إعلان

"العمالة غير المنتظمة".. 14 عاماً لوائح وقرارات بلا نتائج.. هل تنهيها كلمة الرئيس؟

04:17 م السبت 10 فبراير 2018

العمالة غير المنتظمة - ارشيفية

كتب - عبدالوهاب عليوة:

جرافيك: مايكل عادل:

مع بزوغ أول ضوء للنهار، يقف "سيد الجمال" (حداد مسلح)، مع مجموعة من العمال "غير المنتظمين" على الطريق الدائري بمنطقة الخصوص، الواقعة على أطراف القاهرة الكبرى، في انتظار سيارة نقل، لتقلهم إلى مكان عملهم بمشروع إسكان تابع لنقابة المهندسين بمدينة العبور.

فور وصول السيارة، يهرول الجميع للقفز في صندوقها الخلفي، الذي يمتلئ بعشرات العمال القادمين من منطقتي "أبو زعبل وكفر حمزة" بمحافظة القليوبية. كعادتهم اليومية منذ شهر ونصف الشهر، حيث تصل السيارة في الثامنة صباحا إلى مدينة العبور، دقائق تمر سريعا، يتمكن خلالها الجميع من استبدال ملابسهم القادمين بها ويلبسون أخرى مخصصة للعمل، ليبدأ بعدها حداد المسلح الذي لم يتجاوز العقد الثالث من العمر، الصعود لاستكمال تسليح سقف الدور الرابع، بأحد المباني تحت الإنشاء.

"سيد" الحاصل على مؤهل فني متوسط، احترف مهنة "الحدادة" منذ الصغر، فقد بدأ يعمل بها في فترات الإجازة أثناء دراسته بالمرحلة الإعدادية، ويعمل حاليا في مشروع إسكان تابع لنقابة المهندسين.

يتفق المقاول- الذي تعاقدت معه الشركة المنفذة من الباطن- مع العمال على العمل بـ"المقطوعية" وليس باليومية ليضمن إنجاز العمل المطلوب كل يوم، ويكون الأجر وفقا للعمل الذي تم تنفيذه وليس بعدد الساعات أو نهاية يوم العمل.

"سيد" يرعى أسره مكونة من "زوجته وطفلين" لا يختلف عمله غير المستقر عن حال ملايين من عمال اليومية، الذين تحدث عنهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، صباح الخميس الماضي، أثناء افتتاح المرحلة الأولى، من مشروع المليون فدان، ووجه الحكومة بتوفير مظلة تأمينية لهم خلال الفترة المقبلة.

عمالة اليومية

تتنوع المجالات التي يعمل بها عمال اليومية أو من يعرفون بـ"الصنيعية"، ما بين حرف المقاولات وعمال المناجم والمحاجر والصيد وعمال الزراعة الموسميين وغيرها. وتتنوع الفئات العمرية والاجتماعية للعاملين في هذا القطاع، لكن الشريحة الأكبر منهم لم تحصل على شهادات دراسية، وبينهم من يحملون مؤهلات تعليمية متوسطة وعدد محدود من الحاصلين على مؤهلات عليا، وفقا للنقابة المستقلة للعمالة غير المنتظمة.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية، لم يتوقف الحديث عن حقوق العمالة غير المنتظمة وضرورة تحسين أوضاعها، سواء من المسؤولين الحكوميين في الحكومات الثماني المتعاقبة، أو جماعات الضغط التي تنادي بحقوق العمال. لكن على أرض الواقع لم يترجم هذا الحديث إلى فعل حقيقي، يضم كل العمالة غير المنتظمة في مصر، بل تحولت المشكلة إلى إرث يورث من حكومة إلى أخرى.

رحلة تقنين أوضاع العمالة غير المنتظمة

حصيلة هذه القوانين واللوائح والقرارات الصادرة والمتغيرة على مدار الـ14 عامًا أسفرت عن إنشاء 27 وحدة للعمالة غير المنتظمة تتبع مديريات القوى العاملة والهجرة في المحافظات الموجودة بها.

وتعتمد هذه الوحدات على مواد تقسم كالتالي: 5% من أجور العمال يتحملها المقاول أو الجهات المتعاقد معها، بالإضافة إلى 1% من قيمة الاشتراك الشهري للعاملين باللجنة النقابية، و1% من جملة الأجور المدفوعة للعمال عن فترات التشغيل الفعلي، في المقابل يصرف للعامل في المناسبات التالية 200 جنيه في الأعياد "الفطر والأضحى والعمال والمولد النبوي. وفي حالة الوفاة يصرف 1500 جنيه، بينما في حالات العجر الكلي يحصل العامل على 2000 جنيه.

الحقوق المادية السابقة من المفترض أن يحصل عليها العمال غير المنتظمين المقيدين بوزارة القوى العاملة والهجرة، لكن سيد الجمال الذي يعمل مع 63 عاملا ما بين "حدادين ونجارين مسلح وعمال الخرسانة، لا يوجد بينهم غير 6 عمال مقيدين بوحدات العمالة غير المنتظمة، و12 عاملًا آخرون يعرفون بهذه الوحدات، لكنهم غير مشتركين بها.

ويقول جمال الغمري أحد عمال الخرسانة: "الوحدات دي مافيش فيها أي مزايا لنا وأقصى حاجة ممكن ناخدها 2000 جنيه في حالة العجز الكلي، هيعملوا إيه؟ دول مش هيكفوا العلاج".

باقي المجموعة لم تسمع حتى بهذه الوحدات، يقول وائل سالم، حداد مسلح ردا على سؤال "مصراوي" له عن وجوده بسجلات وزارة القوى العاملة والهجرة ضمن العمالة غير المنتظمة: "مش عارف حاجة عنها".

ومحمود الجمال، حداد مسلح وابن عم "سيد الجمال" ويعملان معا منذ سنوات، لكن محمود يحمل كارنيه "وحدة العمالة غير المنتظمة" وحاصل على ترخيص مزاولة المهنة من مديرية القاهرة بمجمع التحرير، يقول: مكتب المقاولات الذي عملت معه فترة سجل اسمي و4 آخرين بالوزارة من بين 150 عاملا يتعامل المكتب معهم على فترات متقطعة، حتي لا يجبر على تحمل أعبائهم المالية أمام الوزارة أو التأمينات الاجتماعية.

بحسب محمود: تسجيل عدد قليل جدا من العمال وترك الباقي بلا مظلة، أمر متكرر فعله معظم المقاولين أو شركات المقاولات التي عمل فيها.

ويعود "سيد" بذاكرته إلى منتصف شهر يوليو 2017، عندما سأله زميل له عن إصبعيه المبتورتين براحته اليمنى، (السبابة والوسطى): "اشتغلت في دق طلمبات المياه، بسبب عدم توفر عمل وجلوسي في المنزل لأكثر من أسبوع، فكان لازم أشوف حاجة توفر لنا فلوس ناكل أنا ومراتي ولادي.

وتابع: "أثناء عملي في تجهيز بئر الطلمبة الخشبية، باستخدام المواسير الحديدية، سقطت إحدى مواسير الحفر أثناء إنزالها في البئر علي يدي، لتتسبب لي في عاهة مستديمة".

أنفق سيد أضعاف أجره الذي حصل عليه من العمل لمدة أربعة لعلاج إصابته، وجلس بعدها شهرا كاملا في البيت، "بحمد ربنا أني رجعت أشتغل تاني"، يقولها رب الأسرة الثلاثيني، قبل أن يضيف: صديقي محمد ابراهيم، صنايعي تركيب رخام، فلت الصاروخ من يده أثناء قطع قطعة حديد بارزة في حائط خرساني بمدخل عقار بمصر الجديدة، وأصابه في وجهه وتسبب في قطع الأوردة من منتصف الأنف وحتي أسفل وجهه، وخضع لعلاج مكثف تجاوز الـ4 سنوات بدون عمل، وتحمل المقاول الذي كان يعمل معه 10 آلاف جنيه، ثمن أول عملية جراحية أجريت له، فيما تحمل أهله باقي نفقات العلاج.

"الحكومة محتاجة تفكر في العمالة اليومية، وتوفر لهم التأمين الاجتماعي والصحي، حتى لو اضطرت إلى إصدار قانون أو قرارات جديدة، تلزم الشركات بالتأمين على العمال".. هكذا تحدث رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، مخاطبا الوزراء، وهو ما اعتبره حداد المسلح سيد الجمال ورفاقه، بارقة أمل لتقنين أوضاعهم وتوفير مظلة الرعاية الصحية والاجتماعية لهم. يقول العمال: "الأيام اللي جاية هتظهر إذا كانت الحكومة هتعمل حاجة فعلا ولا زي كل مرة".

 

فيديو قد يعجبك: