مقرئون حول العالم (2)- رحلة نيانغ السنغالي مع شرائط "الحصري" وعشق القرآن
كتب- محمد مهدي وإشراق أحمد:
في كُل مكان داخل مدينة كولخ بوسط السنغال كان محمد المصطفى نيانغ يبحث عن شرائط وتسجيلات الشيخ محمود خليل الحصري، للاستماع إلى تلاوته للقرآن الكريم، يجلس بجوارها لساعات منتشيا بالصوت والطريقة "أكثر التسجيلات التي كنت أسمعها وأركز في أداء القارئ الكبير" لتُصبح تلك العادة واحدة من الخطوات التي ساقته إلى الحياة القرآنية، كما يحكي لمصراوي.
كان نيانغ القادم من السنغال قد ظهر بصورة طيبة في مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم ليحصد المركز الثالث في فرع الصوت الحسن بالتلاوة المجودة، بعد منافسة قوية مع عشرات القراءة من كافة دول العالم ويصعد على منصة التتويج في نهاية التجربة الحافلة بالإيمان، ليتحول لأحد أبرز الأصوات في دنيا التلاوة رغم صغر سنه.
وينتمي نيانغ إلى المدينة التي ولد فيها الشيخ السنغالي الجليل إبراهيم إنياس الكولخي، أول إفريقي يقف إماما في صلاة الجمعة بالأزهر الشريف "حصلت على شرف عظيم بالفوز في مسابقة باسم الشيخ إبراهيم إنياس، والسماح لي بقراءة القرآن داخل مسجده الكبير في محافظتنا" يذكرها الشاب العشريني بفخر.
ويعود الفضل الأول لعلاقة الشاب السنغالي بالمصحف إلى والده "لقد بدأت تعلم القرآن تحت إشراف أبي فهو شيخ مُحفظ للأطفال داخل منطقتنا ولديه ساحة تعليمية مخصصة لذلك" دعاه الأب في صغره إلى حفظ صفحة واحدة يوميا من كتاب الله "وكلما أنهيت جزء كامل يساعدني في مراجعته حتى نجحت في ختم القرآن" ليتلقى وصية من ذويه بضرورة القراءة اليومية حتى لا ينسى الآيات مع مرور الوقت.
مس الشغف قلب نيانغ أكثر في سن الـ 13 عاما "صرت محبا للاستماع إلى كبار القراء، أنطلق وراء تسجيلات الشيخ محمود خليل الحصري، من بعده الشيخ عبدالباسط عبدالصمد ثم الشيخ محمد صديق المنشاوي، وبعد سنوات أحببت التلاوة المجودة من خلال الشيخ أحمد نعينع" لا يكتفي الشاب السنغالي أبدا من الأصوات الملائكية، كلما انتهى من طريق اتجه إلى درب جديد "صرت أحب أيضا الشيخ مصطفى إسماعيل".
أراد ابن مدينة كولخ اختبار مدى إجادته للتلاوة من خلال المشاركة في المسابقات المحلية "فزت بعدد من الجوائز بمدينتي وفي مسابقات أخرى تمت في العاصمة داكار، أظهر نيانغ إمكانياته الجيدة في قراءة القرآن الكريم، وبات يُشار إليه بالبنان في السنغال ليحصل على مساحة ليست بالصغيرة في المناسبات الدينية المختلفة وبعض الإذاعات "لا يوجد إذاعة مخصصة للقرآن في بلادي لكن قرأت في عدد من الإذاعات لمرات قليلة".
عبر الإنترنت علم نيانغ ببدء الدورة الرابعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم، لم ينتظر كثيرا، على الفور تقدم إلى التصفيات من خلال فيديو قصير يحتوي على تلاوة لبعض الآيات البينات وتسجيل اسمه وكافة المعلومات الأخرى الطلوبة "بعد فترة أبلغوني بنجاحي وضرورة الانطلاق إلى محافظة بورسعيد للمشاركة في الاختبارات النهائية" مكث هناك لعدة أيام، وقف فيها أمام لجان تحكيم على أعلى مستوى، وأدرك أنه يعيش تجربة غير اعتيادية.
بعد الانتهاء من الاختبارات المطلوبة في التصفيات النهائية، شعر الشاب العشريني أن حظوظه جيدة واقترابه من تذوق طعم النجاح خلال ختام فعاليات مسابقة بورسعيد الدولية، قبل أن يعلم باقتناصه المركز الثالث بفرع الصوت الحسن "شعرت لحظتها بالتوفيق الإلهي، المنافسة كانت عالية بين أصوات متميزة في الحفظ والأداء" ليحتفظ بالشهادة التي حصل عليها وصوره مع زملائه ولجان التحكيم في غرفته من شدة فرحته.
لشهر رمضان مكانة رفيعة لدى عاشق القرآن الكريم، يستعد لها جيدا قبلها بفترة كبيرة، ويستمتع بالقرب من آيات الله بطريقة أكبر خلال الأيام المباركة "أركز في حفظ وتدبر المصحف الشريف أكثر والاستماع إلى تلاوات القرآن من كبار المشايخ" ويُطلق لنفسه العنان عندما يؤم الأهالي في صلاة التراويح داخل مسجد صغير بالحي الذي يعيش فيه.
ولا يشعر نيانغ أن ما حققه في طريق القرآن حتى الآن كافيا، ما يزال لديه الكثير ليتعلمه ويتعرف عليه في هذا الدرب الشريف "أتمنى الوصول إلى أعلى المستويات في إتقان الحفظ والأداء والفهم للقرآن الكريم، فضلا عن مساعدة أخواتي الصغار بالسنغال في تدريبهم وتعليمهم" يريد أن يستكمل خطوات والده الطيبة وأن يحمل حلاوة القرآن إلى الجميع من خلال حنجرته الرقيقة.
فيديو قد يعجبك: