لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بين الذكريات والمستقبل.. ماذا حدث في وكالة العنبريين؟

06:52 م الثلاثاء 26 فبراير 2019

كتبت-رنا الجميعي:

تصوير-علاء أحمد

منتصف ظهيرة أمس، الاثنين، جلس محمد الصاوي على كُرسي يُشرف على أطلال وكالة العنبريين، ينظر بحُزن على تاريخ تم تسويته بالأرض، لم يبق منه شيء سوى بعض الحجارة الصفراء والطوب الأحمر، وبضعة أخشاب محروقة تُشير لحادث سابق ألمّ بالتربيعة، يطلّ الصاوي على تاريخ تهدّم يبلغ عُمره أكثر من 900 عامًا، يتنهّد ثُم يقول "حتى الحجر نفسه حزين".

منذ أسبوعين، تحديدًا في 12 فبراير، قامت محافظة القاهرة بهدم وكالة العنبريين، التي يرجع تاريخ تأسيسها لعام 1123 ميلادي، في عصر السلطان قلاوون، كان محلها في البداية سجن ثم تحوّل إلى سوق للعطور في عصر الدولة العثمانية، فيما شغلت حتى وقت الهدم حوالي 32 محلا، بحسب حديث أصحابها، تنوّعت ما بين محال للمفروشات والعطور.

1

أثار الهدم حالة من الجدل، بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وآراء الخبراء الأثريين، تعالت الأصوات بأن الوكالة مكان أثري يجب الحفاظ عليه، وتسجيله كأثر، غير أن وزارة الآثار في تصريحات عديدة قالت إن العقار رقم 88 غير أثري تمامًا، فيما يبقى حال أصحاب محلات الوكالة غير معروفا، وماذا سيحدث لهم بعد الهدم؟.

توجد وكالة العنبريين في مدخل شارع المعز، يُقابلك في البداية حواجز أمنية تُشير إلى أن ثمّة أمر هُنا، بعد عدد من محلات العطور الموجودة على يسار الشارع، تجد فراغًا كبيرًا، فيما تبلغ مساحة الوكالة حوالي 1045 متر، يحدّها من اليسار مدرسة الأشرف برسباي، أما على يمينها فقد جلس الصاوي، مدير فرع شركة للاستيراد والتصدير، في وسط المحل الملتصق بالوكالة الخالي من المفروشات، حيث أفرغ صاحبه المحل من بضاعته بسبب الغبار المُنبعث من الهدم "بقالنا أسبوعين مش عارفين نشتغل".

2

في صمت يُطيل الصاوي النظر نحو الوكالة، أو التربيعة، تضئ عينيه بلمعة حزينة حين يقول "الربع ده كان تحفة"، يتذّكر مجيئه أول مرة للعمل بالوكالة منذ عشرين عامًا، يتخيّل المشهد القديم حيث قبع في منتصف الوكالة "بورجيلة، في عز جهنم تدخلها كانت تبقى طرواة". قضى حريق على ذلك الصحن، حيث شهدت الوكالة ذلك الحادث عام 2005.

3

عند الممر الضيق المقابل للوكالة من الجانب الآخر لشارع المعز، تُوجد ورقة معلقة مكتوب عليه "العجاتي داخل الممر"، لافتات استعان بها أصحاب المحلات لإرشاد زبائنهم لأماكنهم بعد الهدم، لازال خالد العجاتي، أحد المستأجرين بالوكالة، يتذكر الحريق "قامت في نص الوكالة بالظبط، كان فيه محل عطور والكهربا مسكت فيه"، بحسب العجاتي ظلّ فريق المطافيء يعمل لمدة 15 يوم "المية ضربت في الأساسات، دي اللي عملت المشكلة"، منذ ذلك الحين استمرّت أزمة قوامها مالك العقار والمستأجرين والجهات القضائية والمحافظة.

قبل ثلاثة أسابيع بلغّ قسم شرطة الجمالية أصحاب الوكالة بخبر الهدم، حينها تيّقن الجميع أن النزاع حول الوكالة سينتهي أمره، يقول المحامي شريف العجاتي إنه لم يعد بإمكانهم فعل شيء بعد سلسلة من الأحكام والاستئنافات، كان أساسها قرار محكمة جنوب القاهرة بتنكيس الوكالة بعد الحريق، غير أن كل ذلك انتهى مع قرار المحافظة بالإزالة "رغم إن ده مش قانوني لأن مفيش حكم محكمة بيقول كدا".

4

قدِم خالد العجاتي للعمل بالوكالة منذ السبعينيات، لكن الخيط لم يبدأ من هنا، بل بدأ منذ أجداده "كان ليهم محل لبيع الملايات اللف"، في ثلاثينيات القرن الماضي، استمرّ عمل عائلة العجاتي حتى مجئ والد خالد الذي نقل النشاط إلى أدوات التعبئة والتخزين، وهو المجال الذي يعمل فيه خالد الآن "بس أنا تطورته من الورق للبلاستيك"، للعجاتي محل بالوكالة، دُمّر مثل البقية، وآخر بمكان مجاور للوكالة.

"إحنا عددنا حوالي 100 ما بين مالك ومستأجر".. يقول العجاتي، بعد الهدم تواصل الملاك مع أحد رجال الأعمال، مالك المكان، يذكر العجاتي أن رجل الأعمال عرض عليهم شراء نصف مساحة محلاتهم "وفعلًا فيه ناس أخدت العقود"، وهو ما أكدّه أيضًا أحمد أيوب، واحد من مستأجري الوكالة، الذي أضاف أن رجل الأعمال قد قام بأكثر من عرض "فيه محلات عرض عليها مبالغ مالية حسب المساحة، بس في الآخر اتفقوا على إنهم ياخدوا 50% من مكانهم ويشتروا النص التاني".

5

لأيوب محل آخر مُقابل الوكالة من الجانب الآخر، يحكي الرجل من وراء كمامة تُغطي نصف وجهه اتقاء للتراب القادم من الهدم "أنا اشتغلت في الوكالة من سنة تمانين"، حيث استأجر بها محل للمفروشات، بعد الهدم ارتكن أيوب على محله الآخر فقط "اللي اتضرروا أكتر الملاك مش إحنا"، يستنكر الرجل ما يحدث نتيجة الهدم "يعني حتى أبسط الحقوق واحترام الآدمية ميبهدلناش كدا، كل يوم بيدخل التراب وننضف"، أمس فقط تم وضع حواجز زرقاء تخفي آثار الهدم من ناحية شارع المعز، أما الجهة المُقابلة عند محل أيوب فلم يتم وضع أية حواجز بعد.

يُمسك أيوب بالمنفضة يزيل بها الغبار القادم من آثار الهدم، فيما لا يعلم ما المشروع القادم محلّ الوكالة، غير أن هناك أقاويل ترددت بين سوق للذهب و مول تجاري، "بيقولوا هيعمل مول على الطراز الإسلامي بنفس شكل واجهات الشارع"، يذكر الصاوي.

6

مازالت الهيئة القديمة للوكالة ظاهرة في أعين العجاتي والصاوي، يسترجعان بخيالهما منظر الصحن الداخلي، "كان في النص الصحن عبارة عن بلكونات خشبية داير ما يدور، وفيه شبابيك لبرة"، كذلك المدخل المُطلّ على شارع المعز، والذي كان يقع تحته محل عطور الريحاني، في تصريحات صحفية لمصراوي، قال فيها محمد عبد العزيز، المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية، إن الوكالة لا تستحق التسجيل ضمن الآثار المصرية، وأن العقار لا يضم آثارًا داخله غير المدخل فقط، وهو ما يستنكره العجاتي قائلًا "محافظتوش ليه طيب على المدخل، طيب فكوه وانقلوه زي أبو سمبل كدا".

جوار الصاوي وقف محمد خليل أمام محله المُغلق المقابل لأطلال الوكالة، بنبرة مُختلفة عن البقية تحدّث خليل عن الرزق "محدش بياخد أكتر من نصيبه"، للمستأجر محل آخر شغل حيزًا داخل الوكالة، يبيع فيه المفروشات، وقد عمل بالوكالة منذ ثلاثين عامًا، لم يستنكر خليل مثل البقية هدم الوكالة "ده نصيب المكان، هو لو هيعمله بشكل شيك ويخلي شكل المكان حلو ايه اللي يمنع".

7

تعرّض خليل لتقلبات المكان منذ حريق 2005، حينها أخذ ملاك المحلات حُكمًا بالتنكيس، ولكن تم رفضه من الحي بعدها بسبب الخطورة الداهمة للمكان، في رأي خليل وقتها أن "المكان دا فيه 32 محل محدش فيهم اتفق على حاجة، وكل واحد كان بيفكر في مصلحته، قلبه مش ع الوكالة"، لذا كانت تلك النهاية الطبيعية لمصير الوكالة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان