لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أطفال غزة يستغيثون.. التحويلات العلاجية "كارت قاتل" في يد الاحتلال والسلطة

04:43 م الأحد 02 يوليه 2017

الرضيعان زين الجيش ورشيد الحديدي

 

كتب- إشراق أحمد:

في السادس والعشرين من يونيو المنصرف، لفظ براء محمد غُبن أنفاسه الأخيرة. ستة أيام هي عمر الرضيع في الحياة، انتظر فيها نقله من مستشفى الشفاء في غزة إلى المقاصد في رام الله، حيث تتوفر إمكانيات علاجه من انسداد شريان في القلب، لكن الموت كان أسرع من وصول التحويلة العلاجية التي بلغت والد الطفل بعد ساعات من وفاته.

رحل براء وطفلان أخران خلال 24 ساعة، فيما ينتظر الرضيعان زين الجيش ورشيد الحديدي مصيرهما، ضمن 1720 مريضًا في غزة يحتاجون التدخل الطبي العاجل، في ظل تأخير التحويلات العلاجية من ناحية، وغلق المعابر من ناحية أخرى كما قال أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة لمصراوي. 

بلهفة أخذ محمد غُبن يِعِد الأيام لاستقبال مولوده الثاني، لم تسع الدنيا فرحته بتأكيد ولادة الصبي يوم 20 يونيو المنقضِ في مستشفى مجمع الشفاء، إلا أن صحته ما كانت بأفضل حال "الساعة 10 صباح اليوم التالي عرفنا إن عنده انسداد بأحد شرايين القلب" انزعج غُبن خاصة أن الإمكانيات الطبية للقطاع المحاصر لا تستوعب مثل تلك الحالات، لكن عزّم الأطباء وسعيهم لسرعة إنهاء إجراءات نقل الرضيع طمأنته نوعًا ما "الساعة الواحدة ظهرًا وصل ملف براء لرام الله بإشارة إنه عاجل جدا".

انتظر الطاقم الطبي وأسرة الطفل التحويلة العلاجية باليوم التالي على أقصى تقدير، لكن الرد جاءهم بعد التأخير والاستفسار بأن "التحويلات العلاجية متوقفة لأهل غزة" كما قال الأب لـمصراوي.

حصار السلطة أم الاحتلال

يتم التحويل العلاجي في غزة، بدايةً من إقرار الأطباء أن حالة المريض تفوق القدرة الطبية للقطاع المحاصر، ومن ثم وجب نقله إلى الخارج سواء إلى مشافي الأراضي المحتلة أو دولة أخرى، وفقًا للقانون الفلسطيني الذي يخصص 34% من موازنة وزارة الصحة –مقدرة بنحو نصف مليار دولار سنويًا- للعلاج خارجيًا كما أوضح المتحدث باسم وزارة الصحة.

وتقوم المستشفى بطلب نموذج رقم 1، أو الاستمارة الأولى لطلب التحويل كما قال القدرة، وتقدمها بعد ذلك إلى دائرة العلاج بالخارج في رام الله، لتُشكل الأخيرة لجنة للمصادقة على التحويلة وإعادتها إلى المستشفى لتجهيز خروج المريض.

أما الخطوة الثانية، تكون برفع تلك التحويلة إلى الاحتلال الإسرائيلي عبر مكتب الارتباط والتنسيق التابع للسلطة الفلسطينية من أجل الموافقة الأمنية "وهنا يخضع المريض وأهله للمساومة والابتزاز وربما الاعتقال" بحسب المتحدث باسم وزارة الصحة، الذي أكد لمصراوي أن حالات الوفاة المشهودة لم تصل أوراقها لهذه المرحلة "فالتحويلات لم تخرج من رام الله أصلا دون أن نُبرأ ساحة الاحتلال" بحسب قوله.

1

وكان مدير دائرة التحويلات الطبية بمكتب غزة بسام البدري، أصدر بيان في 27 يونيو المنصرف، قال فيه إن "حالات الوفاة التي سجلها قطاع غزة تم رفضها من الجانب الإسرائيلي وهناك أطفال صدرت لهم تغطيات مالية وحجز مواعيد لهم للعلاج في مشافي الضفة لكن الاحتلال رفض السماح لأهاليهم ومرافقيهم بالخروج من قطاع غزة". وأضاف البدري أنه يتم رفض 50% من التحويلات من بين ما لا يقل عن 1500 طلب تحويل شهريًا.

الاحتلال ليس بريئًا من تدهور الأحوال الصحية لمرضى غزة كما قال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، ويذكر عدد 11 مريضًا توفوا منذ مطلع العام الجاري انتظارًا لفتح المعبر أو التحويلات العلاجية المعطلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى قائمة "شهداء الحصار" كما تُعرف في القطاع المحاصر عن نحو 500 مواطن لقوا مصرعهم بعدما تدهور وضعهم الصحي دون نقلهم إلى المشافي الخاصة في الداخل الفلسطيني المحتل أو إلى مصر، وذلك منذ فرض الحصار على غزة قبل نحو 11 عامًا.

لكن الحصار لم يعد فقط من قبل السلطات الإسرائيلية كما قال القدرة، إذ يرى المتحدث باسم وزارة الصحة أن "السلطة الفلسطينية تتبادل الأدوار مع الاحتلال في خنق قطاع غزة"، وأوضح أنه وفقًا للبروتوكول المعمول به في وزارة الصحة، يتم المصادقة الفورية على التحويلات العلاجية العاجلة خلال 24 ساعة، خلاف ذلك تخضع الحالات للجنة طبية خلال 72 ساعة، وفي كلا الحالتين يتم إعلام المريض مسبقًا بحسب قول القدرة.

وأشار المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى أنه منذ 25 مايو المنصرف لم يتم التصديق إلا على 200 حالة من أصل ألفين "يعني 10% تقريبًا من الحالات، وجزء منها هو ما لم يستطع مغادرة غزة لأسباب تتعلق بالاحتلال بالإضافة إلى غلق معبر رفح منذ 4 شهور".

توقف قلب الطفل براء مساء 26 يونيو المنصرف، قبلها "كان جسمه أزرق والأطباء قالوا إنه لو متنقلش هيتوفى بعد 3 أيام" كما قال الأب، الذي نفى وصول الأسرة لمرحلة مكتب التنسيق الأمني أو إعلامهم بموعد نقل الصغير إلى أن حان دفنه "الطبيب المشرف قال لمدير دائرة التحويلات الولد توفى وخلص الأمر"، كان ذلك في السادسة من صباح اليوم التالي لوفاة ابنه؛ في الثاني من يوليو الجاري، كما يروي الوالد بأسى.

2

سبق ولادة براء بيوم، ولحق به أيضَا، طفل أخر هو الفرحة الأولى لوالده بلال العرعير، أسماه مُصعب. جاء الرضيع إلى الحياة بتشوه خِلقي "قلبه خارج القفص الصدري" كما قال أبيه، صُنف الصغير أنه حالة نادرة لكن لم يكن هناك ما يمنع محاولة إنقاذه، ومع ذلك مكث في رعاية الأطفال منذ 19 يونيو وحتى إعلان وفاته قبل أربعة أيام.

ونشرت دائرة التحويلات الطبية في 28 يونيو المنصرف، طلبات النقل الخاصة بالطفلين، وعلقت عليها بالآتي "المريض براء غبن: حصل على موعد من مستشفى المقاصد في تاريخ 2/7/2017 توفاه الله قبل موعد السفر الذي حددته مستشفى المقاصد والطبيب المعالج هناك.. المريض مصعب العرعير: حالة مرضية نادرة وصعبة ومعرضة للوفاة في أي لحظة من الناحية الطبية ولم يحتمل الانتظار لإتمام إجراءات التحويل وحجز الموعد والتنسيق رغم إتمام جميع الإجراءات اللازمة من العلاج بالخارج".

انتظار الموت أو التحويل

وعلى العكس من الطفلين الراحلين، يرقد صغيران أخران في قسم العناية المركزة للمواليد بمستشفى النصر في غزة: زين الجيش، عمره 10 أيام، ورشيد الحديدي، 26 يوم، الأول يعاني عيوب خِلقية في القلب وبحاجة لتدخل جراحي عاجل، والثاني لديه مشاكل في التمثيل الغذائي تسبب في ارتفاع نسبة الأمونيا بالدم وهي مادة تعتبر كالسموم وتؤثر على الدماغ والأعصاب كما أوضحت الطبيبة شيرين عابد مدير قسم الحضّانات بالمستشفى، معتبرة أن تأخر نقل الطفلين يؤدي إلى مضاعفات قد تصل في الحالة الأولى إلى وفاة الجيش قبل نقله إلى المستشفى المتخصص لعلاجه.

طلب نقل الطفلين تم تقديمه قبل أسبوعين بالنسبة للحديدي، أما زين الجيش فقبل أسبوع، وكلاهما كُتب عليه "عاجل جدا"، لذا كان من المفترض نقل الرضيعين خلال يومين على أقسى تقدير كما قالت عابد، التي أضافت أن السبب المذكور لهم من مكتب العلاج بالخارج عن التأخير هو "عدم وجود موعد أو مكان في المستشفيات التي تحول لها هذه الحالات" حسب قول الطبيبة.

"المشكلة قديمة وتفاقمت منذ الحصار" هكذا ترى مدير قسم الحضانات بمستشفى النصر في غزة. منذ سبع سنوات وتخصصت الطبيبة في قسم العناية المركزة للمواليد، ومن وقتها "والمعاناة مستمرة" بحسب قولها؛ غير أن الضجة الإعلامية المشهودة كما وصفتها حدثت بسبب قرار تقليص التحويلات، أما السبيل أمام الأطفال المرضى في غزة فطالما كان المكوث لفترات طويلة في المشافي انتظارًا للموت أو التحويل.

تدهور الصحة في غزة

يعتبر المتحدث باسم الصحة الفلسطينية في غزة، أن تقليص طلبات تحويل المرضى أو منعها حسب وصف البعض، ما هو إلا حلقة في سلسلة أزمات تتعلق بالوضع الصحي، والتي تزايدت نتيجة إجراءات اتخذتها السلطة الفلسطينية، بدأت وفقا لقوله منذ إبريل الماضي، مع وقف توريد الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي تمثل 40% من حصة غزة "وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الخدمات الصحية حيث أن 90% من أدوية مرضى الأورام والسرطان والدم غير متوفرة إضافة إلى احتياجات التشوهات والحروق والأدوية الخاصة بالمناعة وصحة الأم والطفل لا توجد في غزة" حسب قوله.

3

على الجانب الأخر تعاني المشافي في غزة من نقص الوقود مقابل انقطاع الكهرباء لفترات طويلة "لدينا 78 مولد كهربائي تعمل لأكثر من 20 ساعة تحتاج لما يزيد عن مليون لتر سولار شهريا لإبقاء عملها" كما أوضح القدرة، مشيرًا إلى أن توقف المولدات يعني توقف الخدمة عن أكثر من 700 مريض بالفشل الكلوي، و113 طفل في الحضّانات.

كل ذلك فضلا عن إغلاق المعابر سواء من الجانب الإسرائيلي أو المصري، والذي كان له أثره طيلة الفترة الماضية وفقًا للمتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، على توقف الوفود الطبيبة التي كانت تتكفل بعشرات العمليات الجراحية "مما يخفف من آلام ومعاناة سفر المرضى"، كذلك نقص القوافل المرسلة من مصر أو العالم العربي والإسلامي، والتي قال القدرة إنها كانت تدخل تباعًا إلى غزة وتعزز نحو 30% من مستلزمات الأدوية للقطاع المحاصر.

بات الحصار مضاعفًا كما يرى أهل غزة، ففي حالة فتح المعابر يحول بين المرضى والشفاء وصول التحويلة العلاجية، مما دفع العاملين في القطاع الحقوقي إلى إطلاق دعوات للضغط على السلطة الفلسطينية مثل مبادرة "بذرة خير" لعلاج المرضى، المؤسسة قبل عام ونصف، التي أطلقت ما اسمته "الحملة الدولية لإنقاذ أطفال غزة".

وتعمل الحملة على فضح ممارسات الاحتلال من ناحية ومناشدة السلطة الفلسطينية بإنهاء الوضع القائم وأيضًا السلطات المصرية لفتح معبر رفح، حسب قول عادل زعرب منسق الحملة، بالإضافة إلى دعوات التظاهر التي بدأت الأربعاء المنصرف بمنطقة خزاعة.

يأتي ذلك في الوقت الذي تنقطع فيه الاتصالات المباشرة بين مكتب وزارة الصحة في غزة والسلطة الفلسطينية منذ عام 2014 كما قال القدرة، معتبرًا أن كل يوم يمر يدخل 100 مريضً جديد لقائمة التحويلات، فيما يتذكر غُبن كيف كان عامل الوقت سبيلا لإنقاذ ابن جاره قبل نحو عام، والذي عانى مما لاقاه ابنه بانسداد شرايين القلب ليتساءل الأب المكلوم "إيش السبب اللي خلى توقيع على ورقة يتأخر كل هالقد؟".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان