فراق الأحبة مُر.. كيف ساندت أمريكيتان أهالي المنتحرين؟
كتبت-دعاء الفولي:
ظل يوم 10 سبتمبر مميزًا، تحتفل فيه كريستي نويل مع خطيبها شون بعيد ميلاده، لكن في شتاء 2011 أنهى الشاب حياته، بعد معاناة استمرت لسنوات مع مرض الوسواس القهري، من وقتها نذرت صاحبة الـ44 عامًا صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية بالأمراض النفسية، باتت الذكرى كل عام متنفسًا لها للحديث عنه، مشاركة مشاعرها مع الآخرين، وتمرير بعض الأمل لمن عايشوا نفس الظروف.
في العاشر من سبتمبر الجاري، والموافق لليوم العالمي لمنع الانتحار، نشرت كريستي، المقيمة بولاية كانساس الأمريكية، مقطعًا صغيرًا عبر انستجرام، لم تتحدث فيه، فقط حملت بضعة لافتات كتبت عليها معلومات عن شون "أريد أن يرى الناس أنه كان شخصا حقيقيًا وأن يروا أن الانتحار لا يميز ويغير بعمق حياة كل من تأثروا به.
نحن نعيش حاملين هذه الخسارة معنا دائمًا". تفاعل معها كثيرون، رغم أنها ليست المرة الأولى التي تنشر عنه "لكن ردود فعل الناس كان مختلفًا تلقيت الكثير من أشخاص فقدوا أيضًا أحبائهم بسبب الانتحار. بدأوا في تبادل قصصهم. لقد تأثرت حقًا وحزنت في نفس الوقت".
View this post on Instagram
حين رحل شون قبل شهر واحد من زواجهما، لجأت كريستي لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، ساعدها ذلك على إدراك ما تمر به، فيما كانت الكتابة هي الخيار الأول لـ”كمبرلي ستير”، المقيمة بولاية بوسطن.
عام 2018، فقدت كمبرلي ابنها توم الذي كان في السابعة عشر، تتذكر الأم كيف كان رد فعله قبل الوفاة بعام، حينما أنهى مديرها في العمل حياته "وقتها سألت توم، لن تفعل ذلك بي أبدا صحيح؟"، فكان رده بالنفي القاطع، حاول الشاب خلال العام التالي مواجهة الاكتئاب لكنه اتخذ القرار في النهاية.
كانت يد كمبرلي ترتعش إذ تكتب المنشور الأول عن توم عبر فيسبوك بعد عام من انتحاره "كنت خائفة من ردود فعل الناس"، لكنها إذ أطلقت العنان لكلماتها، وجدت دعما ضخما ممن حولها "شاركوني قصصهم، شعرت أني لست بمفردي، بتنا مجتمع صغير عبر فيسبوك.
كانت الأم الخمسينية كلما تبحرت في قصص الآخرين، أدركت أنها رأت بعض العلامات على ابنها "ولكني لم أنتبه لخطورتها"، أرهقها ذلك طويلاً، فلجأت للعلاج النفسي، وفي نفس الوقت، سردت تلك العلامات على مجموعات مختلفة في فيسبوك "حذرت كثيرين مما يشعر به أبنائهم"، باتوا يلجأون لها أو لزوجها "وأحيانًا تكون المشورة نفسية فنوصي لهم بعدد من الأطباء الذين تعاملنا معهم".
تتشارك كمبرلي وكريستي الفقد، لذا يراهما كثيرون صادقتين في محاولة المساعدة "يشعر الناس بالأمان عند التحدث إلينا"، تقول كريستي، فيما تؤكد كمبرلي أن "كثير من الأشخاص أخبروني أنه من خلال كتاباتي وعروضي التقديمية ومحادثات فردية، فقد أنقذنا أرواحهم"، فما إن انفتحت طاقة الحكي عند كمبرلي، حتى تركت عملها كمدرسة للمسرح واتجهت للأحاديث التحفيزية لتحاول منع الانتحار.
تحاول كريستي ألا تلوم نفسها، تحكي لمتابعيها كيف كان شون شخصا رائعًا "له أحلام كثيرة، أهمها أن يصبح متحدثا تحفيزيًا"، ربما لأنه مر بالسوء فأراد أن يخففه عن الآخرين، عرفت السيدة الأربعينية بمرضه منذ اليوم الأول في علاقتهما "كان يحارب بمفرده، يظهر للناس ضاحكًا مستمتعًا بحياته وفي الداخل عكس ذلك"، سألته كريستي ذات مرة بينما كانا يتزلجان على الجليد "هل تفكر في الانتحار؟ قال لا، لن أفعل ذلك بكِ وأبنائي"، وعقب يومين تخلى عن حياته "كان شون يخضع وقتها للعلاج، لكن ربما تغلب الألم عليه".
كل منشور تضعه كمبرلي على صفحة فيسبوك، لا تكتفي بالحكي عن ابنها الراحل، تضع رابطًا طبيًا عن الانتحار، كذلك تفعل كريستي، لم تكتفِ الأخيرة بالحديث الافتراضي "تطوعت في أحد مراكز الوقاية من الانتحار.. حيث أساعد الأسر التي فقدت أحد أحبائها"، في المقابل، تقدم كمبرلي استشارات مجانية على الأرض لكثير من الأهالي "لا أقوم بدور المعالج قدر مشاركة أخطائي معهم"، فرغم إدراكها أن رحيل توم ليس خطأها "لكني تمنّيت لو انتبهت أكثر للعلامات، أحيانا ننكر الأمر حين نراه لأننا لا نريد فقدانهم، أحاول إنقاذ الأهالي من المرور بما أشعر به".
تابع موضوعات الملف:
"لن تذهب دموعنا سدى".. أمهات سنغافورة يحاربن الانتحار الذي سرق الأبناء
30 عاما من الاختباء.. أمريكية توثق حياة عائلتها بفيلم بعد انتحار الأم
"الصحة العالمية": 800 ألف شخص ينتحرون سنويًّا وكورونا غيّرَ خريطة الصحة النفسية عالميًّا (حوار)
حصلتُ على فرصة ثانية.. كيف صنعت "فوندا" من محاولة انتحارها طوق نجاة لآخرين؟
"لا تشعروا بالخزي".. صحفية هندية تساعد من لديهم ميول انتحارية
فيديو قد يعجبك: