قال للضابط إني صورته عشان يغير أقواله ويقول إن محمد بريء"، وعقب مرور 3 أشهر على حبس آل الجمعية، تم القبض على نور من منطقة وسط البلد بُصحبة أخيها الصغير (12 عاما).

داخل قسم عابدين مكثت الشابة يومين "شفت ضرب وإهانة وأنا معملتش حاجة"، وفي النهاية طلب منها الضابط أن تتصل بأشهد عبد ربه ليأتي للقسم، إذ أنه أحد أعضاء مؤسسة بلادي، وتحت التهديد اضطرت لفعل ذلك "وبعدين لما أشهد جه اتضرب هو كمان والضابط قاله هات اتنين يضمنوك ولما كريم ومحمد السيد جم اتاخدوا  هما كمان في القضية وهما ملهمش دعوة".

كان ذلك بعد نحو  3 أشهر من القضية، حين انضم الشباب الثلاثة إلى القضية رقم 4252 سنة 2014 جنايات عابدين، والتي تم تحويلها إلى محكمة الجنايات المختصة بدائرة محكمة استئناف القاهرة في سبتمبر 2014، وظل تداول الجلسات حتى 21 مايو المنصرف، إذ تم تأجيل القضية إلى السبت 19 نوفمبر الجاري.
 
3
جلسات قضية "مؤسسة بلادي" سرية، لا يحضرها إلا المحامون. في ساعات الانتظار الطويلة، ينقسم جمع الأهالي؛ ترفض الأمهات الحديث إلا بقليل من كلمات، أغلبها دعاء، فيما يهم أخرون بالحديث، كأنما كانوا بانتظار مَن يعينهم على مرور الوقت، حال والد كريم.

أخد الأب يسترجع مآل ابنه، الشاب ذو التاسعة والعشرين ربيعا، أتمها بسجن طره، مندوب مبيعات بإحدى شركات الأدوية، لم يكن لديه وقت إلا للجمع بين وظيفتين، أما الفراغ إن وُجد اختص به زوجته وابنه، حتى الثورة لم يشارك بها حسب قول والده، جمعته صداقة بـ"حسنين" منذ المرحلة الثانوية، أهمه ما وقع لجاره وصديقه حين قُبض عليه، أراد التضامن معه بإظهار حقيقة سجنه فلحق به.

لم يكتف والد كريم بالحديث عن ابنه، يستفيض في ذكر صفاته، لكن سرعان ما يعرج لذكر رفاق السجن مع ولده، فيحكي عن محمد السيد  الموظف الإداري مَن يشبه كريم حسب قوله "فوله واتقسمت.. مالوش في أي شيء"، وشريف طلعت مَن يهوى الرسم، وأشهد طالب جامعة الأزهر الذي لم يتاح له إكمال دراسته، وأميرة التي يشتد مرضها داخل السجن.

4

بين حين وآخر تعود قضية "بلادي" للضوء؛ في سبتمبر الماضي أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، حوارا مع قناة pbs الأمريكية، واستشهد المُذيع بقضية آية حجازي ومؤسسة بلادي على ما أسماه "القمع في مصر"، لكن رد الرئيس جاء بأن التعامل مع القضية يتم في إطار قانوني. بينما اتسعت رقعة الاهتمام بالمحبوسين على ذمة القضية خلال الأسابيع الماضية، حينما تحدثت عدة صفحات على موقع فيسبوك عن تدهور الحالة الصحية لأميرة فرج-أحد المحبوسين- التي تُعاني من قرحة شديدة في المعدة.

في السبت الماضي جاءت والدة أميرة من الإسكندرية إلى القاهرة لحضور الجلسة، غير أن قرار القاضي بعودة المتهمين في اليوم التالي جعلها تعود إلى الإسكندرية، لاسيما وأنها تُعاني من مرض السرطان. ظنت الأم أن الحكم سيكون الأحد لُتفاجئ بقدوم المحبوسين من سجن القناطر وطرة صباح الاثنين، مما اضطرها للمكوث بالقاهرة.

الوقت يمر، المتهمون داخل قاعة المحاكمة، فيما يتوافد الأصدقاء المتضامنون، باتت الجلسات موعد لقائهم. مستندا على عكاز جاء محمود محمد المعروف باسم "معتقل التيشرت"، المفرج عنه قبل أشهر، أحضر بعض أشياء يرغب فيها المحتجزون "كورن فليكس وورق رسم لشريف"، يتبادل الجميع الحديث، يريهم محمود رسم أعده لأية وحسنين، يقفون طويلا ثم يجلسون وقت مقارب وقت مداولة الجلسة.

5

12 شاهد طالبت النيابة باستدعائهم، لم يأت منهم إلا 4، فيما تقدمت اللجنة الفنية بتقريرها عما ورد إليها من مقاطع مصورة تتهم المحتجزين بما منسوب إليهم، غير أن مع نهاية أسبوع الجلسات المتواصلة رفضت النيابة حصول المحامين على التقرير الفني وأي من أوراق القضية حسب قول أحد المحامين الشاهدين للجلسة.

ذلك الأسبوع هو الأكثر إرهاقا على عقل أم أميرة. راودها الأمل يوميا، وهزمها الخوف بمجرد رؤية الابنة "حالتها تعبانة جدا وبترجع دم". ما أن تذهب لمحيط المحكمة حتى تسأل المحامين لعل أحدهم يُعطيها جوابا شافيا، لكن اليوم تعود السيدة إلى الإسكندرية خالية الوفاض، تنفلت حبّات صبرها التي جمعتها خلال عامين، بعد تأجيل القضية للمرة السابعة إلى 17 ديسمبر المقبل واستمرار حبس المتهمين.

اقرأ أيضا:

مصراوي يتتبع حال أبناء ''جزيرة الإنسانية''.. أين ذهب ''عيال بلادي''؟(تحقيق)


فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان