من حلوان والعباسية والإسكندرية.. شباب الكنيسة في خدمة الرب والشعب
كتبت- دعاء الفولي:
في العاشرة من صباح اليوم، كان مينا أسعد، واقفا أمام كنيسة مارمينا بحلوان. تسيطر على قلبه مشاعر متناقضة؛ فرحة العيد، والحُزن على جيرانه الذين قُتلوا الجمعة قبل الماضية على أعتاب الكنيسة، وبين هذا وذاك يقين تام بأن بيت الرب آمن رغم كل شيء، لذا قرر أن يخدم فيه لتهيئة المكان قبل ساعات من قداس الميلاد.
لم يكن عدد الموجودين داخل كنيسة حلوان كبيرا "كنت أنا وواحد صاحبي وكام بنت"، يحكي صاحب الـ16 عاما عن دوره اليوم "روحنا نضفنا القاعة وظبطنا الميكروفونات واتأكدنا إن الكاميرات شغالة كويس". تلك اللحظات مُتعبة إلا أنها "من أفضل الحاجات اللي بحب أعملها سنويا".
أنهى مينا عمله حوالي الرابعة عصرا، لكن الدور الذي سيلعبه في قداس المساء لم يبدأ بعد "انا شماس في الكنيسة أصلا.. دورنا نساعد في تنضيف الهيكل والكؤوس اللي بيتم التناول فيها والاهتمام بكل التفاصيل في الصلاة والترديد خلف الأب"، يقوم مينا بدوره كشماس منذ عدة أعوام، يستمر عمله حتى مع انتهاء مراسم الصلاة.
"لازم بعد ما نخلص القداس ننضف الكنيسة ونرجع كل حاجة زي ما كانت"، كذلك يهتم الشاب بالاطمئنان على الحضور ومساعدة من يحتاج.
مازال الألم على ضحايا "مارمينا" طازجا، غير أن مينا يشعر بالفخر "انا مصمم مسيبش بيت ربنا.. طبعا بنزعل بس مش معناه إننا نجري من الكنيسة".. ينعي ببالغ الأسى من فقدهم؛ تمر على ذاكرته علاقته بوجيه إسحق "كان عمو كبير عنده 90 سنة، اتعودت أنا وأختي نروح نساعده في البيت عشان ملوش ولاد ولا قرايب"، ويحكي عن السيرة الطيبة للتسعة الذين راحوا ضحية للغدر.
ذلك الشعور بالعزّة لا يفارق ألبير عبد المعز أيضا، أحد أعضاء كشافة الكنيسة البطرسية. ككل عام يقوم الشاب بخطوات تأمين الكنيسة والتأكد من حصول الدالفين للقداس على دعوات من الأب "الدعوات مكانتش موجودة قبل حادثة البطرسية لكن بعدها بقى لازم الناس تاخد الدعوات من الأب نفسه".
مر أكثر من عام على تفجير البطرسية، الذي أسفر عن وفاة 29 شخص، إلا أن أثر الوجع موجود، إن لم يكن في وجوه أهالي الشهداء ففي صور الضحايا المُعلقة داخل البطرسية إلى الآن.
مازال باب البطرسية المُطل على الشارع مُغلقا، فيما الدخول عبر البوابة الرئيسية لكاتدرائية العباسية، يُضفي ذلك غُصة لنفس ألبير "بس هو أفضل للتأمين".
انضم ألبير لفريق الكشافة منذ سنوات، لاحظ أن تقبل المواطنين للتفتيش أكبر "بسبب الحوادث الناس بقت متعاونة جدا". اعتاد الشاب كل عام على الضغط، فالكاتدرائية هي قبلة الإعلام الأهم، ومع انتقال البوصلة هذا العام لكنيسة العاصمة الإدارية الجديدة، لا يشعر ألبير باختلاف في دوره، الذي اختاره بمحض إرادته.
"كان في فرصة أروح العاصمة الإدارية بس أنا حبيت أخدم في كنيستي البطرسية".. يشعر الشاب بالألفة في البطرسية، يعرف شعبها، يسعد بمن يأتون لها من جميع محافظات مصر لحضور القداس "رغم إن دة مُرهق علينا كخدمة في الكنيسة".
العمل لأجل الكنيسة مازال موصولا، لكنه تلك المرة بيد أبانوب بشارة، أحد أعضاء كشافة كنيسة القديسين بالإسكندرية.
يتذكر الشاب صاحب الـ22 عاما حادث التفجير المُريع، كأنه أمس، رغم مرور 7 سنوات "دورنا بيبتدي من ليلة رأس السنة ككشافة في التأمين.. أما كمواطنين فاحنا بنفتكر إخواتنا اللي استشهدوا كل يوم وبنفتكرهم اكتر في العيد".
منذ عامين اقتصر دور أبانوب على تأمين الكنيسة ومساعدة قوات الجيش والشرطة "بنوزع نفسنا برة الكنيسة في المداخل والمخارج.. وبيبقى عندنا خطط انصراف ودخول وخروج للناس وخطة في حالة حدوث مشكلة".
يعرف أبانوب أنه مُعرض للخطر، لاسيما وأنه غير مُدرب "بس احنا موجوعين من الدم اللي بنشوفه بقالنا سنين.. وبنحاول ميتكررش تاني"، يطّلع الشاب أيضا على البطاقات الشخصية لراغبي الدخول "أحيانا بنلاقي ناس مكتوب في باسبور بتاعها إنها سافرت دول زي العراق أو سوريا او أماكن فيها نزاع"، لا يستطيع وقتها إلا إعطاء البطاقة لأحد أفراد الشرطة للتعامل مع الشخص والاستفهام منه "رغم عن دة بيزعّلنا بس منقدرش نجازف تحت أي ظرف".
قبل أن ينضم الشاب السكندري لفريق الكشافة "كنت شمّاس".. ترك ما يُحب لأجل التأمين "على عيني.. بس اللي بيعزّيني شوية إني بحاول أحمي الناس"، يتجدد إصرار أبانوب على ما يفعل كل "لما بيحصل حادثة.. ساعتها بقول إني كنت صح"، فيما لا ينوي التوقف عند ذلك الحد "الفترة الجاية هناخد دورات إسعافات أولية بحيث نقدر نتعامل أكتر لو حصل حاجة".
يأمل ابن كنيسة القديسين أن تمر الساعات القادمة بسلام، أن يعم الخير اليوم على الجميع دون دماء أو خوف، وأن يعود لمنزله اليوم "وانا مطمّن إن النماس صلّت وعيّدت على بعض.. ساعتها أقدر أحس بالعيد كويس".
فيديو قد يعجبك: