إعلان

"أوقفوا طائرة الصين الأخيرة من أجلها".. حكاية مصري أرسل "كمامات" لمواجهة كورونا

05:47 م الثلاثاء 04 فبراير 2020

أحمد السعيد في مطار القاهرة أثناء إرسال الكمامات ل

كتبت- إشراق أحمد:

ما زال أحمد السعيد يعيش في الصين. كذلك يرى حاله، منزله هناك في مدينة "نينغشيا" شمال غرب الجمهورية الشعبية، سكنه مع زوجته الصينية وإليه يعود بين الحين والآخر، مصطحبًا ابنته لزيارة جديها، ففي هذا البلد له نسبًا وصهرًا، فضلاً عن مشاعر إنسانية يكنها للدولة التي درس لغتها وتخصص في ثقافتها، لذلك حين انتشر نبأ فيروس كورونا، لم يكتف بالتأثر، بل هب مسرعًا لتقديم المساعدة قدر استطاعته، وخلال نحو 24 ساعة استطاع توفير ألفين قناع طبي –كمامة- لأطباء وممرضات في مدينتين بالصين لديها عجز في هذا المستلزم الطبي.

قبل يومين تلقى السعيد مكالمة هاتفية من الصين، صديق له يخبره عن الوضع الكارثي في المدينة التي تسكنها أسرة زوجته وعاش بها نحو 10 سنوات "مستشفيات بالكامل مفيهاش ولا قناع واحد وممرضات جالها المرض لأنهم مش لاقين ماسكات يلبسوها وهم بيعالجوا الناس". 5 مشافي تضمها "نينغشيا" كما يقول السعيد تكاد تخلو من أبسط مستلزمات الوقاية لنفاذها بعدما تفشى المرض منذ نهاية ديسمبر 2019.

على الفور تحرك السعيد، لم يجد الشاب بديلاً عن تقديم المساعدة، وعزم إرسال كمامات طبية وشحنها إلى الصين، خاصة بعد التواصل مع مدير أحد المستشفيات في المدينة المقصودة، والذي حكى له أنهم استقبلوا 4 حالات بينهم ممرضتان.

خلال ٤٨ ساعة تحدى السعيد الزمن مرتين أولها لتوفير 2200 قناع طبي ذي نوع قوي العزل يدعى "N95": "جمعتهم من أماكن كتير لأن للأسف الصينيين بعد الأزمة سحبوا كميات كتير عشان يبعتوها لهناك"، فلم يعد أمامه سوى السوق السوداء للحصول على كمية كبيرة، وتحمل الشاب الثلاثيني فارق التكلفة، إذ بلغ سعر الكمامة الواحدة 20 جنيهًا في حين أن ثمنها المعتاد لا يتجاوز 6 جنيهات.

inside-photo-temp

أما المرة الثانية كانت للحاق بآخر طائرة مصرية تحلق من مطار القاهرة متوجهة إلى الصين، إذ بعدها تتوقف الخطوط الجوية بين البلدين، فكيف تصل نحو ألفين كمامة طبية إلى تلك الطائرة؟

تصور السعيد أن الأمور يسيرة للوضع الإنساني المتأزم، وأيضًا لتحمله بشكل فردي إرسال طرد الأقنعة على متن الطائرة واستقبالها هناك من قبل الصليب الأحمر في الصين، والذي منحة شهادة تبرع بشكل رسمي، والتأكيد على مطابقة الكمامات للمواصفات المطلوبة، لكن كاد أن يخيب أمل السعيد.

inside-photo-temp

inside-photo-temp

بداية تواصل السعيد مع السفارة الصينية في مصر، فأخبروه أنهم لن يرسلوا شيئًا في الوقت الراهن ومثل هذه الأمور تطلب وقتًا، إلا أن الشاب المصري لم ييأس؛ على مدار أول أمس استمر في التواصل مع مَن يعرف، مصلحة الخبراء الأجانب في الصين، والتي يعمل منسقًا فيها، ومنحوه أيضًا شهادة بالتبرع، كما أرسلوا شخصًا إلى مطار القاهرة ليستقبل الأقنعة ويوصلها إلى الصين.

كل ما حول السعيد، يدفعه للمضي قدمًا فيما يفعل، أحاديث البعض بصورة مغلوطة عن أن "الصينيين يستاهلوا اللي بيجرالهم"، فضلاً عن استماعه من معارفه عن حجم المعاناة، وآخرهم قبل الانطلاق إلى المطار، حديثه إلى السكرتيرة الأولى في المركز الثقافي الصيني، والتي أخبرته أن مدينتها "تانغشان" -شمال الصين- تخلو المستشفيات فيها أيضًا من الكمامات، فاستقر الشاب على شحن ما لديه ويُقتسم على مشافي المدينتين اللتين بهما أعلى نسبة عجز في الأقنعة الطبية كما يقول السعيد.

مع دقات الثامنة مساءً، حضر السعيد إلى مطار القاهرة، لديه 5 صناديق كرتون تحوي الأقنعة الطبية، لكن استقبلته مفاجأة "لقيت أمن الجمارك موقفين كل الكراتين لأن الصينيين اللي كانوا في مصر سياحة واخدين كمامات كتير للاستخدام الشخصي"، اعتبروا ذلك تعامل تجاري، فيما أخبره المسؤولون أنه عليه التوجه لوزارة الصحة والأفضل شحن ما لديه عبر قرية البضائع.

ارتبك المشهد. الوقت ينفلت وعقارب الساعة تقترب نحو النداء على آخر رحلة إلى الصين، لكن لم يُترك السعيد وحيدًا، وقف معه عدد من الأشخاص؛ فإذا برئيس الجمارك أحمد شحاتة يتواصل مع وزارة الخارجية، ومن الأخيرة أجرت مسؤولة تدعى منى حامد سلسلة من الاتصالات مع هيئة موانئ مصر وجمارك القاهرة، ثم الخاصة بالمطار، لتقديم التسهيلات بهذا الموقف الإنساني.

في ذلك الوقت لم يهدأ السعيد، فكر في تغيير وسيلة النقل، وهرع يشتري 4 حقائب سفر ليفرغ فيها محتويات الصناديق، لعل بذلك يقنع المسؤولين أن الأقنعة للتبرع وليس لشأن تجاري بجانب ما يحمله من شهادة تثبت هذا، وقد كان.

inside-photo-temp

inside-photo-temp

دخلت الحقائب بصحبة المرافق الصيني، الساعة العاشرة وخمسة وثلاثين دقيقة. أقل من نصف الساعة وتنطلق الطائرة. لم تكد تهدأ أعصاب السعيد بظنه أن الكمامات في طريقها للتحليق، حتى عاد التوتر "الشخص اللي كان معايا طلع الطيارة لكن الشنط مدخلتش والطيارة قفلت الباب وهتطلع".

ركض الشاب المصري يتواصل مع المهندس أحمد فوزي، رئيس شركة ميناء القاهرة الجوي، يرجوه بأن الوضع إنساني، يخبره أنه يمكن كتابة تعهد على نفسه، المهم أن تصل الكمامات إلى من يحتاجها، فيما يطارده استنجاد مدير المستشفى الصيني "عايز أحمي فريقي بس عشان يقدر يتعاملوا مع الناس"، فتدمع عيناه، خوفًا من ضياع كل المجهود، وأمل المنتظرين هناك في الصين، ليأتي الفرج.

في مشهد يقترب إلى السينمائي، داخل مكتب مدير الحاويات في مطار القاهرة، استجاب المسؤول لنداء السعيد، وسرعان ما أمسك الهاتف اللاسلكي وأوقف الطائرة لأجل صعود حقائب الأقنعة الطبية. "في اللحظة الأخيرة الشنط طلعت الطيارة الساعة 11 و5 دقايق" يحكي السعيد.

بعد 4 ساعات لفظ الشاب المصري أنفاسه. يلتمس العذر لمن أوقفوا سير الحقائب طيلة هذه المدة لكبر حجم الكميات بصحبة المغادرين للمطار، لكن لا يعلم أحد كم يفرق هذا المستلزم البسيط في مثل هذه الأزمة؛ في اليوم التالي وصلت الحقائب إلى مطار بكين، خُصص شرطي لحمايتها "خوفنا الناس تتخانق عليها لما تعرف أن فيها كمامات"، فيما الغرض الرئيسي أن تصل إلى الأطباء والممرضات "خط الدفاع الأول" كما يصف السعيد.

inside-photo-temp

كأنما حمل ثقيل رُفع عن صدر السعيد بعدما علم أن المشكلة في المدينتين حُلت جزئيًا بعد توزيع الكمامات، فيما يتأثر لرد فعل السكرتيرة الأولى في المركز الثقافي الصيني، حينما أخبرها بوصول الأقنعة إلى وجهتها "لقيتها سكتت حد جنبها أخد التليفون وقالي دي أغمى عليها من الفرحة".

24 ساعة لن ينساها مؤسس بيت الحكمة المصري، كما يعجز عن إيقاف التفكير في تخيل ما يعانيه الصينيون هذه المرة "الفيروس بيتقل من شخص للتاني. الناس خايفة تخرج من البيت أو تستقبل حد"، يعلم السعيد أن ما قام به لن يرفع الأذى عن سكان الجمهورية الشعبية "الماسك صلاحيته 48 ساعة"، وربما لن يستطع تكرار الأمر، إذ أخبروه في المطار أن عليه التنسيق مع وزارة الصحة المرة القادمة، لكنه يشعر بشيء من الرضا للمحاولة.

فيديو قد يعجبك: