لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

منسيون ومنسيات (8)-بهيجة حافظ.. المُغامِرة الأولى في تاريخ السينما المصرية

06:37 م الأحد 16 أغسطس 2020

بهيجة حافظ

كتبت-رنا الجميعي:

"دلوقت هتسمعوا موسيقى الآنسة الكبيرة بهيجة حافظ".. داخل قاعة السينما كان اسمها يُنادى بكل فخر، لكنها اعتقدت بعقل فتاة لم تُكمل العاشرة بعد أنه يسخر منها، فانهارت باكية، ولم تظهر للجمهور الذي ينتظر رؤية الطفلة الصغيرة التي ألفت أولى مقطوعاتها الموسيقية لأحد الأفلام الصامتة.

مع بداية القرن العشرين ولدت بهيجة حافظ لأسرة ارستقراطية، ذات ذوق رفيع في الموسيقى والغناء، كان والدها يُحب العزف على العود والرق، كذلك والدتها وأخواتها الصبيان والبنات "وكان بابا يعملهم زي الأوركسترا، كل حد يلعب على آلة، دي كانت تسالي البيت"، تحكي بهيجة في إحدى حواراتها، لذا مالت الصغيرة للموسيقى والفن من كل قلبها، حتى لمحت أختها أنها ذات موهبة عالية، وأشارت على أبيها أن تدرس بهيجة الموسيقى، وهي في سن الأربع سنوات، لذا لا توجد غرابة أن تؤلف الطفلة أولى مقطوعاتها في سن التسع سنوات، التي أنتجتها لإحدى الأفلام الصامتة.

أغرمت الطفلة بعالم الموسيقى، ظلت بهيجة تدرس حتى عمر الثانية عشر فقط، أُجبرت على الخروج من المدرسة للزواج، ذكرت بعض التحليلات الفنية عنها أن زوجها كره حبها للموسيقى، ولم يدعم طموحها، حتى تم الطلاق بينهما، وبعدها حدثت وفاة والدها الذي أحزنها كثيرًا، حينها قررت مغادرة الإسكندرية، وانتقلت إلى القاهرة حيث الأضواء والشهرة.

في القاهرة قامت بتدريس البيانو لبنات العائلات الأرستقراطية، ونسخ النوتة للفرق الموسيقية مقابل جنيهًا واحدًا للصفحة الواحدة، وبعدها عادت إلى للتأليف الموسيقي مع شركة كولومبيا في الإسكندرية، وسجلت مع شركة أوديون مقطوعتين موسيقتين، كانت الموسيقى في دم بهيجة، ثبتت أقدامها داخلها، وفي عصر السينما الصامتة تركت بهيجة العديد من المقطوعات الموسيقية، التي درست جيدًا قواعدها، وتعلم التباين بينها وبين موسيقى الأغاني، آمنت بهيجة بتأثير الموسيقى التصويرية الجيدة "الناس ممكن تعيط بالموسيقى بس بدون ما يسمعوا ولا كلمة".

1 (1)

كان عام 1930 نقطة تحول في حياة بهيجة، حينها عرض عليها المخرج محمد كريم بطولة فيلم "زينب"، وافقت بهيجة على التمثيل، ومن بعدها بدأت سلسلة من الأفلام التي كانت فيها الممثلة ومؤلفة الموسيقى التصويرية، وأحيانًا مؤلفة الفيلم والمخرجة أيضًا، فقد وجدت بهيجة أنها لا تستطيع الاعتماد تمامًا على المُخرجين "كنت شايفة اللي حواليا ضعاف"، لذا اتجهت لتعلم الإخراج والمونتاج في باريس، وبعد ذلك ألفت وأخرجت فيلم "ليلى بنت الصحراء" عام 1937، وبرفقتها أربع مساعدين، فقد كان حجم المجهود المبذول كبيرًا في عصره "فيه ألافات الأنفار وعملت فيه حرب"، واعتبر الفيلم أضخم إنتاج في ذلك الوقت بعدما تخطت تكلفته 18 ألف جنيه.

كانت بهيجة مُغامِرة كبيرة في الحياة، ذات شخصية قوية وعنيدة، لم تضعف أمام محاولات أسرتها لمنعها من السير في طريق الفن، تنكروا لها حين قامت بالتأليف الموسيقي، حتى أنها وافقت على تمثيل فيلم زينب رغم رفضهم لذلك "قولت يلا بالمرة أهم زعلانين في كل الأحوال"، ولكن القدر حمل لها مفاجأة جميلة حين تم عرض الفيلم في الإسكندرية، جاءت والدتها لمشاهدتها "والدتي قالت ودوني أنا مشفتش بنتي بقالي تلات سنين"، وتذكر بهيجة في إحدى حواراتها أن أمها حين شاهدتها تموت داخل الفيلم سقطت مغشية عليها "والناس قالولها لا هي عايشة"، وجرت عليها بهيجة مصطحبة إياها خارج قاعة السينما "أخدتها في حضني ومشينا سوا واتصالحنا كلنا".

2 (1)

تأثّر الأم بوفاة ابنتها لم يكن فعلًا فريدًا، فقد كان تأثير السينما في ذلك الوقت قويًا على الناس، تحكي بهيجة أن النشادر لم يكن في غنى عنه بأيدي العاملين بالسينما، ففي الفيلم الصامت "الضحايا" الذي مثلت بطولته برفقة زكي رستم كان الجمهور يسقط مغشيًا عليه، بسبب رؤيتهم لبهيجة تحت تأثير المخدرات "في المشهد كان جوزي بيشممني كوكايين"، فقد كان الانفعال يصل بهم حد الإغماء، ويحكي الفيلم عن تأثير المخدرات الذي اهتمت بهيجة بالتعبير عن تلك المشكلة المجتمعية، حتى أنها ذهبت للمستشفى حتى ترى المصابين بتأثير المخدرات للاستعداد للفيلم.

اهتمت بهيجة بأن ترصد حالة المجتمع، لذا قامت بتأليف فيلم الضحايا، الذي كان أول إنتاج لشركتها السينمائية "فنار" عام 1932، ولم تكن تنسى دورها الأصيل في تأليف الموسيقى التصويرية في كل الأعمال التي شاركت فيها، حتى أن فيلمها الأول "زينب" قد ألفت فيه حوالي 12 مقطوعة موسيقية.

3 (1)

كان آخر أفلام بهيجة في البطولة هو فيلم "زهرة السوق" عام 1947، بعد توقف عن التمثيل لمدة عشر سنوات، حيث تعرضت للعديد من المشكلات بسبب فيلم "ليلى بنت الصحراء"، فبعد نجاحه تم منعه من العرض لأنه يتعرض لإيران في قصته، وبعد ذلك أعادت بهيجة إنتاجه تحت اسم "ليلى البدوية"، ولكنه لم يحقق أي نجاح، وكان سبب في خسارة أموالها، وتوقفها عن التمثيل حتى عام 1947، حيث عادت مرة أخرى للإنتاج والتمثيل في فيلم "زهرة السوق"، ولكنه لم يحقق أي نجاح، وأفلست شركة فنار على إثره.

كانت مسيرة بهيجة حافظ حافلة بالنجاحات والصراعات، وكان ذلك طبيعيًا في الوسط الفني الشرس، حتى أنها قالت في إحدى لقاءاتها "مفيش أمان في الدنيا حتى لنفسك"، ابتعدت بهيجة عن السينما، لكنها ظلت على عهدها مع الموسيقى، حيث كانت أسست أول نقابة عمالية للموسيقى عام 1937، والتي ظلت موجودة حتى عام 1954، بعد ذلك أقامت صالونها الفني الذي انعقدت فيه الندوات، وقدمت فيه المواهب الغنائية، وتحول الصالون إلى جمعية ثقافية كانت تضم حوالي 50 ألف كتاب في مجالات الأدب والفنون، و3 آلاف مقطوعة موسيقى، كذلك مجموعة نادرة من كتب القانون والتاريخ والفلسفة، إلى جانب مجموعة نادرة من الآلات الموسيقية واللوحات النادرة.

4

وبعد تلك المسيرة الحافلة سكنت الدنيا حول بهيجة، فلم يطرق بابها سوى عدد من معارفها، وقيل إن الجيران اكتشفوا وفاتها في 13 ديسمبر 1983 بعد يومين من الوفاة، ولم يمشْ في جنازتها أحد من الفنانين، كان ذلك دليلًا على غفلة الناس عن مبدعين كُثر من بينهم بهيجة، غير أن الزمن لا يسري على حال، فبعد تلك الغفلة لسنوات طوال تمكّنت شركة جوجل من إحياء ذكرى المبدعة الكبيرة، في ذكرى ميلادها في الرابع من أغسطس، وكأن بهيجة بُعثت من جديد ليتذكرها الناس، واحتفت بها وسائل الإعلام هذا العام.

اقرأ أيضًا:

منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)

منسيون ومنسيات (2)-هند نوفل.. تطلعات امرأة في صحافة القرن الـ19 (بروفايل)

منسيون ومنسيات (3)-أحمد سامي.. غواية الغناء التي لم تجعل صاحبها نجمًا (بروفايل)

منسيون ومنسيات (4)- أحمد فتحي.. أسير الماضي صاحب السيرة الضائعة (بروفايل)

منسيون ومنسيات (5)- لور دكاش.. من ترك العود وحيدًا؟ (بروفايل)

منسيون ومنسيات (6)- عباس البليدي.. نجم اختفى في الستينيات (بروفايل)

منسيون ومنسيات (7)-نادرة.. معجزة القاهرة في الثلاثينيات (بروفايل)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان