إعلان

قصة تفحم عاملين وإصابة 3 حرقًا بمصنع أسمنت في أسوان - (صور)

09:43 م الثلاثاء 25 يوليو 2017

كتب- محمد مهدي:
على بُعد 110 كيلو من مدينة أسوان، الساعة التاسعة مساءا، كان العمل مايزال مستمرًا في مصنع أسمنت ميدكوم أسوان، الأحد الماضي، الإضاءة تُحيل المكان إلى نهار، الضجيج لا يتوقف، فيما يتحرك مهندس و4 عاملين نحو غُرفة الفُرن، المُخصصة لتجميع الأسمنت السائل، لتجهيز "سقالات" من أجل ترميم أجزاء منها.

مرت 60 دقيقة قبل أن يُسمع صراخ مُخيف "الأوضة غرقت فجأة بأسمنت سايل حرارته 1500 درجة كل شيء اتحرق" يذكرها لمصراوي أمير الطيب (اسم مستعار) عامل بالمصنع وشاهد عيان على الواقعة التي راح ضحيتها شخصين حرقًا و3 مصابين من بينهم حالة خطرة.

1

فزع دبّ داخل المصنع "الصوت جاي من أوضة الفُرن" قالها أحدهم فاندفع الجميع نحوها، كان المشهد مفزعًا "طارق زميلنا عايم على وشه في قلب المادة السايلة، والباقي بيستنجدوا بينا"، الأسمنت السائل يُغطي الغُرفة، الصدمة تُربك العقول "مفروض إنه الأسمنت ميتصبش في الأوضة والناس فيها"، فيما يحاول الغارقون داخل المادة الملتهبة الفرار من الموت "طلعنا اتنين منهم، النار كلت كل حتة في جسمهم".

لم يتمكن العاملين في المصنع من إنقاذ باقي الضحايا لدقائق، هناك صعوبة بالغة في الدخول وسط المادة الملتهبة، الأمر أشبه بالانتحار "دورنا على طفايات حريق ملقناش، فاستخدمنا جرادل مايه عشان الحرارة تهدى"، ثم قاموا بنقل كميات من الحديد للوقوف عليها ومد العون لزملائهم في الغُرفة.

"طلعنا باقي المصابين، وربنا ما يوريك حالتهم كانت صعبة أوي"، فيما استقر جثمان زميلهم "طارق" في قلب الأسمنت السائل. هرع عدد من العاملين إلى نقطة الإسعاف القريبة من المصنع، طالبوهم بسرعة التحرك لتفقد المصابين "كنا في الوقت دا بنحاول نطلع المتوفي".

2

نجحت جهودهم في انتشال القتيل، وصلت الإسعاف، نقلت المصابين غير أنها رفضت اصطحاب الجثمان إلى المستشفى "قالوا قدام حالة وفاة يبقى لازم محضر رسمي من الشرطة"، اتصلوا على الفور بنجدة أسوان، ثم مركز الشرطة دون أن يساعدهم أحد "في الأخر لجأنا لوسايط عشان تلحقنا وتكلم المديرية".

ظل الجثمان على أرض المصنع موضوعًا داخل عدد من الأغطية في انتظار رجال الشرطة، الذين وصلوا في الخامسة فجرًا "خدوا أقوالنا، والنيابة عملت شغلها بس تخيل الجثة تقعد كل دا مستنياهم يجوا"، خلال تلك الساعات الصعبة أكلَ الغضب قلوب العمال على ما آلت عليه الأمور.

محضر الشرطة سجل وفاة العامل طارق محمد فتحي من الشرقية، وإصابة المهندس طارق محمد نور من القاهرة، و"سامح محمد" من قنا، "علي شلبي" من بني سويف"، و"علي إبراهيم" من الشرقية، أعمارهم تتراوح ما بين الثلاثين والأربعين.

يعمل عدد كبير من العمال -وفق الطيب وعامل آخر- بنظام اليومية تصل إلى 100 جنيه، لم يحصلوا على عقود عمل تضمن حقوقهم، فضلًا عن غياب وسائل التأمين والسلامة المهنية "عندنا حاجة اسمها الأمن الصناعي بس كأنها مش موجودة".

3

مساء أمس الاثنين، كان جثمان "طارق" في طريقه لقريته مينا القمح، فيما استقر الحال بزملائه المصابين في مستشفى أسوان الجامعي، دُفن ابن الشرقية في قبر العائلة، ضرب الحزن أسرته وجيرانه، المفاجأة مُرة، ترك الرجل خلفه زوجة وابن في الثانوية وطفلين دون عائل أو تعويض.

في اليوم التالي تلقت القرية خبر وفاة العامل الثاني "علي إبراهيم"، من أبناء المنطقة، متأثرًا بإصابته "سايب وراه كوم لَحم.. ابن في الدبلوم وبنت في كلية تربية وطفلين لسه مدخلوش مدرسة"، بينما نظم العاملين بالمصنع اعتصاما تنديدًا بما جرى ولسرعة فتح تحقيق وتعويض أسر زملائهم.

4

بعد العزاء، عاد "الطيب" برفقة عدد من العاملين إلى المصنع مرة أخرى، ثمة أمور تغيرت في نفوسهم، لن يطيق أحد الاستمرار في العمل بالطريقة نفسها، صار مشهد زملائهم يطاردهم أينما كانوا، رائحة الإهمال باتت تخنقهم "ولازم نجيب حقهم وولادهم يتعوضوا، وإلا حياتهم تبقى راحت بدون مقابل" أفلت جملته الأخيرة بأسى.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان