من البيت إلى الشارع.. مصير أسرة مدينة نصر في يد الدولة
كتب- محمد زكريا:
قبل أيام قليلة، أضاء البرق السماء، ضجّت القاهرة برعد شديد، بداخل بناية بمنطقة عزبة العرب بحي مدينة نصر، انزوت أسرة كريم سيد بمطبخ المنزل، احتضنت الزوجة طفلها الرضيع، أحاط الزوج بابنيه الذي لم يتعد أكبرهما 6 سنوات، وفيما سيطر على الأم هاجس سقوط البناية التي يسكنها 6 أسر، سرح سيد في قرار الحي بهدم البيت بعد إخلائه من مقيميه.
مع بداية الألفينات، اشترى والد سيد أرض منزله القابع في شارع السلام، بموجب عقد ابتدائي غير موثق بالشهر العقاري، وخلال 5 سنوات شرع سيد في بناء أدوار بنايته، قبل أن يحرر حي غرب مدينة نصر محضر بالتعدي "كنت باني من غير ترخيص، اتحكم عليا بغرامة 48000، وبعد الاستئناف دفعت 5000 جنيه"، وفي العام 2008 صدر حكم بالبراءة من المخالفة "وطول السنين اللي فاتت الحكومة بقيت تحصل مني مياه ونور".
منذ حوالي العام ظهر لسيد أن "البيت بيميل شوية بشوية"، استعان موظف أمن جامعة الأزهر بعدد من دارسي الهندسة "واحد منهم نصحني أشيل دور.. سمعت الكلام وهدّيته"، غير أن ذلك لم يحل الأزمة "كل يوم الميل بيزيد، وكل يوم عايش في رعب إن البيت يتهد على نافوخ عيالي"، لذلك قرر صاحب الـ32 عامًا تقديم شكواه إلى محافظة القاهرة قبل 3 أشهر.
قبل شهرين، وصل عمل موظف الأمن مكالمة هاتفية من زوجته، أخبرته ببدء الحي في عمل المعاينات "وهما بيقيسوا لقوا عمارتين كمان فيهم مشكلة"، صُنف حال منزل سيد في مرتبة "خطورة داهمة"، لذلك اتخذ الحي قراره النهائي بإزالة البناء بعد إخلائه من ساكنيه، وهو ما أطاح بالأمان الساكن في عقل الرجل الثلاثيني "أنا معنديش مشكلة يزيلوا العمارة، بس يوفرولي بديل؛ ما هو مش معقول أسر 6 بيوت تنام في الشارع".
البحث عن بديل آمن، دفع كريم التوجه صوب محافظة القاهرة، تابع بدقة حوار دار بداخلها "موظف تسكين المحافظة قال لموظف الحي: وفرّلهم سكن في دار أيتام أو دار رعاية، رد عليه موظف الحي: أنا اول مرة أسمع حاجة زي دي"، لم يستطع كريم تمالك أعصابه "صوتي علي، الموظف قالي متعليش صوتك، قولتله أنا عايز أدخل لرئيس الحي، راحوا نادولي الأمن"، بعدها تم منعه من دخول أبواب المحافظة.
تم عرض الأمر على محافظ القاهرة، والمستشار القانوني له، إذ تقرر إزالة البناية الآيلة للسقوط، بعد إخلائها من ساكنيها حفاظًا على أرواحهم، بعدها تُقرر المحافظة مدى استحقاق المواطن للتعويض من عدمه، بعد دراسة وفحص المستندات المطلوبة، حسبما يقول منيع عيسى، مدير الإسكان بحي غرب مدينة نصر.
ويردف عيسى، أن المنطقة العشوائية الممتدة من شارع السلام حتى شارع المنشية بمنطقة عزبة العرب بمدينة نصر، هي أملاك للدولة، قبل أن يضع الأهالي أيديهم عليها قبل سنوات.
ويضيف عيسى أن البناء على الأرض منذ البداية كان بمثابة "اغتصاب لحق الدولة". بينما يرد سيد بكلمات غاضبة: "أنا مالي، في حد وضع إيده على الأرض، وأنا اشتريتها.. ولو الأرض عليها تعديات، ما الدويقة كلها تعديات واما زالوا البيوت نقلوا الأهالي الأسمرات".
فيما يؤكد مدير الإسكان بالحي في حديثه لمصراوي، أن المواطن كريم سيد لا يملك أي مستندات تُثبت أحقيته في الأرض "مفيش شراء وكلامه مش مظبوط"، بنص تعبيره. ناصحًا المواطن باستئجار سكن بديل.
تحمل أعباء السكن بالإيجار، رفاهية لا يقدر عليها موظف الأمن "بقبض 1050 جنيه من الأزهر، وشغال في شركة أمن بعد العصر بـ850 جنيه.. هجيب مصاريف الإيجار منين؟"، وما يزيد هم الرجل الثلاثيني ارتفاع الأسعار بشكل مستمر "كفاية مصاريف عيل في مدرسة، وطفلين بيلبسوا بامبرز"، كما يؤرق سيد مصير والديه وأقاربه "أبويا وأمي عايشين بمعاش 320 جنيه، هيسكنوا فين؟، وعمتي الكفيفة هتعيش إزاي؟، هيموتوا". لذلك لم يبق للأسرة الفقيرة إلا استعطاف المسؤولين.
فيديو قد يعجبك: