بعضهم يمارس الرياضة لأول مرة.. إيطالية تدرب جيرانها من "البلكونة" رغم عُزلة كورونا
كتبت- شروق غنيم:
تصوير: ريمو كاسيلي:
كانت التعليمات واضحة؛ في التاسع من مارس فرضت روما عزلًا صارمًا للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، أغلقت المدينة الإيطالية العديد من الأنشطة من بينها صالة الألعاب الرياضية الخاصة بالمدربة أنتونيتا أورسيني، تسلل الحزن لنفس السيدة الخمسينية، حال مدينتها يُرثى له، يتضاعف فقدان الأحّبة، يسلبها الفيروس التاجي هويتها وهو ممارسة مهنتها. بعد أيام من الحيرة نفضت عن نفسها مشاعر السوء، قررت أن تتحدى ما يجري كما فعلت طوال حياتها بشخصيتها المُفعمة بالطاقة الإيجابية، صارت مِداد للبهجة رغم مأساوية الوضع "أؤمن بأن الإنسان يولد بروح البقاء، ويجب أن نكون قادرين على البقاء حتى في أسوأ اللحظات".
بينما تُرتب المدربة الإيطالية أوضاعها مع المتدربين، تضع خطة لكيفية متابعة تدريباتها عبر خاصية الفيديو، أطالت بنظراتها من شرفتها تجاه المنزل المقابل لها، رأت سيدة تحاول تدريب أحفادها على الجمباز، هنا لمعت الفكرة في عقل أنتونيتا، لماذا لا نحاول؟ يمكننا جميعًا أن نستفيد جسديًا ونفسيًا "في اليوم التالي ناديت السيدة وأخبرتها عن فكرتي، ما رأيك في منحكم تدريبات رياضية من الشرفة؟"، غمرت الحماسة نفس السيدة، جاوبتها بالموافقة على الفور "بدأت معها وأقاربها الأربعة".
في الساعة الرابعة ونصف مساء تخرج المدربة الإيطالية إلى "البلكونة"، تبدأ تدريباتها في حين لاحظت أن كل يوم يزداد عدد المنضمين، بدون ترتيب أو سابق معرفة "أجد جيران يخرجون إلى شُرفتهم ويتدربون معي، كانت أول مرة أشعر بفرحة منذ حل هذا الضيف الثقيل على بلادي". الآن صارت الجلسات التدريبية التي تمنحها عن بُعد تضم 15 شخصًا "أعمارهم مختلفة، على ما أعتقد تتراوح بين 15-70 عامًا، هذا حساب تقديري بعيني لأنني لم ألتقِ بهم من قبل ولا أعرف من يكونون، ولا يهمني ذلك يكفي أننا نستمتع بأوقاتنا سويًا".
أصبحت التدريبات يومية باستثناء الأحد، مع كل جلسة تشعر أنتونيتا بأن طاقتها تتجدد "تحسن نفسي وجسدي لا مثيل له"، تستشعر ذلك بالنسبة لجيرانها أيضًا خلال التمرين، يتبادلون أحاديث سريعة وخاطفة لكن أمارات الوجه تُخبر الكثير دون كلمة "أراهم دائمًا في حالة مزاجية جيدة، بعضهم لم يمارس الرياضة في حياته أبدًا" تضحك المدربة الإيطالية إذ تتذكر أحد جيرانها المتواجد في الطابق الثالث وهو يحاول أن يشرح لجاره المُسن المقابل كيف يجاري إيقاع التدريبات "كان ممتع جدًا أن أرى ذلك، لهذه التدريبات أثر ساحر على مشاعرنا".
قبل عشرة أعوام استقرت المدربة الإيطالية في هذا المبنى السكني "لكني لأول مرة اكتشفه هذه الأيام فقط"، تحاول التعرف على جيرانها من خلال التدريبات، بعضهم في أدوار عالية لا يمكنها أن تلاحظ أدائهم خلال التدريبات ولا تستطيع التواصل معهم، كذلك تقابل المنازل بعضها "جيراني حقًا رائعين، من يكونون في مواجهة منزلي يمررون المعلومات لمن هم في نفس الصف الذي أنا به لأنني لا استطيع رؤيتهم"، فيما تحاول نشر بعض التدريبات على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي انستجرام "لأن هناك مستأجرون آخرون يرغبون في المشاركة ولكن لا يمكنهم لأنهم يطلون على الجانب الآخر من المبنى".
تحرص المدربة الإيطالية على بساطة التدريبات لكن تُغيرها كل يوم حتى لا يصيب الملل نفوس جيرانها، تتوخى الحذر مع كل حركة لمراعاة الأعمار المتفاوتة لجيرانها "وحفاظًا على كبار السن منهم"، يستمر التمرين لمدة حوالي ساعة "أمارس التمارين وأنا واقفة حتى يتسنى لهم رؤية حركاتي".
على مواقع التواصل الاجتماعي انتشر ما تفعه أنتونيتا، غمرتها عبارات المحبة والتشجيع، تحمل المثل لكل من ساعدها على نشر الفكرة، خاصة المصور الصحفي ريمو كاسيلي الذي كان له الفضل بأن تصبح صورها على أبرز المنصات العالمية مثل رويترز، واشنطن بوست، تليغراف، سي إن إن، بي بي سي وغيرها، رغم ذلك "لم يكن أي من تلك المواقع إيطالي مع الأسف".
تبتعد المدربة الإيطالية عن الأخبار السيئة، تدرك كارثية الأمر في بلادها لكنها تحاول الحفاظ على إجراءات الوقاية وسلامتها النفسية "منذ 9 مارس ولم أتسوق سوى مرتين فقط"، تمرر الوقت بتنظيف المنزل، مهاتفة أصدقائها على شبكات التواصل الاجتماعي، متابعة التدريبات عبر "سكايب"، فيما تأتي أكبر متعة في اليوم حين تطل من شرفتها على جيرانها وتبدأ التمرين برفقتهم.
لطالما كانت الرياضة النقطة الآمنة في حياة أنتونيتا، منذ كانت في السادسة ودخلت هذا العالم "ولن أخرج منه أبدًا"، مارست رياضيات مختلفة مثل الباليه، الرقص، الجمباز الفني، رفع الأثقال، احترفت طيلة 30 عامًا مضت ونالت العديد من الجوائز، تكللت مسيرتها حين افتتحت عام 2018 صالتها الرياضية الخاصة وأصبحت مدربة لياقة بدنية خاصة، لذا لا تتخلى صاحبة الـ56 عامًا عن حلمها، لم تترك المأساة تزلزل من عزيمتها، بل أمدتها بالمزيد من الأحلام، والطاقة الإيجابية لتمنحها للمحطين بها، تتوق لتلك اللحظة حين تنتهي تلك الأزمة "أتمنى أن يستأنف العالم كله حياته بأفضل طريقة ممكنة ولكن بوعي مختلف، كل هذا الذي يحدث إشارات، أتمنى أن نستوعبها جيدًا".
فيديو قد يعجبك: